وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وسط الصدع الإقليمي، قطر تواجه أسوأ أزمةٍ دبلوماسية منذ الاستقلال

Qater- Saudi Arabia and UAE cut ties with Qatar
الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود يتحدث الى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حول قطع العلاقات البلوماسية مع قطر وذلك لدعمها للجماعات الإسلامية العنيفة في المنطقة. Photo AP

في 5 يونيو 2017، قطعت السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين والحكومة اليمنية في المنفى والحكومة الليبية في الجزء الشرقي من البلاد، علاقاتها الدبلوماسية مع قطر. فقد وجدت الدولة الصغيرة الغنية بالنفط والغاز، والتى ظلت منذ سنوات تقاتل في الحلبات فوق وزنها السياسي، نفسها في مواجهة أزمةٍ دبلوماسية هي الأشدّ منذ اعلان استقلالها عن بريطانيا فى 3 سبتمبر 1971.

فقد أضافت المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين أنها ستوقف حركة المرور البرية والجوية والبحرية مع قطر، وتخرج دبلوماسييها وتطلب من مواطنيها المقيمين في قطر المغادرة، باستثناء مصر، فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، حيث يعيش في قطر حوالي 250 ألف وافد مقيم يعملون هناك.

سياسة قطر الخارجية: ما أهميتها للمنطقة

على غرار دول الخليج الأخرى، كانت السياسة الخارجية لقطر تتماشى مع السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية حتى منتصف التسعينيات. وبعد وصوله إلى السلطة في عام 1995، سلك الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، مساره الخاص بقطر، مما مثل نقطة تحولٍ في خطاب السياسة الخارجية للبلاد.Read More »

وعلاوة على ذلك، طُردت قطر من التحالف الإسلامي بقيادة السعودية الذي يقاتل المتمردين الحوثيين في اليمن. تطورت الأزمة بعد ذلك بأيام، عندما أعلنت موريتانيا وجزر المالديف وموريشيوس أيضاً قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر.

أدت هذه الخطوة المنسقة، التي أججت نزاعاً متجذراً منذ حين حول دعم دولة قطر المزعوم للجماعات الإسلامية، إلى حالة من عدم اليقين في البلاد، التي تشترك في حدودها البرية الوحيدة مع المملكة العربية السعودية وتستورد ما يقدر بنحو 40% من غذائها من المملكة. فقد انتشرت صورٌ من المحلات التجارية القطرية الكبرى برفوف فارغة وطوابير طويلة من الناس لتخزين الأغذية على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية.

وقالت وزارة الخارجية القطرية أن هذه الاجراءات لا مبرر لها وتستند إلى أخبار مزورة، في إشارةٍ إلى الإدعاءات بتعرض موقع وكالة الأنباء القطرية “قنا” التى تديرها الدولة للاختراق فى أوآخر مايو 2017. ومع هبوط سوق الأسهم القطرية وإرتفاع أسعار النفط، اتهمت قطر دول الخليج الأخرى بانتهاك سيادتها.

وفي 30 مايو، نشر موقع قناة العربية الإخباري السعودي سلسلةً من المطالب التي قالت مصادر دبلوماسية أنها ستكون مُلزمة في أي اتفاقٍ يتم التوصل إليه بين قطر والدول الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون الخليجي. وتشمل هذه المطالب:

  • التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج والدول العربية؛

  • وقف التحريض من خلال القنوات الإعلامية القطرية؛

  • وقف تجنيس المزيد من المواطنين من دول الخليج الأخرى؛

  • وقف التحريض ضد مصر عبر سياساتها؛

  • وقف دعم جماعة الإخوان المسلمين الإسلامية؛

  • ترحيل الأشخاص المعادين لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى من الأراضي القطرية، سيما أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

وبحسب المحلل السياسي الإماراتي سلطان سعود القاسمي، فإن دول الخليج لم تعد تثق في قطر منذ أن نكثت العهد من جانبها فيما يتعلق باتفاق الرياض لعام 2014. وبدلاً من وقف التغطية الإعلامية والدعم للجماعات الإسلامية، كما وعدت، وجدت قطر طرقاً للاتفاف على الاتفاق، على حد قوله. ونتيجةً لذلك، يعتقد أن دول الخليج قد تطالب بإغلاق قناة الجزيرة وغيرها من الشبكات التي تمولها قطر، بما في ذلك قناة العربي الجديد، التي أنشئت أصلاً لتنافس قناة الجزيرة برئاسة السياسي السابق، الفلسطيني الإسرائيلي، عزمي بشارة.

وكانت السعودية والإمارات والبحرين قد قطعت علاقاتها مع قطر في عام 2014، قبل اتفاق الرياض، وسحبت سفرائها من البلاد لمدة تسعة أشهر. وتعتبر المواجهة الاخيرة الاسوأ التي تعصف بالخليج منذ تشكيل مجلس التعاون الخليجي عام 1981.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن المشكلة الرئيسية التي تسببت في الصدع لم تلتئم أبداً. فعلى الرغم من أن القطريين خففوا من لهجة تغطية قناة الجزيرة، فضلاً عن إغلاق مكتب الجزيرة بالقاهرة وطرد بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من العاصمة القطرية الدوحة، إلا أن طموحها بأن تكون فاعلاً إقليمياً لم يتراجع أبداً، ولا علاقاتها مع مجموعة من الإسلاميين السياسيين في جميع أنحاء المنطقة، مما أغضب دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لا تظهر أي تسامحٍ أبداً مع جماعة الإخوان المسلمين.

