وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النجاح النسبي لحزب العدالة والتنمية في المغرب

Morocco_Profile
مؤيدو حزب العدالة والتنمية أثناء مسيرة لهم في سبتمبر 2012 / Photo Panos Pictures

لطالما تمتع المغرب بتاريخ خاص به، فعلى سبيل المثال، عندما بسطت الإمبراطورية العثمانية جناحها فوق غالبية دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا في القرن السادس عشر، وقف المغرب كالشوكة في الحلق محافظاً على استقلاله. وبعد نهاية الاستعمار في شمال افريقيا في القرن العشرين، كان المغرب الدولة الوحيدة الذي حافظ على النظام الملكي الذي أنشأ ما قبل الاستعمار، في حين ازدهرت الجمهوريات حوله. وبينما هزّ الربيع العربي عرش كيانات سياسية ذات ثقل في المنطقة عام 2011، حيث عمد الطغاة إلى استعمال القوة واللامبالاة، ركب الملك محمد السادس موجة التغيير، حيث شرع في الإصلاح وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرة تمخضّ عنها إنجاب حكومة مستقلة جزئياً عن النظام الملكي. غالباً ما يُنظر إلى تونس باعتبارها منارة الأمل في المنطقة، في خضّم انتكاسات الديمقراطية والحروب الدامية، ولكن لا بدّ من أخذ المغرب بعين الاعتبار أيضاً كمثالٍ يُحتذى به.  في واقع الحال، التغيير في المغرب أقل راديكالية من تونس، ولكن بشكلٍ عام، النتيجة إيجابية وربما أكثر استدامة.

في عام 2011، عبّر الشباب العربي عن غضبهم في جميع أرجاء المنطقة. وفي المغرب، نظمت حركة “20 فبراير” احتجاجات في الشوارع ودعت إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية. وبدلاً من سحق الحراك، كما فعل بن علي في تونس والقذافي في ليبيا، قرر ملك المغرب في يوليو 2011، إصلاح الدستور وعرض مشروع الدستور الجديد على الاستفتاء الشعبي. وعلى الرغم من أنّ النتائج كانت إلى حدّ كبير تشبه النتائج المعهودة للانتخابات العربية المزيفة (98.5% “نعم”، وحضور جماهيري نسبته 73%)، وعلى الرغم من أنّ الملك لا زال يحتفظ بالعديد من الصلاحيات المطلقة الهامة، مثل حل البرلمان، وسيطرته على قطاع الأمن في البلاد، إذ تعتبر وزارة الداخلية أحدّ أهم مؤسسات البلاد، إلاّ أنّ المحصلة الأخيرة عكست مصداقية النتائج. وفي انتخابات نوفمبر 2011، حظيّ الإسلاميون بالحصة الأكبر من مقاعد البرلمان (بالرغم من أنهم لم يشكلوا الأغلبية، فقط 27%)، فضلاً عن تولي رئيس حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران منصب رئيس الوزراء.

جاء فوز حزب العدالة والتنمية أثناء علو شأن الإسلاموية في المنطقة، ففي عام 2011 على سبيل المثال، فاز حزب النهضة بالانتخابات التونسية، كما كانت الفرق الإسلامية من بين أقوى اللاعبين على ساحة الحرب الأهلية الليبية، كما لمع نجم الإخوان المسلمون في المشهد الاجتماعي والسياسي المصري، إلى جانب تبنيّ المقاتلين في سورياً، تدريجياً، الخطاب الإسلامي.

الاسترتيجية البراغماتيّة

ومع ذلك، لم يشابه حزب بنكيران تونس سوى في الاستراتيجية البراغماتية التي اتبعها، محاولاً لم شمل الأجزاء المختلفة من المجتمع المغربي. وبالتالي، تماماً كما توصل حزب النهضة إلى ما يُسمى “العلمانيين” وعمل على تشكيل حكومة ضمن الائتلاف الحاكم الذي جمع حزب التكتل والمؤتمر من أجل الديمقراطية، بنى حزب العدالة والتنمية تحالفاً مع حزب الاستقلال، وهو حزب لأعضاء منتدبين من المخزن (النخبة التي تمثل مصالح العائلات الأرستقراطية الموالية للملكية)، وحزب التقدم والاشتراكية، الحزب الذي سلك نهجاً علمانياً بعد تخليه عن النهج الشيوعي.

