وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سوريا: استمرار التوترات بين هيئة تحرير الشام والموالين للقاعدة

Specials- HTS
مقاتلون سوريون يشاركون في معركةٍ وهمية تحسباً لهجومٍ من قبل النظام على محافظة إدلب وريفها، أثناء تخرج عناصر من هيئة التحرير الشام في معسكرٍ بريف محافظة إدلب الشمالية في 14 أغسطس 2018. Photo AFP

في أوائل فبراير 2019، توصلت جماعة هيئة تحرير الشام المتمردة في سوريا، التي نشأت من رحم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، والموالين للقاعدة الممثلين بتنظيم حراس الدين إلى اتفاقٍ يضع خلافاتهم حول ملكية الأسلحة جانباً.

كما اتفق الجانبان على وقف الهجمات ضد بعضهما البعض في وسائل الإعلام، حيث كانت هناك خلافاتٌ متعددة بين الجانبين ظهرت للعلن على شبكة الإنترنت. فعلى سبيل المثال، يجادل الموالون للقاعدة بأن قطع هيئة تحرير الشام لعلاقاتها بالقاعدة غير مبرر ويشكل عصياناً لزعيم القاعدة أيمن الظواهري. كما يجادلون بأن استراتيجيات هيئة تحرير الشام لبقاء التمرد في المستقبل والسبب وراء الجهاد في سوريا خاطىء.

بالتغاضي عن هذه النزاعات، سلط اتفاق فبراير الضوء على ما يُعتقد أنه دافعٌ أيديولوجي مشترك بالتأكيد على أن الجانبين “جماعة مجاهدة قائمة على المنهج تسعى جاهدةً لإقامة الدين من خلال الدعوة والجهاد.”

وفي الآونة الأخيرة، حاولت هيئة تحرير الشام التوفيق بين الموالين للقاعدة في الميدان في شمال غرب سوريا. في الواقع، يُزعم أن هيئة تحرير الشام عرضت تقديم مكافئةٍ قيمتها 100 دولار عن كل قتيلٍ من العدو لحراس الدين وأنصار التوحيد (الأخير هو خلف جماعةٍ من العناصر المواليين للقاعدة في جند الأقصى، والتي انهارت بسبب وجود متعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية في صفوفها) مقابل العمليات التي تتم في محافظتي حلب وحماة. في المجموع ، بلغت هذه المدفوعات المزعومة 400 دولار لحراس الدين و3000 دولار لأنصار التوحيد.

فقد أكد عضو في وحدة “العصائب الحمراء” التابعة لهيئة تحرير الشام تقارير هذه المدفوعات، واصفاً إياها بـ”الخطوة للتأليف بين القلوب. وإن شاء الله سيكون هناك وحدة مع مرور الوقت.” وأوضح أيضاً: “الهدف هو توحيد جميع المقاتلين لصد المعتدي، خاصة في المرحلة التي نحن فيها الآن.” ومع ذلك، نفى المسؤول العسكري العام في أنصار التوحيد أن تكون قد دفعت أي مبالغٍ للجماعة من قبل هيئة تحرير الشام في الغارة الأخيرة التي جرت في شمال حماة.

حتى وإن كانت مدفوعات هيئة تحرير الشام المفترضة هذه صحيحة، فإن أنصاراً آخرين مؤيديين للقاعدة ليسوا مقتنعين ببوادر المصالحة الجلية لهيئة تحرير الشام، مما يعكس حقيقة أن اتفاق فبراير لم يحل النزاعات الأكثر جوهرية بين هيئة تحرير الشام وأنصار القاعدة. وأهم من يعكس ذلك هو حساب شبل العقيدة على تلغرام، إذ أنه وتعليقاً على التقارير الأولية للمدفوعات، نشر شبل العقيدة ما يلي على افتراض أن المدفوعات صحيحة (قامت القناة بعد ذلك بتداول نفي مسؤول أنصار التوحيد الحصول على المال):

“حتى نكون منصفين وانطلاقاً من قول النبي: ‘من لا يشكر الناس لا يشكر الله.‘ فجزى الله خيراً من قام بهذا الأمر. ولكن حتى نكون صريحين مع أنفسنا ومع الجميع، فهناك الكثير من إشارات الاستفهام على هذا الفعل، فما هو السر في في توقيت هذا التشهير والتلميع!”.

“يحاولون الظهور بلون الداعمين للمجاهدين عن طريق المن عليهم ببعض الدولارات المغموسة بالظلم ثم التشهير بذلك، والله المجاهدون لا يريدون منكم هذا المال والمن والتشهير! وإنما فقط افتحوا الجبهات واكسروا قيود سوتشي، أو على الأقل إذا أراد المجاهدون ضرب النصيرية أو الاستطلاع أن تسمحوا لهم بذلك ولا تمنعوهم ثم بعد الغزوات تدعون مكافئتهم لأن ذلك قمة المهزلة، وعندما تفتحون الجبهات للمجاهدين للعمل فوقتها سيكون رزقهم تحت ظل رمحهم وليس تحت وطأة الظلم.”

“أموالكم لن تغطي على ظلم أمنييكم وفساد قضائكم وحمايتكم للدوريات التركية التي تطبق في سوتشي، ولن تغطي على تجميد الجبهات الحاصل في الشمال، فلسنا ممن تشترون صمتهم بأموالكم كما تفعلون مع الباقين. تنويه: كلامي يمثلني فقط.”

