وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أكراد سوريا، بعد إقصاءهم من محادثات السلام، يأخذون زمام المبادرة بأيديهم

مقاتلون من وحدات حماية الشعب الكردية يقفون على شاحنة مدرّعة تمت مصادرتها من تنظيم الدولة الإسلامية في كوباني سوريا-30 يناير-2015
مقاتلون من وحدات حماية الشعب الكردية يقفون على شاحنة مدرّعة تمت مصادرتها من تنظيم الدولة الإسلامية في كوباني, سوريا,30 يناير 2015. Photo LAURENCE GEAI/SIPA

أعلن الأكراد في سوريا في مارس 2016، إنشاء “نظام فدرالي ديمقراطي،” في مناطق سيطرتهم في الشمال الشرقيّ والشمال الغربي لسوريا. وبعتبر الاكراد النظام نموذجاً لعموم سوريا، ولا يقتصر فقط على المناطق الكردية، إلا أنّ الحكومة السورية والعديد من فصائل المعارضة يخشون أن يؤدي هذا إلى تقسيم سوريا معلنين معارضة هذه الخطوة.

روج آفا، أو غرب كردستان، كما يُطلق الأكراد على أراضيهم السورية، تتكون من ثلاث مقاطعات: منطقة الجزيرة وكوباني في شمال شرق البلاد، وعفرين في شمال غرب البلاد. ومع سيطرة الأكراد على تل أبيض، التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في صيف عام 2015، أصبحت مقاطعتا الجزيرة وكوباني مترابطتين. كما يطمح الأكراد بربط عفرين أيضاً، إلا أنّ الأراضي الواقعة بينهما شهدت قتالاً عنيفاً من قِبل فصائل مختلفة إلى أن أعلن وقف إطلاق النار الحالي الذي بدأ في 27 فبراير.

لا جديد يُذكر حول هذا الإعلان، الذي تم التصويت عليه في 17 مارس بعد المؤتمر الذي استمر على مدى يومين. ففي النهاية، بدأ الأكراد في تنفيذ أيديولوجيتهم بـ”الديمقراطية الشعبية،” حيث تتخذ المجالس المحلية القرار بالتعاون مع المجالس المحلية الأخرى، عندما غادرت غالبية قوات الرئيس بشار الأسد المناطق الكردية في عام 2012.

ومع ذلك، لم يكن اتخاذ قرار التوحيد على أرض الواقع محض صدفة، فللأمر علاقة وطيدة باستبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي من المفاوضات حول مستقبل سوريا في جنيف. وتحت ضغوطاتٍ من تركيا في الدرجة الأولى، لم تتم قط دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي لهذه المحادثات، ولا حتى لمحادثات عام 2014، أو حتى المحادثات التي سرعان ما انهارت في نهاية يناير 2016، أو المحادثات الجارية حالياً في جنيف منذ الرابع عشر من الشهر الجاري. فمُقترح سوريا الفيدرالية لا يبدو قابلاً للتفاوض سواء بالنسبة للحكومة السورية أو حتى المعارضة.

كما أنّ إعلان “الديمقراطية الشعبية،” يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالدور الهام الذي لعبته روسيا في الصراع السوري منذ أنّ بدأت بقصف البلاد في 30 سبتمبر 2015، لتعزيز موقف الأسد. واليوم، هدأ القصف
الجوي الروسي، وبدأت روسيا بسحب (جزءٍ) من قواتها، في خطوة يُعتقد عموماً أنّ الهدف منها دفع الأسد إلى مفاوضات السلام

فقد حظيّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه المسلح، وحدات حماية الشعب، بدعمٍ على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري من قِبل كلٍ من الأمريكيين والروس. فالعلاقات بين الأكراد وروسيا لها تاريخٌ طويل، توجهها غالباً المصلحة الذاتية لكلا الجانبين، التي توّجت رسمياً الشهر الماضي بافتتاح حزب الاتحاد الديمقراطي مكتباً له في موسكو. بالنسبة للأكراد، هذه الخطوة مجرد وسيلة لتحقيق غاية: دون حلفاء أقوياء، ستبقى المطالبة بمكان على طاولة الحوار من المستحيلات.

