أظهر شريط فيديو ترويجي نشره تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على شبكة الانترنت، أطفالاً تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة وسن المراهقة المبكرة يقفون في صفوف منتظمة يرتدون الزي العسكري وعصابات رأس سوداء تحمل شعار علم الجماعة المسلحة. ويظهر الشريط التدريب المكثف الذي يحظى به هؤلاء الشباب، الذين يُطلق عليهم اسم “أشبال الخلافة،” إذ لا يقتصر الأمر على التدريبات القتالية بل أيضاً غرس التفسير المتطرف للفكر الإسلامي للمجموعة. وفي حين أن هناك أشرطة فيديو أخرى أكثر وحشية تُظهر الأطفال يطلقون الرصاص أو يقطعون رؤوس الأسرى في إعداماتٍ فردية أو جماعية.
إن الغرض الأكثر وضوحاً لهذا التقلين هو ضمان الولاء لأيديولوجية تنظيم الدولة، باعتباره طوق النجاة من التفكك المحتمل للتنظيم. ونتيجة لذلك، ترافق الدعاية التعليم الديني اليومي، حيث يتعلم الأطفال حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، التي تقترن بالسياق من قِبل معلميهم ضمن إطار المعتقدات الدينية للجماعة. وباستخدام التكنولوجيا الحديثة، الذي يتم بالدرجة الأولى على الإنترنت، يصون تنظيم الدولة بقائه من خلال الوصول إلى الفئات الأكثر تأثراً وضعفاً.
وبموجب القانون الدولي، تتحمل الدولة المسؤولية الأساسية عن حماية أبنائها من الاستغلال أو سوء المعاملة. ولكن في معاقل تنظيم الدولة، من المستحيل تقريباً الحفاظ على هذه المسؤولية مما أسفر عن اختطاف مئات الأطفال. ويُقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره المملكة المتحدة، والذي يُعنى بتوثيق عمليات الخطف والإعدام وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، قيام تنظيم الدولة الإسلامية بتجنيد 400 طفل على الأقل في الأشهر الثلاث الأولى من عام 2015 وحده.
بعد أن يتم خطف الأطفال أو تسليمهم من قِبل أهلهم المتعاطفين مع “داعش”، يبدأ التقلين. يتم عزل الأطفال عن منازلهم وأسرهم، ولا يمتلكون أي خيار آخر سوى الامتثال لقائد المجموعة الذي يصبح الشكل الرئيسي للسلطة. يشارك العديد من الأطفال الذين يقعون تحت عهدة تنظيم الدولة بشكلٍ مباشر في القتال، إلا أنهم أيضاً يؤدون العديد من الأدوار الأخرى بما في ذلك العمل كمراقبين ورسل وحتى عبيد للجنس. وفيما يتعلق بالأخير، غالباً ما يتم بيع الفتيات، بحسب ما ورد، في أسواق النخاسة حيث يعرضن ببطاقات أسعار تُقدر ببضع مئات الدولارات وقد تصل إلى أقل من سعر علبة سجائر. وفي الآونة الأخيرة، يتم تدريب الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة على وجه التحديد كإنتحاريين.
وبما أنّ الأطفال أكثر عُرضة بطبيعتهم للدعاية وغسل الدماغ، استخدم تنظيم الدولة تكتيكاً حربياً لطالما أثبت عبر التاريخ نجاعته في تلقين الأطفال: الصدمة النفسية. وتُعرّف الصدمة النفسية في قاموس ميريام وبستر بـ”تجربة صعبة للغاية أو غير سارة تسبب للفرد مشاكل عقلية أو عاطفية تستمر عادةً لفترة طويلة.” ويمكن القول أن الصدمة تأتي نتيجة حدث غير سار ويمكن استخدامها كأداة للتلاعب.
ويُظهر تقرير للأمم المتحدة حول أثر النزاع المسلح على الأطفال، أنّ الأطفال المجندين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بنسبٍ أعلى، فضلاً عن تعرضهم لصدمات نفسية أكثر شدة من الأطفال الآخرين من نفس العمر. وتُشير الدراسات التي تُعنى حصراً بالمجندين من الكبار، أنّ الحرب، وبخاصة قتل إنسان آخر، له عواقب نفسية مأساوية ودائمة. وبالتالي، يتضاعف هذا التأثير بالنسبة للأطفال المجندين، ونتيجة لذلك، لا يسبب تعامل تنظيم الدولة الإسلامية مع الأطفال اضطراب ما بعد الصدمة فقط، بل يمكن أن يؤدي أيضاً إلى اضطرابات في الشخصية في مرحلة البلوغ. ويشّكل هذا مصدر قلقٍ ليس بالنسبة للأطفال منفذي الإعدامات فقط، بل بالنسبة لأولئك الأطفال أيضاً الذين فقدوا أحد أفراد الأسرة. وقالت ليلى زروقي، الممثل الخاص للأمم المتحدة للأمين العام المعني بالأطفال والصراعات المسلحة، “لقد وصلت آثار العنف المسلح على الأطفال مستويات غير مسبوقة خلال الأزمة الحالية في الشرق الأوسط.”