وربط العديد من المحللين التصعيد الأخير بالزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العاصمة السعودية خلال قمة الرياض في 20-21 مايو عندما تبنى بحماسة الرواية السعودية عن كونه شريكاً في الحرب ضد الإرهاب ومواجهة نفوذ إيران في الشرق الأوسط.

وفي سلسلةٍ من التغريدات، بدا أن الفضل يعود لترامب بالقرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية وحلفائها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، التي تعبر حليفة غاية في الأهمية لأمريكا، والموافقة على هذه الخطوة على الرغم من محاولة وزارة الدفاع الأمريكية والبنتاغون البقاء على الحياد.

ففي تتغريدة نشرها ترامب عبر موقع تويتر قال فيها “خلال رحلتي الاخيرة الى الشرق الأوسط ذكرت انه لا يمكن أن يكون هناك تمويل للأيديولوجيات الراديكالية فأشار القادة الى قطر.” إلا أنه غيّر مساره فيما بعد، واتصل بالأمير القطري وعرض عليه تقديم الوساطة الأمريكية لإيجاد حلٍ للأزمة.

وتستضيف قطر مركز العمليات الجوية المشتركة في قاعدة العديد الجوية التي توفر القيادة والسيطرة للقوة الجوية في جميع أنحاء العراق وسوريا وأفغانستان و17 دولة أخرى، وقد لعبت دوراً حيوياً في ما يسمى الحرب على الارهاب.

وفي 6 يونيو، تحدث وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى بيكي أندرسون من شبكة سي إن إن، قائلاً أن الاتهامات السعودية بأن بلاده تدعم الإرهاب “لا تستند إلى وقائع.”
وقال آل ثاني “مع احترامي، فإن البيان مليء بالتناقضات؛ فهو يقول أننا ندعم من جهة إيران والمتطرفين في سوريا، والإخوان المسلمين في السعودية أو اليمن، والحوثيين في اليمن من جهةٍ أخرى، وكلهم خصوم على مختلف جبهات القتال.”

ووفقاً لما جاء في مقال نشرته صحيفة فايننشال تايمز، فقد دفعت قطر مؤخراً فديةً قدرها مليار دولار إلى إحدى الجماعات التابعة للقاعدة ومسؤولين أمنيين إيرانيين لإطلاق سراح أفراد من أسرتها المالكة الذين اختطفوا في العراق أثناء قيامهم برحلة صيد.

وقال أحد المراقبين الخليجيين الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن هذه هي “القشة التي قسمت ظهر البعير.” فعلى ما يبدو فإن السعوديين والإماراتيين عازمون على استخدام هذا كدليلٍ على سياسة قطر في تأجيج طرفيّ النزاع.

وعلى صعيدٍ متصل، تمتلك الدوحة تاريخاً طويلاً بالوصول إلى الجماعات والشخصيات المثيرة للجدل. من قادة طالبان والمتمردين في السودان إلى قادة حماس وحتى حزب الله، عادةً ما تضع نفسها كلاعبٍ محايد يعمل كوسيطٍ في الصراعات الإقليمية من خلال القنوات الخلفية الدبلوماسية.

ومع ذلك، ووفقاً لأقسى منتقدي الدوحة – وخاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة – تستخدم قطر مثل هذه السياسات للعب على كلا الجانبين من أجل تمويل الجماعات الإسلامية المتطرفة. وكما يقولون، فإن صفقة الرهائن كانت دليلاً آخر على ذلك هذا الدور. وكثيراً ما توجه اتهاماتٌ مماثلة إلى المملكة العربية السعودية نفسها.

إن الشاغل الرئيسي للإمارات العربية المتحدة هو جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها منظمةً إرهابية تشكل تهديداً لنظام حكمها الوراثي. ومع ذلك، بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن مقال ذا أتلانتك بعنوان “قطر: طفل الخليج المثير للمشاكل” يُفسر على أكمل وجه العلاقة بين قوةٍ إقليمية ودولٍة صغيرة تريد أن تلعب دوراً كبيراً.

فقد وافقت قطر على إرسال الولايات المتحدة مكتب التحقيقات الفدرالي إلى الدوحة لمساعدة الحكومة القطرية فى تحقيقاتها في حادث الاختراق المزعوم الذى ساهم في إشعال الأزمة. وفي 7 يونيو، أفادت شبكة سى إن إن أن المعلومات الاستخبارتية التى جمعتها وكالة الأمن الأمريكية تشير إلى أن قراصنةً روس وراء الاختراق.

وذكرت وكالة الانباء الكويتية أن الأمير الكويتي، الشيخ صباح الأحمد الصباح، تحدث مع أمير قطر في 5 يونيو الجاري، وحثه على بذل جهود تهدف إلى تخفيف حدة التوتر والامتناع عن تصعيد الخلافات الدبلوماسية. هذا ويدرك الكويتيون والعُمانيون جيداً أن الفشل في حل الأزمة يمكن أن يقوض في نهاية المطاف مصالح الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ويعتقد العديد من المحللين أن الانهيار المحتمل لدول مجلس التعاون الخليجي هو بالفعل حقيقة واقعة.

ومع ذلك، قال عبد الباري عطوان، الصحفي العربي المخضرم ورئيس تحرير صحيفة الرأي اليوم الكويتية، في مقابلةٍ تلفزيونية مع يورونيوز، أن قطر دفعت ثمن محاولة انتهاج سياسة خارجية مستقلة عن المملكة العربية السعودية. وأضاف انه في حال لم تلتزم الدوحة بالمطالب السعودية والاماراتية، فانها ستواجه احتمالاً حقيقياً بالتعرض لغزوٍ عسكري وتغيير النظام.