Chronicle of the Middle East and North Africa

إيران وروسيا: خلافات مستجدّة وتقاطعات مستمرّة

في حين تصاعدت التوترات الدبلوماسية بين روسيا وإيران بشأن قضايا مختلفة، فإن تعاونهما في مجال الأمن والدفاع لا يزال قائما.

إيران وروسيا خلافات مستجدّة
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يلتقي أمين عام مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو (يسار) في طهران. الرئاسة الإيرانية / وكالة الصحافة الفرنسية

علي نور الدين

منذ بداية العام 2024، تنامت تدريجيًا نقاط الخلاف بين روسيا وإيران، في ما يخصّ ملفّات ترسيم الحدود في منطقة الخليج العربي، والنزعات الحدوديّة بين أرمينيا وأذربيجان، بالإضافة إلى الحرب الأهليّة الدائرة في السودان.

وهذا ما تسبّب في توتّرات أثرّت جديًا على العلاقة الدبلوماسيّة بين البلدين، على الرغم من اتّفاقهما على مبدأ مناهضة النفوذ الغربي. ومع ذلك، لم تمنع هذه التوتّرات استمرار التعاون الأمني والدفاعي المعهود بينهما، بما يخدم الطرفين وفق قاعدة تبادل المصالح.

المصالح المتناقضة جنوب القوقاز

في شهر أيلول/سبتمبر 2024، بلغت التوتّرات الدبلوماسيّة بين روسيا وإيران حدّ استدعاء طهران للسفير الروسي لديها، للتحفّظ على سياسات بلاده في جنوب القوقاز، والتي لا تراعي جديًّا المصالح الإيرانيّة.

هذا الحدث الحسّاس، جاء ردًا على تصريحات وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف، التي ذهبت باتجاه الضغط على أرمينيا، لدفعها نحو تسوية تمنح أذربيجان السيطرة على “ممر زنغرور”. مع الإشارة إلى أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن عن موقف مماثل في آب/أغسطس 2024، خلال زيارته لأذربيجان.

يُعتبر “ممر زنغرور” أحد أهم وآخر الخلافات الحدوديّة العالقة بين أرمينيا وأذربيجان، بعدما حسمت أذربيجان نهائيًا مسألة السيطرة على إقليم ناغورنو كاراباخ، بعمليّة عسكريّة في سبتمبر/ أيلول 2023.

وفي الوقت الراهن، تُطالب أذربيجان بمنحها السيطرة على “ممر زنغرور” الممتد في أقصى جنوب أرمينيا بحدودها الحاليّة، لتحقيق الاتصال بين الأراضي الأذربيجانيّة المنقسمة شرق وغرب أرمينيا. بهذا المعنى، تنطلق المطالب الأذربيجانيّة هنا من حجّة تحقيق “وحدة” أراضيها.

غير أنّ اهتمام أذربيجان بهذا الممر يُخفي أهدفًا جيوسياسيّة، تتجاوز مسألة وحدة الأراضي. فالحصول على هذا الممر، سيسمح لأذربيجان بربط حليفتها تركيا ببحر قزوين، ومنه إلى سائر الدول الناطقة بالتركيّة في وسط آسيا. وهذا ما يعطي أذربيجان وتركيا فرصة تحقيق الاتصال الإقليمي والاقتصادي “للعالم الناطق بالتركيّة”، وفقًا لمفاهيم وتصوّرات الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، دون الاضطرار للعبور بالأراضي الأرمينيّة.

هذا المشروع الكبير، يفسّر اهتمام أردوغان الشديد بدعم أذربيجان، في كل معاركها في جنوب القوقاز.

إلا أنّ إيران، وبعكس موسكو، ترى في هذا المشروع الضخم خطرًا يهدد مصالحها الإستراتيجيّة. فهذا الممر يمتد على طول حدود أرمينيا الجنوبيّة مع إيران. وفي حال تنفيذ المقترح الأذربيجاني، ستخسر طهران كليًا اتصالها بالأراضي الأرمينيّة.

أمّا الأخطر هنا، فهو أن تواصل إيران مع منطقة جنوب القوقاز، ومنها إلى سائر أنحاء العالم، سيصبح رهينة تفاهماتها مع تركيا وأذربيجان، ما يقلّص خيارات طهران الإستراتيجيّة.

في مقابل التحفّظات الإيرانيّة، تتبنّى موسكو مقاربة معاكسة تمامًا. إذ يبدو أن بوتين تبنّى مؤخّرًا سياسة أكثر انحيازًا للمصالح الأذربيجانيّة، في مواجهة أرمينيا، التي اتخذت خطوات جريئة للابتعاد عن موسكو والتقرّب من الغرب.

فأرمينيا كانت قد جمّدت منذ شباط/فبراير 2024 عضويّتها في منظمة “الأمن الجماعي” التي تقودها روسيا، وأتبعت ذلك بالمشاركة في مناورات عسكريّة للناتو بعد أقل من ثلاثة أشهر، قبل أن تُعلن عن تدريبات عسكريّة مشتركة مع الولايات المتحدّة. بهذا الشكل، باتت موسكو ترى في أرمينيا خصمًا مُستجدًا استدار غربًا.