ووفقاً للأمم المتحدة، “بغض النظر عن كيفية تجنيد الأطفال الجنود وأدوارهم، يعتبر الأطفال الجنود ضحايا.” وعلى هذا النحو، ينبغي على بلدانهم ضمان المعاملة الجسدية والنفسية المناسبة لتسهيل إعادة الإدماج التدريجي مرة أخرى في المجتمع. وتم تسليط الضوء فيما يخص هذا الشأن، بحالة عمر خضر الذي يحمل الجنسية الكندية. فقد ألقي القبض عليه بعمر الخامسة عشر من قِبل القوات الأمريكية في أفغانستان، وكان أول شخص منذ الحرب العالمية الثانية يحاكم أمام محكمة عسكرية أمريكية لجرائم الحرب التي ارتكبت في حين لا يزال قاصراً. حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات. وأكدّ الحكم على فشل كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا في حماية حقوق الأطفال الذين يتم إلقاء القبض عليهم في الصراعات المسلحة، ومن هم في حاجة أكبر إلى خدمات التأهيل النفسي. وهذا على الرغم من النداء العلني الذي وجهته راديكا كوماراسوامي، الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والصراعات المسلحة آنذاك، لحكومتيّ البلدين باحترام البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل الموقعين عليها. وتكمن المشكلة في “التحفظات والتفسير” الذي ألحقته الولايات المتحدة الأمريكية (كما تفعل عادةً) بالوثيقة القانونية الرسمية:
(1) لا قبول للالتزامات بموجب اتفاقية حقوق الطفل. وبالتالي، تفهم الولايات المتحدة الأمريكية أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تتحمل أي التزامات بموجب اتفاقية حقوق الطفل بعد أن تصبح طرفاً في البروتوكول.
وبعبارة أخرى، صدّقت الولايات المتحدة الأمريكية على البروتوكول في حين أعلنت أنّ قيامها بذلك لا يُلزمها بالإمتثال للمعايير المنصوص عليها فيه. كما قد فشلت مبادئ باريس، وهي وثيقة أخرى تُعنى بحقوق الإنسان اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 48/134 لعام 1993 وتكمّل التزامات باريس، التي تهدف إلى حماية الأطفال من التجنيد أو الاستخدام غير القانوني من قبل القوات والجماعات المسلحة، في تحقيق النتائج المتوخاة، لأن العديد من البلدان الأساسية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، لم تصادق عليها بعد. ومن بين الإلتزامات الـ20، يبرز على وجه الخصوص الالتزام رقم 11: “التأكد من أنّ الأطفال دون سن 18 سنة ممن تم أو يتم تجنيدهم بصورة غير مشروعة، أو إستغلالهم بواسطة قوات أو مجموعات مسلحة، والذين يتهموا بارتكاب جرائم ضد القانون الدولي سوف يعتبرون ضحايا للعنف وخروقات القانون الدولي وليس متهمين بارتكاب الجرائم. ويجب معاملتهم وفقاً للمعايير الدولية الخاصة بقضاء الأحداث، كأن يكون في إطار العدالة التقويمية وإعادة التأهيل الاجتماعي.”
وللأسف، بالنسبة لأولئك الأطفال الذين ألقي القبض عليهم في خضّم الصراع الأخير أو ممن يعيشون في ظل الدولة الإسلامية، فإن أملهم الوحيد هو برامج الأمم المتحدة والشرق الأوسط ما بعد الدولة الإسلامية مثل نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج (DDR)، والهدف منها هو المساعدة على نزع الأسلحة والذخيرة من البلدان التي انتهت فيها الصراعات أو تم فيها توقيع المعاهدات، إلى جانب تفكيك الجماعات المسلحة وإعادة إدماج المقاتلين السابقين في الحياة المدنية. إن نهاية الصراع لن تكون سوى بداية عملية طويلة لإبطال آثار تلقين الدولة الإسلامية للأطفال، وهي مهمة عسيرة ستؤول في النهاية إلى رجال الدين الذين خضعوا لتدريبٍ ملائم فيما يتعلق بعلم التوحيد في العقيدة الإسلامية، وللمبادرات الحكومية التي يتم إنشاؤها لغرض إعادة التأهيل.