وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الجزائر: إعادة إحياء الحراك في ظل انعدام استراتيجياتٍ طويلة المدى من قِبل الحكومة

الحراك
قوات الأمن الجزائرية تشكل حاجزاً بشرياً مع خروج المتظاهرين المناهضين للحكومة إلى شوارع الجزائر العاصمة في 26 فبراير 2021. Photo: AFP

صوفيا أكرم

بعد توقفٍ دام قرابة العام، عادت الحركة الاحتجاجية في الجزائر إلى الظهور مع حلول الذكرى الثانية للحراك، مما يُثير تساؤلاتٍ حول ما إذا كانت الحكومة الجزائرية ستتبع استراتيجيةً طويلة المدى.

فقد عادت بعض أكبر الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر للظهور في جميع أنحاء البلاد في 22 فبراير 2021، على الرغم من القيود المفروضة بسبب جائحة كورونا منذ مارس 2020 والتي وضعت حداً للمظاهرات الأسبوعية التي تشهدها جمهورية شمال إفريقيا منذ إعلان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الترشح لفترة ولايةٍ خامسة. ومع ذلك، استمرت موجة المقاومة بعد تنحي السياسي البالغ من العمر 84 عاماً بمطالب شملت العدول عن الوضع الراهن المتمثل في تركز السلطة بين أيدي النخبة الحاكمة.

وعليه، أجريت الانتخابات في ديسمبر 2019، بيد أن فوز عبد المجيد تبون اعتبر استمراريةً للحرس القديم، وفشل في جذب الدعم الجماهيري.

من جهته، أعرب تبون عن استعداده لإجراء حوارٍ مع الحراك، لكن قمع السلطات للمعارضة والذي أدى إلى اعتقال 2500 شخص زاد من عدم الثقة في الحكومة. وبحسب منظمة العفو الدولية، فقد حُكم على حوالي 350 شخص بأحكامٍ تجاوز بعضها السجن لأسبوع، بمن فيهم الصحفي خالد درارني، الذي حكم عليه بالسجن لمدة عامين بسبب تغطيته للاحتجاجات وواحدة من القضايا الأكثر شهرةً في حملة القمع الحالية وتشديد الرقابة أثناء الوباء.

فقد تم حجب ما لا يقل عن 16 موقعاً إخبارياً لانتقادها الحكومة، واستخدمت الأزمة لسن قوانين جديدة بفرض قيودٍ على حرية التعبير.

فعلى سبيل المثال، أضيفت المادة 290 إلى قانون العقوبات والتي تسمح للقاضي بإصدار أحكام بالسجن تصل إلى خمس سنوات على مُنتهكي إجراءات السلامة، ومن “يعرض سلامة الآخرين للخطر” بسبب الدعوة إلى استئناف الاحتجاجات أو انتقاد تعامل الحكومة مع الوباء.

وعليه، عبرّت جماعات الحملات، التي تركز على المنطقة، عن مخاوفها من تأثير هذه الإصلاحات القانونية على الحقوق.

وبحسب ما قاله الباحث القانوني في منظمة منّا لحقوق الإنسان، ألكسيس ثيري، متحدثاً إلى فَنَك: “تشعر منظمة منّا لحقوق الإنسان بقلقٍ خاص إزاء التعديلات الأخيرة على القانون رقم 20-06 من قانون العقوبات والتي أدخلت في أبريل 2020.”

وأضاف إن “التعديلات تعاقب على نشر أخبار كاذبة وتمويل أي جمعية من شأنها أن تقوض الدولة أو المصالح الأساسية للجزائر.” وتابع، “كما نشعر بالقلق من إصدار المرسوم رقم 20-332 المنظم للصحافة الإلكترونية في الجزائر، والذي دخل حيز التنفيذ في 22 نوفمبر 2020. وتعرض النص لانتقادات من منظمات المجتمع المدني لتعزيزه ‘سيطرة السلطة السياسية على حرية التعبير على الإنترنت‘.”

علاوةً على ذلك، وثقت منظمة العفو الدولية 73 حالة تتعلق باعتقال ومحاكمة أعضاء من الحراك وصحفيين، فضلاً عن الاعتقال التعسفي وثلاث حالات شهدت تعذيباً وسوء معاملة.

كما أعربت المنظمة الحقوقية عن قلقها بشأن التداعيات المستمرة للاعتقال، مثل فقدان الوظائف وفقدان سبل العيش واستمرار الإجراءات لسحق المعارضة في الشوارع فضلاً عن قمعها عبر الإنترنت، وعلى سبيل المثال سجن الأشخاص بسبب منشورات انتقدوا من خلالها الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقالت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “هذه هي تصرفات حكومة عازمة على لوم شعبها على الاحتجاج السلمي والتعبير عن وجهات النظر النقدية على وسائل التواصل الاجتماعي. فلا مكان لهذه الأساليب القمعية في مجتمع يحترم حقوق الإنسان.”

