من الناحية التاريخية، لم يسبق للمملكة العربية السعودية وإيران الوقوف وجهاً لوجه؛ إذ أن كلا البلدين كانا من الحلفاء المهمين للولايات المتحدة الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي في ظل سياسة عدم التدخل المباشر الأمريكية (أوما يُعرف ﺒﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻟﻌﻤﻭﺩ ﺍﻟﻤﺯﺩﻭج)، فضلاً عن كونهما من الأعضاء الخمس المؤسسين لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، التي أسست عام 1960.
شقّ الخلاف حول رفع أسعار النفط في عام 1979 الصدع بين البلدين. فلم تساهم الثورة الإيرانية، ولا الدعم السعودي لصدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية، ولا الاتهامات بالتورط الإيراني في تفجيرات أبراج الخبر في الحدّ من الأعمال العدائية. وفي الآونة الأخيرة، أججت هذه التوترات بعد إعدام السعودية رجل الدين الشيعي، نمر النمر في يناير 2016، الذي يعتقد البعض أنه كان متعمداً والذي أدى أيضاً إلى قطع المملكة العربية السعودية لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
فقد ظهرت الخلافات مجدداً بين البلدين في وقتٍ سابق في شهر يوليو من عام 2015، عندما توصلت مجموعة (5+1) إلى الاتفاق النووي مع إيران، وما رافقه من تكهناتٍ بتخفيف العقوبات. كان رد الفعل السعودي على توقيع الاتفاق، بالرغم من أنه لم يصل إلى المعارضة القوية التي صرّحت بها إسرائيل، غير إيجابي. وفي ضوء ذلك، اعتبر التقارب الإيراني الأمريكي، الذي يعدّ أحد النتائج المحتملة للاتفاق النووي، والذي أثار مخاوف السعوديين بتأثيره على العلاقات الأمريكية السعودية، تطوراً غير مرحب به وتهديدٌ استراتيجي.
ومع ذلك، يكمن السبب الرئيسي بالعواقب الاقتصادية التي ستؤثر على المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى عند عودة إيران بكامل قوتها إلى سوق النفط. فالمملكة العربية السعودية تعتبر أكبر منتجٍ في أوبك منذ تأسيسها، في حين كانت إيران ثاني أكبر منتج إلى أن فرضت العقوبات عليها عام 2012. وبالتالي، يُخشى بأن يكون للآثار المترتبة على رفع العقوبات عن إنتاج إيران من النفط تأثيرٌ خطير على المكانة السعودية في أوبك.
وهكذا، في حين لعبت عدة عوامل دوراً في التدهور التاريخي للعلاقات بين القوتين الاقليميتين، إلا أنّ النفط كان السبب الرئيسي.
ففي 16 يناير 2016 أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية استكمال ايران سلسلة من الخطوات التحضيرية للاتفاق النووي. أتبع ما سُميّ بـ”يوم التنفيذ” برفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عقوباتها، وعلى وجه التحديد تلك التي تحظر الاستثمارات الخاصة وتفرض قيوداً على صادرات النفط. أعلنت إيران عزمها على “رفع المبيعات بمعدل 500,000 برميل في اليوم بعد العقوبات وزيادة الصادرات الإجمالية إلى نحو 2,5 مليون برميل في اليوم خلال عام 2016.” وفي وقتٍ لاحق، أصبحت مخاوف المملكة العربية السعودية حقيقة، حيث انخفضت أسعار النفط إلى 28 دولار للبرميل. وفي حين أنّ أسعار النفط كانت منخفضة بالفعل بسبب إغراق الأسواق بالنفط والمشاكل الاقتصادية الصينية، إلا أنه لم يسبق أن وصلت إلى مثل هذا الانخفاض منذ عام 2003.
ويقول المحللون أنّ الأمر قد يستغرق المزيد من الوقت للشعور بالآثار الكاملة لعودة إيران إلى سوق النفط. وفي الوقت نفسه، بدأت وطأة انخفاض أسعار النفط تؤثر على المملكة العربية السعودية، وبخاصة الشعب السعودي، ومع معاناة الحكومة من عجزٍ في الميزانية، يتم (استباقياً) تقليص أو إلغاء الامتيازات والبرامج الاجتماعية، مثل المنح الدراسية.