في الوقت عينه، من الواضح أنّ بوتين بات أكثر حرصًا –منذ العام 2022- على مراعاة مصالح الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، لمحاولة الاحتفاظ بموقف تركي مُهادن في ما يخص الحرب على أوكرانيا. حيث تُعتبر تركيا من أبرز الدول القويّة والمؤثّرة عسكريًا، المطلّة على البحر الأسود.

رغم عضويّتها في الناتو، واظبت تركيا على إظهار سياسة متوازنة بين بوتين وخصومه الغربيين، دون الإمعان في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا.

ولهذا السبب، بات التقارب الروسي الأذربيجاني، ودعم بوتين لمطالب أذربيجان بخصوص “ممر زنغرور”، أحد أوجه التفاهمات التي تجمع روسيا وتركيا حاليًا. ومن المعلوم أن هذه التفاهمات باتت تشمل خططًا في قطاع الطاقة وإمدادات النفط والغاز، بالإضافة إلى التنسيق الأمني والعسكري في دول أخرى مثل سوريا.

خلافات في ملفّات المنطقة العربيّة

الخلاف بين روسيا وإيران حول ملفّات جنوب القوقاز، يتزامن مع توسّع خلافات أخرى حول ملفّات المنطقة العربيّة. فموسكو مازالت تتبنّى حتّى اليوم موقفًا مساندًا للإمارات العربيّة المتحدة، التي تطالب بالسيادة على الجزر الثلاث المتنازع عليها مع إيران.

وكان هذا الموقف الروسي المُعلن أحد أسباب استدعاء طهران للقائم بالأعمال الروسي لديها، احتجاجًا على بيان مشترك صدر عن موسكو ومجموعة من الدول العربيّة، للمطالبة بمحادثات حول هذا الخلاف الحدودي.

على هذا النحو إذًا، اختار بوتين الوقوف في وجه المصالح الإيرانيّة في قضيّة حسّاسة، ترتبط بجزر ذات تأثير جيوسياسي كبير على خطوط الشحن البحري، في منطقة الخليج. وبذلك، فضّلت روسيا مراعاة المصالح المشتركة التي تربطها بدول الخليج العربيّة، وخصوصًا المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة، ذات التأثير الكبير في تحالف “أوبيك +”.

وتجدر الإشارة إلى أنّ روسيا تقود مع الدولتين العربيتين –منذ العام 2022- مجموعة من التفاهمات في إطار هذا التحالف، لضبط معدلات إنتاج النفط والسيطرة على تذبذب أسعاره.

وفي الساحة السودانيّة، تباينت أيضًا بوضوح مصالح روسيا وإيران. فروسيا اختارت منذ بداية الحرب الأهليّة الراهنة هناك مساندة قوّات الدعم السريع، والانخراط معها في تفاهمات لاستثمار حقول الذهب السودانيّة، مقابل تأمين الدعم العسكري واللّوجستي. وهذا الدعم كان امتدادًا للعلاقة القديمة التي جمعت مجموعة “فاغنر” الروسيّة مع قيادات المجموعات المسلّحة السودانيّة، منذ العام 2017، لاستثمار الموارد الطبيعيّة في ذلك البلد.

في المقابل، اختارت إيران الانخراط في تأمين الدعم العسكري المباشر للجيش النظامي السوداني، في حربه ضد قوّات الدعم السريع. وبفضل هذا التوجّه، تمكّن الجيش السوداني من الحصول على مسيّرات متطوّرة من إيران، وهو ما أثّر بشكل كبير على معارك غرب كردفان وولايتي سنار والقضارف.

ولهذا السبب، تخشى الدول الخليجيّة والغربيّة من أنّ تتمكّن إيران من الحصول على تواجد عسكري مباشر على سواحل البحر الأحمر، في ضوء تحالفها المستجد مع قيادة الجيش السوداني.

تبادل المصالح المستمر

وعلى الرغم من كل هذه التباينات والتجاذبات بين إيران وروسيا، استمرّت حتّى هذه اللّحظة العديد من أوجه التعاون الدفاعي بين الطرفين. ففي شهر سبتمبر/أيلول 2024، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقديرات غربيّة تفيد بأن إيران نقلت صواريخ باليستيّة إلى روسيا، بمعزل عن التحذيرات الأوروبيّة والأميركيّة بهذا الخصوص.

وخلال الشهر ذاته، استعرضت روسيا للمرّة الأولى –في مركز التقنيات الخاصة في سانت بطرسبرغ- طائرات انقضاضيّة متطوّرة مزودة بنظام توجيه بصري، حصلت عليها من إيران. وكان هذا الحدث أوّل تأكيد رسمي على استمرار تلقّي الجيش الروسي هذا النوع من الدعم، بعد بدء الحرب على أوكرانيا.

بهذا الشكل، يمكن القول أنّ روسيا وإيران تحافظان على سياسة براغماتيّة للغاية، عبر الإبقاء على التعاون الثنائي في مجالات محدّدة بعناية، بمعزل عن توسّع الخلافات في ملفّات أخرى.

غير أن ما يخشاه المسؤولون الغربيون اليوم، هو أن تكون براغماتيّة طهران نابعة من سعيها للحصول على تكنولوجيا نوويّة من موسكو، في مقابل الدعم العسكري الذي تقدّمه لها. وهذا ما قد يفسّر حرص إيران على دوام التعاون الدفاعي بين الطرفين، على الرغم من كل التوتّرات الدبلوماسيّة التي تشهدها العلاقة بينهما.

user placeholder
written by
Dima
All Dima articles