فمن الواضح أنّ السياسة والدبلوماسية على قائمة الأولويات الحالية للأكراد السوريين. ومنذ إعلان وقف إطلاق النار، الذي صمد إلى حدٍ كبير منذ 27 فبراير، واصلت وحدات حماية الشعب حملتها العسكرية لربط المقاطعات الكردية الثلاث، على الرغم من أنّ تحقيق مرادها لا يبدو قابلاً للتحقيق في القريب العاجل (أنظر إلى خريطة الوضع الراهن في سوريا). كما تواصل أيضاً القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” خلال وقف إطلاق النار، إذ يتوجب على وحدات حماية الشعب البقاء متيقظةً في جميع الأوقات للحدّ من تهديد “داعش،” كما لوحظ مباشرةً بعد إعلان وقف إطلاق النار، إذ حاولت “داعش” إعادة السيطرة على تل أبيض، التي باتت بأيدي قوات حماية الشعب، وكان لا بد من صدهم بمساعدة القصف الجوي الأمريكي.

وفي أكتوبر الماضي، انضمت قوات حماية الشعب لقواتٍ تتكون على الأقل من 15 فصيل مسلح آخر، من بينهم جزءٌ من الجيش السوري الحر، فضلاً عن ميليشيات مسيحية وعربية وتركمانية، تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية. فقد هيمنت قوات حماية الشعب على قوات سوريا الديمقراطية، التي لا تزال الحليف الأهم للولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” على الأراضي السورية. وفي أقل من عام، تمكنت المجموعة من إستعادة السيطرة على حوالي 6,800 ميل مربع من الأراضي في شمال سوريا من “داعش.”

وعلى الرغم من أن تركيا جزءٌ من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” إلا أنّ التعاون بين وحدات حماية الشعب والولايات المتحدة الأمريكية أمرٌ غير محتمل بالنسبة للحكومة التركية في أنقرة. ففي نهاية المطاف، تعتبر وحدات حماية الشعب فصيلاً تابعاً لحزب العمال الكردستاني، المجموعة الكردية المسلحة التي كانت في حالة حرب مع الدولة التركية لأكثر من ثلاثين عاماً. ينظر الأتراك إلى

حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب ضمنياً، باعتبارها تهديداً لسلامتها الوطنية، على الرغم من حقيقة أنّ أياً من هذه المجموعات تطمح لتأسيس دولة كردستانية مستقلة، إلا أن أيديولوجيتها ترفض تماماً مفهوم الدولة القومية. وعلاوة على ذلك، فقد قصفت القوات التركية مواقع تابعةً لوحدات حماية الشعب، مما أثار إلى حدٍ كبير استياء الولايات المتحدة الأمريكية، التي حثت حليفها، حلف شمال الأطلسي، وقف العنف.

الغضب التركي تجلى واضحاً في خطاب الرئيس أردوغان عندما زار بريت ماكغورك، المبعوث الأميركي الخاص لسوريا مقاطعة كوباني والتقى بمسؤولين من حزب الاتحاد الديمقراطي. طالب أردوغان بغضبٍ الولايات المتحدة الأمريكية أن تختار متسائلاً “كيف لنا أن نثق بكم؟ هل أنا شريككم أم الإرهابيون في كوباني؟”

تركيا، باعتبارها حليف مهم، تتمتع حتى الآن بما يكفي من النفوذ على الولايات المتحدة لإقصاء حزب الاتحاد الديمقراطي عن طاولة المفاوضات الدولية حول مستقبل سوريا. ولكن، مع الخطوة التي اتخذها الأكراد اليوم لإضفاء طابعٍ رسمي على مقاطعاتهم، وتقاربهم الكبير مع روسيا، مما وفر لها دوراً أكثر أهمية في مستقبل سوريا، يبقى أن نرى إلى متى سيستمر استبعاد الأكراد من المفاوضات.