تجسد كلمات شبل العقيدة هنا مظالم هيئة تحرير الشام المستمرة مهما كانت الاتفاقات التي قد تعقدها مع الموالين للقاعدة للتأكيد على الوحدة الأيديولوجية. ومن بين هذه المظالم، أن هيئة تحرير الشام، من خلال السماح بدورياتٍ تركية بالتجول في شمال غرب سوريا والتي تعمل بحجة فرض “منطقة عازلة” للتخفيف من التصعيد، تسمح فعلياً بتنفيذ اتفاقية سوتشي بين تركيا وروسيا. ويقال إن هذا التنازل يجمد الخطوط الأمامية العسكرية في شمال سوريا ويعوق الجهاد ضد الحكومة السورية. وبالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأن النظام القضائي الرئيسي في الشمال هو وزارة العدل التابعة لحكومة الخلاص المدعومة من هيئة تحرير الشام، فلا يمكن أن يكون نظاماً محايداً غير فاسد لحل النزاعات بين هيئة تحرير الشام والأطراف الأخرى.

في هذه الأثناء، أصدر أبو أنس المصري، وهو شيخ جهادي مصري في سوريا، شهادةً مطولة منتقداً مراراً وتكراراً نظام السجون والأمن التابع لـهيئة تحرير الشام؛ وهو انتقادٌ مماثل لما ذكره شبل العقيدة أعلاه. تم إطلاق سراح المصري، الذي اعتقلته هيئة تحرير الشام في أكتوبر 2018، بعد أن قصف الروس سجن إدلب في مارس 2019.

ينتقد المصري جوانب عديدة من نظام السجون والأمن التابع لهيئة تحرير الشام، فعلى سبيل المثال، ينتقد المحققين، مدعيا أن “معظم المظالم وأعمال الفساد تأتي من المحققين، ومعظمهم ليسوا متفقهين في القانون والدين، ولا يتمتعون بأي أخلاقٍ ومبادىء أو خوفٍ من الله، ويُعتقد أن بعضهم كانوا محققين لدى النظام في السابق.” كما يهاجم جهاز الأمن التابع لهيئة تحرير الشام لاستخدامه التعذيب لنزع الاعترافات، وذكر أنه كان ذاتٍ يوم برفقة رجلٍ ذهب للاستجواب وعاد غير قادرٍ على المشي نتيجة لجلده وتعذيبه حتى تشقق جلده ونزف.

ولربما أن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري قد بحث أيضاً في هذه المسألة المتداولة أخيراً حول “الظلم” المستمر لهيئة تحرير الشام. فقد أصدر الظواهري، الذي انتقد بشكلٍ متكرر استراتيجية هيئة تحرير الشام المتعلقة بالحكم والاستيلاء على الأراضي، شريط فيديو قصير بعنوان “الظلم،” والذي يحذر فيه، بشكلٍ غير مفاجىء، من الظلم. يشتمل الفيديو، الذي يتألف إلى حدٍ كبير من اقتباسات من المؤلفات الدينية، في نهاية المطاف على اقتباسٍ عن عالم الدين في القرون الوسطى ابن تيمية، الذي يقول: ” الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة.” قد يكون هذا النقد موجهاً أيضاً إلى تجربة الدولة الإسلامية، أو ربما يكون موجهاً لمشروعي الدولة الإسلامية وهيئة تحرير الشام.

كما أن هناك بالطبع حججٌ مضادة لهيئة تحرير الشام ومؤيديها فيما يخص الادعاءات الموجهة ضد الجماعة من قبل أنصار القاعدة. وفيما يتعلق بمسألة الدوريات التركية، على سبيل المثال، تؤكد هيئة تحرير الشام أن الدوريات لا يمكنها عرقلة قرارات الجماعة بشن هجماتٍ ضد القوات الحكومية السورية. وعلى الرغم من أن الدوريات ليست مرغوبة، إلا أنها في النهاية أخف ضرراً، إذ يمكنها أن تمنع أي هجومٍ أكبر من قبل الحكومة السورية وحلفائها على الشمال الغربي “المحرر.” وكما هو متوقع، ستصر الجماعة ومؤيديها على أن هيئة تحرير الشام وحكومة الخلاص ليسوا مترادفين، بل إن محاكم حكومة الخلاص تمثل سلطةً قضائية عادلة.

على أي حال، فإن التظلم الملموس حول “ظلم” هيئة تحرير الشام في أعين خصومها الجهاديين هو وجهة نظرٍ حقيقية للغاية. وبالتالي، على الرغم من الاتفاق الذي أبرمته هيئة تحرير الشام مع حراس الدين، فإن الأسباب الرئيسية للتوترات بين هيئة تحرير الشام وأنصار القاعدة ستبقى على الأرجح دون حل. وفي الوقت نفسه، ستظل هيئة تحرير الشام، التي من المحتمل أن تكون صفوفها أكبر عدداً من صفوف الموالين لتنظيم القاعدة، هي الفاعل المهيمن في شمال غرب سوريا، بغض النظر عن الاستياء الشعبي الذي قد يتواجد ضد هيئة تحرير الشام وسياساتها في المنطقة.