وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قطر وإسرائيل: تحالف استراتيجي ولكن معقد

أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (يمين) يحيي نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز في الدوحة ، 30 يناير 2007.
أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (يمين) يحيي نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز في الدوحة ، 30 يناير 2007. (Photo by KHALED MOUFTAH / AFP)

في العام 1991، أعرب الأمير السابق خليفة بن حمد آل الثاني عن دعمه لمؤتمر مدريد للسلام بين الدول العربية وإسرائيل ما أتاح لقطر إنشاء علاقات ثنائية مع دولة إسرائيل. كذلك، كان خليفته حمد بن خليفة حاضراً في حفل التوقيع على اتفاقية “أوسلو 2” المبرمة بين الفلسطينيين وإسرائيل في العام 1995 وقد أعرب بدوره عن دعمه لعملية السلام هذه. وبفضل هذا الدعم السياسي، تم إطلاق عدد من المشاريع التجارية بين قطر وإسرائيل ما ساهم في توطيد العلاقات بين هذين البلدين. وبالتالي، أصبحت قطر الدولة العضو الأولى في مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تعترف رسمياً بدولة إسرائيل وذلك عن طريق افتتاح المكتب التجاري الإسرائيلي الأول في مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الدوحة بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز في العام 1996.

أدى انتخاب بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة الإسرائلية ومن ثم افتتاح نفق الجدار الغربي في العام 1996 إلى تدهور العلاقات بين إسرائيل وقطر. وعلى الرغم من تعليق عملية السلام بين العرب وإسرائيل في ذلك الوقت، استضافت قطر وزير التجارة الإسرائيلي في المؤتمر الاقتصادي الرابع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي أقيم في الدوحة في العام 1997 ما أثار غضب الدول العربية وقد وصفت المملكة العربية السعودية هذه الخطوة بأنها تهديد “للمصلحة العليا للأمة العربية”.

مع تعليق عملية السلام، تعرضت قطر لضغوط متزايدة من أجل تجميد علاقاتها مع إسرائيل كما أن انتهاك إسرائيل لاتفاقية أوسلو صعّب على الحكومة القطرية تبرير علاقاتها التجارية مع إسرائيل. نتيجة لذلك، برزت أولى إشارات التباعد بين هذين البلدين الشريكين واستمر الوضع على هذا النحو مع اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000. ووجهت السلطات القطرية انتقادات لإسرائيل كما رفضت زيارة إيهود باراك للبلاد. و اجتمع حمد في النهاية بإيهود باراك في مؤتمر قمة الألفية الذي عقد في مقر الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر من العام 2000.

استضافت الدوحة اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2000، إلا أن استمرارها في التعامل مع الإسرائيليين تسبب بحدوث تضارب سياسي مع المملكة العربية السعودية وإيران ودول أخرى. ورفضت قطر تلبية الدعوات التي وجهها رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي إلى قطر من أجل إقفال المكتب التجاري الإسرائيلي إلا أنها استسلمت في النهاية للضغوطات المتزايدة وأعلنت إقفال المكتب التجاري في الدوحة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2000. وعلى الرغم من ذلك، تم عقد اجتماعات سرية بين البلدين واستمر التعاون بينهما بشكل غير رسمي, وفق مثيو ماكوفسكي, باحث في جامعة ملكة ماري في لندن, بريطانية.

ازدادت طموحات قطر في أن تصبح دولة ناشطةً إقليمياً على الصعيد الديبلوماسي، فطلبت أكثر من مرة التوسط في عملية السلام بين إسرائيل والدول العربية. وفي العام 2003، اجتمع وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني مع وزير الخارجية الإسرائيلي سلفان شالوم في باريس لمناقشة سبل إرساء السلام في منطقة الشرق الأوسط. وفي شهر أيار/مايو من العام 2003، صرّح حمد بأن “قطر مستعدة للنظر في معاهدة سلام مع إسرائيل إن كان ذلك يصب في مصلحة دول الخليج”. وفي العام 2005، وكخطوة إيجابية تهدف إلى فصل إسرائيل عن غزة، التقى حمد بوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في إطار اجتماع الأمم المتحدة في نيويورك.

حاولت قطر إيجاد نوع من التوازن في علاقاتها مع إسرائيل فسعت إلى التوفيق بين الجانب الديبلوماسي الذي يتيح لها استخدام نفوذها الإقليمي للتوسط في العلاقات الإسرائيلية العربية من جهة ووفائها للقضية الفلسطينية من جهة أخرى. وفي العام 2006، عرضت قطر المساعدة أثناء الحرب بين إسرائيل ولبنان كما قامت بالتوسط بين إسرائيل والحكومة اللبنانية وممثلي حركة حماس وحزب الله. وفي العام 2006-2007، دعمت إسرائيل قطر في تمثيلها المؤقت لمجلس أمن الأمم المتحدة.

