وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مع استمرار الاحتجاجات في السودان، روسيا والصين وتركيا تتعهد بعدم التخلي عن البشير

Sudan- al-Bashir
الرئيس السوداني عمر البشير أثناء تجمعٍ مع مؤيديه في الساحة الخضراء في العاصمة الخرطوم في 9 يناير 2019. Photo AFP

بحلول فبراير 2019، لم تفقد الإنتفاضة السودانية ضد حكم الرئيس عمر البشير زخمها أو تخمد جذوتها حتى الآن، وبدخولها أسبوعها الثامن، تشكل الاحتجاجات أعظم تهديدٍ جدي لسلطة البشير، البالغ من العمر 75 عاماً، والحركة الاسلامية التي تدعمه طوال ثلاثة عقود من الدكتاتورية.

تواصل أجهز الأمن في السودان تصديها القاسي للمتظاهرين، الذي اسفر حتى الآن عن سقوط اكثر من خمسين قتيلاً بحسب المعارضين وما يقارب الثلاثين بحسب المصادر الحكومية. في الوقت نفسه، يحاول الرئيس البشير الحصول على دعم مالي اقتصادي ومساندة سياسية خارجية تمكنه ليس فقط من تجاوز محنة الاحتجاجات العارمة التي تهز أركانه، بل للحصول على مساعدات مالية خارجية عاجلة للتغلب على المصاعب الاقتصادية المزمنة التي اشعلت شرارة الاحتجاجات في البلاد في التاسع عشر من ديسمبر 2018.

تميز الرئيس البشير خلال سنواته في الحكم بقدراته وبراعته في اللعب على حبال التوازنات والخلافات الاقليمية والدولية. ويبدو أنه يستعين بخبرته تلك في الازمة الراهنة، لكنها قد لا تسعفه لوقتٍ طويل لأن الضائقة الاقتصادية المتفاقمة والتظاهرات المستمرة منذ سبعة أسابيع قد أضعفته لحدٍ كبير وجعلته لقمة سائغة لقوى وتحالفات اقليمية تخوض صراعات لا هوادة فيها.

حشد الدعم الخارجي

كان الشيخ تميم، أمير قطر، أول من انتهز الفرصة لحساباته الخاصة ليتصل هاتفياً بالرئيس البشير في اليوم الرابع من اندلاع المظاهرات مؤكداً حرص قطر على وحدة واستقرار السودان وجاهزية بلاده لتقديم كل المساعدات الممكنة. لذلك لم يكن من المستغرب أن تكون الدوحة هي وجهة الرئيس البشير في أول رحلة خارجية له في 23 يناير 2019.

بالنسبة للبشير كانت الزيارة ذات أهمية خاصة لأنها رسالة للداخل والخارج على حد سواء، مفادها بأنه مطمئن للأوضاع في بلاده وأن بوسعه السفر للخارج دون قلق. وعلاوةً على أن هذه الزيارة لقطر كانت أيضاً تلميحاً، وربما تهديداً مبطناً، لخصوم قطر الاقليميين في السعودية والامارات ومصر بأن السودان يمكن أن يعتمد على القطريين إذا ما تلكأوا كثيراً في مساعدته، خاصة وأن القوات السودانية تلعب دوراً محورياً في حرب السعودية والإمارات ضد الحوثيين في اليمن. ولا يمكننا تجاهل القربى الأيديولوجية بين حكومتي السودان وقطر ذات التوجهات الاسلامية الاخوانية.

Sudan- Protests sudan
متظاهرون سودانيون يرددون شعاراتٍ خلال مظاهرة مناهضة للحكومة عقب صلاة الجمعة يوم 18 يناير 2019 خارج مسجد بمدينة أم درمان، المدينة التوأم للخرطوم. Photo AFP

. لكن الزيارة على الرغم من أهميتها السياسية بالنسبة للبشير لم تسفر عن التزامات مالية قطرية واضحة لدعم حكومة البشير في الخرطوم حسب وكالة الانباء الفرنسية. إشارات أخرى مهمة توحي بأن زيارة البشير لقطر كانت محدودة الثمار، فقد غرد على تويتر علي القره داغي، رئيس هيئة علماء المسلمين، المحسوبة على قطر، المدرج اسمه على قائمة الارهاب السعودية، مطالباً حكومة السودان بالكف عن اراقة دماء المسلمين واحترام حقوق المتظاهرين ومكافحة الفساد، ويستبعد أن تصدر مثل هذه المواقف دون مباركة حكومة قطر.