وتابعت القلالي القول “فقد كان العديد من الذين عفا عنهم الرئيس تبون، في الأيام الأخيرة، نشطاء سلميين، يمارسون حقوقهم في حرية التعبير والتظاهر، وما كان ينبغي احتجازهم في المقام الأول،” مشيرةً إلى العفو عن 55-60 عضواً في الحراك بذريعة محاولة استرضاء الحراك ومنع تجدد الاحتجاجات في البلاد.

ومع ذلك، أخبرت الأستاذة نسيمة رزازقي، بصفتها محامية الدفاع عن درارني ونشطاء آخرين من الحراك، فَنَك أنه لم يكن هناك عفو وأن محاكماتهم ما تزال قائمة، مستشهدةً بجلسة الاستئناف للصحفي درارني في 25 مارس الجاري.

كما تم الإعلان عن تعديل وزاري محدود قبل الذكرى الثانية للاحتجاجات.

وقالت جيهان بوضياف المحللة في آي.اتش.اس ماركت “اتخذ الرئيس تبون ظاهرياً قراراتٍ أكثر جوهرية… في يومين أكثر مما فعل في عامٍ كامل.”

وأضافت متحدثةً إلى قناة فرانس نيوز 24: “هذه الإجراءات التي اتخذها تبدو وكأنها إجراءات تهدئة وأعتقد أن توقيتها مهم للغاية. لا أعتقد أن إصدار هذا الإعلان المهم قبل يومين فقط من الذكرى الثانية للحراك هو صدفة على الإطلاق.”

وتابعت “سمعنا أن الحراك أوقف نشاطه لمدة عام كامل ولا أعتقد أن هذا هو الحال بالضرورة، بل أفضل استخدام كلمة أنه كان في طور السبات، إذ يرجع هذا أساساً إلى عدم تمكنهم من جمع حشود كبيرة بسبب القيود التي فرضتها الحكومة بسبب إجراءات فيروس كورونا. أعتقد أن الحراك ما يزال على قيد الحياة إلى حد كبير وما يزال قادراً على الضغط على السلطات والقرارات التي يتخذها تبون تظهر ذلك حقاً، فهي تشير إلى ذلك.”

استمرت حملة القمع ضد المعارضة في 22 فبراير 2021، حيث تم اعتقال 59 آخرين، 26 منهم في العاصمة الجزائر. وخرجت احتجاجات سلمية في عدة مدن منها عنابة ووهران وسطيف ومستغانم، ثم اندلعت موجة ثانية من الاحتجاجات في 26 فبراير 2021 ويوم الاثنين في الأول من مارس 2021، كما أفادت وسائل إعلام تركية بوقوع أعمال شغب في مدينة ورقلة الجنوبية رداً على سجن المدون عامر قراش. وبحسب ما ورد سُمع المتظاهرون وهم يهتفون في الذكرى الثانية “لسنا هنا للاحتفال، ولكن للمطالبة برحيلكم.”

بالإضافة إلى ذلك، وعد تبون بإجراء انتخاباتٍ جديدة. وبحسب ما قاله زكي حناش، وهو ناشط يبلغ من العمر 33 عاماً، “التعديل الوزاري لا يهمني، فهم نفس الأشخاص الكبار في السن.” وتابع القول، “الوضع نفسه في البرلمان، إذ سيعمل النواب الجدد من أجل مصالحهم الخاصة وليس من أجل مصالح الشعب، تماماً كحال النظام الحالي.”

ووسط التغييرات القليلة التي حصلت، ما يزال رئيس الوزراء عبد العزيز جراد في منصبه على الرغم من الخطط لإقالته، إذ يُقال إنه لم يفعل ما يذكر لتحسين حياة الجزائريين. علاوةً على ذلك، عيّن تبون مستشاراً سابقاً لعبد العزيز بوتفليقة في منصبٍ وزاري خلال التعديل الوزاري، في خطوة يُنظر إليها على أنها انتهاكٌ لتهدئة السخط العام.

وعلى الرغم من استمرار الحرمان من الحقوق، كانت الحكومة على وعي بعدم تفاقم الاضطرابات من خلال الحفاظ على مستويات عالية من الإنفاق الاجتماعي لمنع تفاقم المظالم، ولكن وسط استنزاف أسعار النفط وأزمة المشاكل الاقتصادية التي سادت منذ عدة سنوات، يمكن أن يصبح هذا النهج في نهاية المطاف غير محتمل، على حد تعبير بوضياف، واصفةً إعلان تبون بـ “إجراءات الهزيمة.”

وقالت “ما يزال هناك افتقارٌ لاستراتيجية طويلة المدى تحتاجها الجزائر حقاً لتكون قادرة على الوقوف على قدميها… على المستويين السياسي والاقتصادي على حد سواء.”

وأضافت: “لذا، في مرحلةٍ ما، سيتعين على الحكومة اتخاذ بعض القرارات الصعبة لمعالجة العجز المالي الحكومي أو العجز في الحساب الجاري.”