في شهر نيسان/أبريل من العام 2008، زارت وزيرة الخارجية ليفني قطر في رحلتها الأولى إلى منطقة الخليج. وبدعوة موجهة من قبل الأمير السابق بن خليفة آل ثاني، عقدت ليفني اجتماعات عديدة بما في ذلك اجتماعاً مع الأمير. ونتيجة لذلك، تعرضت قطر لانتقادات عديدة من قبل الدول المجاورة إلا أن إسرائيل أعربت عن تقديرها لها في منطقة تكثر فيها حركات المقاومة وترفض فيها الحكومات التحاور مع إسرائيل طالما أن احتلال الأراضي الفلسطينية مستمر.

وفي شهر ديسمبر من العام 2008، شهدت العلاقات التي تربط بين البلدين نقطة تحول حين شنت إسرائيل هجوماً على قطاع غزة وهي خطوة وصفها رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية حمد بن جاسم آل ثاني بأنها “من أكثر الهجمات وحشية ضد الشعب الفلسطيني”. وفي هذا السياق، قطعت قطر علاقاتها مع إسرائيل وأقفلت المكتب التجاري كما طردت جميع الأفراد الذين يمثلون إسرائيل”. في المقابل، عرضت قطر مساعدتها للتوسط من أجل وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في أوائل العام 2009. ونقل القائد القطري رسالته من خلال عضو في الكنيست الإسرائيلي (وهو تابع لحزب ميرتس اليساري التقدمي) ووزير الخارجية السابق يوسي بيلين اللذين التقيا في قطر في اجتماع لوزراء الخارجية السابقين.

بعد إعلان الهدنة بين إسرائيل والفلسطينيين وتراجع إدانة الأعمال الإسرائيلية في غزة، سعت قطر جاهدةً إلى إعادة بناء علاقاتها مع إسرائيل في العامين 2009 و2010 وذلك شرط أن تسمح إسرائيل لها بإرسال الأموال ومواد البناء إلى غزة من أجل إعادة تأهيل اقتصادها وبناها التحتية وأن تعترف إسرائيل علناً بدور قطر في عملية إرساء السلام في الشرق الأوسط. في المقابل، رفض كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان تلك المبادرة القطرية.

في السنوات التالية، بقيت العلاقات القطرية الإسرائيلية مستقرة. وادعت قطر بأنها قادرة على أن تكون وسيطاً إقليمياً للسلام من خلال بناء علاقات سياسية متساوية مع مختلف الجهات. وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2012، شنت إسرائيل هجوماً على قطاع غزة تسبب في تدمير البنى التحتية فيه. وتعبيراً عن تضامن قطر مع قطاع غزة، زار أمير قطر قطاع غزة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2012. وكانت إسرائيل قد سمحت بهذه الزيارة في إطار الجهود المشتركة مع الولايات المتحدة والهادفة إلى إبعاد حركة حماس عن إيران وسوريا ومساعدتها على بناء علاقات مع دول ذات توجه غربي ودول سنية معتدلة في الشرق الأوسط مثل مصر، وتركيا، والأردن. في المقابل، قطعت مصر مجدداً علاقاتها مع حماس بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة محمد مرسي الداعمة لحركة حماس.

ستواصل قطر تحاورها مع إسرائيل لأسباب استراتيجية وإقليمية فهي تسعى من خلال علاقاتها مع إسرائيل إلى تعزيز ارتباطها بالغرب بما في ذلك الولايات المتحدة كما أنها ترغب في أن تساهم علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل في بيع مخزونها الفائض من الغاز الطبيعي. بالإضافة إلى ذلك، ترغب الحكومة القطرية في تعزيز قطاع التكنولوجيا من خلال اكتساب المعرفة وتشجيع الشركات الإسرائيلية العالية التقنية على تصدير الوظائف ومشاريع التنمية إلى قطر عوضاً عن الهند أو أوروبا الشرقية.

كان حجم التبادلات التجارية بين إسرائيل وقطر ضئيلاً. ووفقاً  لدائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، بلغت قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى قطر 509,000 دولار أميركي في العام 2012 (598,000 دولار أميركي في العام 2008) وبلغت قيمة وارداتها من قطر 353,000 دولار أميركي في العام 2013 (2,141,000 دولار أميركي في العام 2008). إشارة إلى أن الصادرات الإسرائيلية إلى قطر كانت تتألف بمعظمها من الآلات ومعدات الكمبيوتر والتجهيزات الطبية في حين كانت معظم وارداتها من قطر تتألف من المواد البلاستيكية.

user placeholder
written by
telesto
المزيد telesto articles