وعلى صعيدٍ متصل، تتراوح أسعار النفط ما بين 31-33 دولاراً للبرميل منذ الأول من مارس 2016. وعلى الرغم من أنّ هذا السعر لا يزال بعيداً كل البعد عن أعلى سعر للبيع عام 2015 والذي بلغ 62 دولار للبرميل في مايو من ذات العام، إلا أنّ العواقب الوخيمة للاتفاق النووي، كما هو متوقع من قبل المملكة العربية السعودية، لم يتحقق حتى الآن، وذلك بعد أشهر من عودة إيران الكاملة إلى السوق. لم “تغرق إيران الأسواق بالنفط،” إذ قامت ببيع حوالي 4 مليون برميل فقط إلى أوروبا في الفترة ما بين منتصف يناير إلى منتصف مارس من عام 2016. وعلى الرغم من أنّ هناك بعض التعقيدات القانونية، يرجع سبب عدم وجود مشترين يتدفقون إلى إيران لشراء النفط، بشكلٍ أساسي، إلى جمود الشروط والتسعير.
وحتى مع ذلك، شعرت المملكة العربية السعودية بضرورة اتخاذ خطوات إضافية لزيادة تباطؤ صادرات النفط الإيرانية، إذ تفيد التقارير بأنه لا يسمح لناقلات النفط الإيرانية دخول الموانىء عبر المملكة العربية السعودية أو البحرين. لم تبلغ السُلطات السعودية إيران بهذا الحظر رسمياً، إلا أنّ إيران تُلقي باللائمة، جزئياً، على الصعوبات التي تواجهها ببيع النفط إلى إنتشار هذه الرسالة بين السماسرة والتجار. ونتيجةً لذلك، تخطت التوترات النفط أو المجال الاقتصادي، وباتت جغرافية.
والأهم من ذلك أنّ هذا الخلاف بين البلدين يؤثر على سياستهما الخارجية. الدين ليس المسؤول فحسب عن العلاقة المتوترة بين القوتين الاقليمتين، ولكن إيران الشيعية والمملكة العربية السُنية (الوهابية) لديهما اختلافات جوهرية فيما يتعلق بالدين، مما يتسلل شيئاً فشيء إلى سياساتهما الإقليمية واختيارهما الحلفاء. هذا لا يعني أنّ الدين لا يلعب دوراً في علاقة وتصرفات البلدين، كما ظهر بوضوح في إعدام نمر النمر في يناير 2016.
إنّ الدعم الإيراني للمنظمة الفلسطينية السُنية، حركة حماس، يثبت أن الدافع الرئيسي وراء اختيار إيران لحلفائها ليس الدين وحده. فالتدخل المكثف في الصراعات الدائرة حالياً، مثل سوريا، كان استراتيجياً على نحوٍ متزايد. أما في حالة المملكة العربية السعودية، فإن دعم الثوار السوريين ينبع من رغبتها في سلب إيران أحد حلفائها العرب القلائل.
وبينما يُنظر إلى اليمن، من قِبل بعض المحللين، باعتبارها ساحة حربٍ بالوكالة بين القوتين، إلا أنّ تورط إيران في الحرب اليمنية مبالغ به إلى حدٍ كبير. وعلى الرغم من وضوح إلى جانب من تقف إيران- التمرد الحوثي- إلا أن دعمها كان محدوداً حيث وصف بالإنتهازي ويصل في الغالب إلى تسليح الحوثيين. ومن ناحيةٍ أخرى، شنت المملكة العربية السعودية هجوماً كاملاً ضد ما يُسمى بـ”عملاء إيران،” بدعمٍ من كلٍ من الامارات العربية المتحدة والبحرين وغيرها من الدول السُنيّة.
على مر السنين، كانت هذه الصراعات بالوكالة الساحة الرئيسية لمواجهة إيران والمملكة العربية السعودية لبعضهما البعض (بشكلٍ غير مباشر)، حيث بالكاد أثرت العواقب السلبية على البلدين. وفي أعقاب رفع العقوبات عن إيران، يشعر كلا الجانبين بعواقب المواجهة الاقتصادية، والأهم من ذلك، يشعر بها سكان كلا البلدين. وعلى ما يبدو، فإن التوصل إلى تفاهمٍ هو الحل الوحيد. إنّ الطريقة الوحيدة لمنع المزيد من الانخفاض في أسعار النفط هي تدخل أوبك، والتوجه نحو “تجميد الانتاج،” باتفاق كلٍ من المملكة العربية السعودية وإيران. لن يعود هذا بالفائدة على الخصوم من الناحية الاقتصادية فحسب، بل من شأنه أن يساعد أيضاً في التوصل إلى حلٍ طويل الأمد للصراعات السورية واليمنية.