السعودية تستجيب للخطوة السودانية

جاءت الاستجابة السعودية بعد يومٍ واحدٍ فقط من عودة البشير من الدوحة، بزيارةٍ عاجلة لوفد وزاري يقوده وزيرا الاستثمار والنقل السعوديين للخرطوم حاملان رسالةً شفهية من العاهل السعودي يؤكد فيها دعمه ومساندته للخرطوم. وبحسب ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية، “أمن السودان أمن للمملكة واستقراره استقرار لها.”

لكن المراقبين لاحظوا ايضاً أنه لم يتم الاعلان عن أي مساعداتٍ سعودية فورية ومباشرة للسودان، وأن وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصبي قد تحدث للصحفيين في الخرطوم مطولاً عن المساعدات السعودية السابقة للسودان والتي بلغت 23 مليار ريال سعودي (6.1 مليار دولار امريكي) كقروض لمشاريع تنموية منها 8 مليارات ريال (2.1 مليار دولار) خلال السنوات الاربعة الماضية.

ربما يكون تراخي السعودية وصمتها لبعض الوقت تعبيراً عن سخطها لمغازلة السودان للتحالف القطري التركي المناوىء للسعودية. بيد أن مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن ما لا تقوى السعودية على الاستغناء عنه وتضطر لذلك للتغاضي، على مضض، عن علاقة السودان بقطر وتركيا، طالما استمرت تلك الحرب. أما دولة الامارات العربية المتحدة، الحليف الاقرب للسعودية، فقد التزمت الصمت حيال ما يحدث في السودان.

ويمكن أن نلاحظ هنا أن القنوات التلفزيونية الفضائية السعودية مثل العربية والعربية الحدث والاماراتية مثل سكاي نيوز العربية، التي تحظى بمشاهدة واسعة في السودان، تغطي اخبار الاحتجاجات في السودان بسخاء وتعاطف واضح مع مطالب المتظاهرين ولا احد في الخرطوم يعتبر ذلك مجرد خيار صحفي مستقل.

كما أعلنت الحكومة السودانية أن الرئيس البشير سيقوم قريباً بزيارةٍ إلى الكويت، التي تحافظ على مسافة محسوبة من حرب اليمن، لتعزير مساعيه في الحصول على دعم اقليمي لحكومته بالرغم من المرارات الشديدة العالقة تجاه البشير في الكويت منذ تأييده للغزو العراقي للكويت عام 1990.

الاخ المصري الأكبر

وصل وزير الخارجية المصري سامح شكري للخرطوم برفقة مدير المخابرات في 27 ديسمبر، في زيارة كانت مبرمجة مسبقاً قبل اندلاع الاضطرابات، للسودان إلا أن عزم الجانب المصري على إتمام الزيارة بعد ثمانية ايام من بدء الاحتجاجات اعتُبر دعماً مبطناً للرئيس البشير.

غير أن استقبال الرئيس السيسي لنظيره البشير في القاهرة يوم الأحد 27 يناير، بعد شهرٍ، كان طلباً واضحاً للدعم المصري، لم تتوانى القاهرة في تقديمه بطريقتها. فقد احيطت الزيارة بكل مظاهر الفخامة البروتوكولية الرئاسية وانتظره الرئيس السيسي في مطار القاهرة مقارنة باستقباله بواسطة وزير الدولة للشؤون الخارجية في قطر وانتظاره ليوم كامل في الدوحة قبيل مقابلة اميرها الشاب في اليوم الثاني. مما أثار استياء مؤيدي البشير في الخرطوم وسخرية معارضيه.

ونسبت صحيفة “العربي الجديد” اللندنية لمصادر دبلوماسية أن القاهرة استغلت ضعف موقف البشير وفرضت عليه بعض شروطها، ومنها أن يعدل السودان موقفه المساند لأثيوبيا في مفاوضات سد النهضة الاثيوبي. اضافة لتسليم مطلوبين مصريين في اشارة لقيادات اخوانية مصرية تقيم في الخرطوم. وكذلك طُلب من الرئيس السوداني بشكل واضح مراجعة علاقاته الإقليمية، والحد من الظهور التركي والقطري في بلاده. وقد قبل البشير، حسب الصحيفة، بهذه المطالب ثمناً للدعم السياسي المصري. ولا تملك مصر الغارقة في المصاعب الكثير من الدعم الاقتصادي الذي يمكن ان تقدمه للسودان. لكن صحيفة الاهرام الحكومية المصرية حرصت على التشديد على أن مصر لا تتدخل في الشؤون الداخلية للسودان وتحافظ على مسافة واحدة من جميع الاطراف.

واعترف البشير في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس المصري السيسي، بأن ثمة محاولات لاستنساخ الربيع العربي في السودان، وأضاف أن العديد من المنظمات التي تعمل على زعزعة الأوضاع في دول المنطقة. لكن متظاهرو السودان لم يعدموا نصيراً في القاهرة، فقد اصدر مثقفون وباحثون مصريون بياناً تضامنياً مع انتفاضة السودان بالتزامن مع زيارة البشير للقاهرة.

روسيا والصين وتركيا: لن نتخلى عن البشير

روسيا التي تربطها مصالح اقتصادية وسياسية متينة بالسودان وتاريخ مشترك من العداء للغرب، جددت مساندتها للرئيس البشير عبر نائب المندوب الروسي لدى الامم المتحدة ديمتري بوليانسكي، الذي رفض مناقشة الاحتجاجات في الخرطوم في مجلس الامن. كما دافعت روسيا علانية عن وجود شركات أمنية روسية خاصة تعمل في تدريب الجيش السوداني ونفت مشاركتها في قمع التظاهرات.

وكذلك فعلت الصين التي استقبلت مبعوثاً رئاسياً سودانياً خاصاً يوم 28 يناير 2019. ونسبت شبكة الشروق السودانية لوزير الخارجية الصيني تأكيده وقوف الصين حكومةً وشعباً مع السودان للخروج من الأوضاع الحالية والتي وصفها بالمؤقتة والقابلة للحل. وتعتبر الصين أكبر شريك تجاري للسودان وأهم مستثمر اجنبي في قطاع النفط في السودان.

واتخذت تركيا موقفاً منسجماً مع تحالفاتها الاقليمية حيث قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، جودت يلماز، إن بلاده على دراية بالمكائد التي تحاك ضد السودان وتقف دائماً إلى جانب الشعب السوداني وحكومته الشرعية وتابع قائلاً: “تركيا واجهت مثل هذه المؤامرات، والذين يحاولون زعزعة الاستقرار في السودان من خلال إثارة مثل هذه التحركات لن يفلحوا.”

مساندة لفظية محدودة من الغرب

رغم أن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان قد نددت بشدة استخدام السلطات السودانية للقوة ضد المتظاهرين، إلا أن معظم الحكومات الغربية لم تتجاوز إصدار البيانات الدبلوماسية التي تدين العنف. ومن سوء حظ السودانيين أن احتجاجاتهم قد تزامنت مع ازمة البريكست التي تصيب أوروبا كلها بالارتباك، وأزمة اغلاق الحكومة الامريكية التي شغلت امريكا عن العالم.

ومع ذلك، أصدر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بياناً قوياً ضد قمع المحتجين في السودان تضمن تهديداً بوقف التعاون مع السودان، واصدرت دول الترويكا (أمريكا وكندا والنرويج) بياناً مماثلاً شجبت فيه عنف السلطات السودانية ودعت إلى احترام مطالب المحتجين.

حظيت احتجاجات السودان ببعض التغطية في الصحف الغربية، إلا أنها لم تكن كافية لاستثارة الرأي العام للضغط على الحكومات الأوروبية التي تعول كثيراً على حكومة السودان في مكافحة الهجرة غير الشرعية لأوروبا.