أوضح بنكيران وحلفاؤه أن سياسات التحالف لا تعارض الملك، ولا توجد أي نية لتحويل البلاد إلى إمارة إسلامية. وعمل مراراً وتكراراً على تعزيز فكرة أنّ الحكومة ملكية، واضعين أسساً لخطاب الملكية الدستورية الحقيقي (أصبحت المغرب “رسمياً” ملكية دستورية منذ استقلالها عام 1956، ولكن كان الملك يتمتع بالحكم المطلق معظم ذلك الوقت). لربما كانت تلك أذكى خطوة يتبعها الحزب، إلى جانب كونه السبب الرئيسي لمرونتهم في السلطة، في حين تمت آنذاك إمّا الإطاحة بالحكومات الإسلامية الأخرى، أو إجبارها على الاستقالة.

وفي محاولةٍ للالتزام بقوانين اللعبة وعدم تحديّ الملكية، خفف من حدّة انتقاد سياسات الحكومة من قِبل كل من المعارضة والمؤسسة. في المغرب، لا يزال انتقاد الملك غير قانوني: بالتالي تحمي حكومة حزب العدالة والتنمية نفسها بالتسلل تحت مظلة الملك.

هذه الاستراتيجية، التي جنبت الحزب أيضاً المواجهة مع عائلات وعملاءالمخزن، فضلاً عن القوى العلمانية، مكّنت حزب العدالة والتنمية من الهروب من براثن الثورة المضادة السائدة اقليمياً. كما خفف أيضاً من حدّة العداء المتبادل مع المملكة الغنية، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، اللذان يعدّان من الأعداء الصريحين للإسلام السياسي ويتجلى تأثيرهما غرب البلاد في كلٍ من تونس وليبيا.

كما تمكّن المغرب في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، من جذب الشركات العالمية الفارة من بلدان الربيع العربي المضطربة، وخصوصاً تونس ومصر، فضلاً عن مليارات الدولارات من الديون والاستثمارات الأجنبية المباشرة. وجه اليساريون والقوميون المتطرفون أصابع الاتهام للحزب ببيعه البلاد للأجانب، إلا أّنّ الاحصاءات والمؤشرات الإقتصادية كانت مدعاة فخرٍ للحكومة.

ولا نقصد مما ورد القول أنّ حزب العدالة والتنمية أصبح جزءاً من المخزن، وبات يتمتع بحرية العمل، أو أنّ حقبة ما بعد 2011 عبرت البلاد بسلاسة.

التحديات

علاقة الحكومة مع الملك يشوبها أحياناً بعض التوتر، كما أنّ محمد السادس استنكر علناً السياسات الإقتصادية للحزب وألغى أجندته الإصلاحية للنظام التعليمي.

ولا يخجل أعضاء النخبة المغربية من انتقاد أو حتى السخرية من قادة وأعضاء حزب العدالة والتنمية بسبب افتقارهم آداب السلوك والخبرة. يمتلك الحزب خطة جريئة لخفض الدعم الحكومي عن الطاقة، مما سيُثير غضب الطبقة الغنية، التي تستفيد من الدعم لامتلاكهم عدة سيارات وقصور ومباني مكتبية متعددة الطوابق وما إلى ذلك.

وكما هو الحال في تونس، رفضت الاتحادات التجارية السياسات الاقتصادية الليبرالية التي نادى بها حزب العدالة والتنمية، ونظموا احتجاجات واسعة بداية مايو 2012. بقي الشباب غاضب، وازدادت خيبة الأمل بالطبقة السياسية. وبالرغم من أنّ الاقتصاد في المغرب أفضل حالاً مما هو عليه في الدول المجاورة، إلا أنّ الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت الاتحاد الأوروبي، والركود الاقتصادي في أمريكا، وأزمة تذبذب أسعار النفط الحالية، يجعل من الصعب الاعتماد على شركاء المغرب الرئيسيين (الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، مجلس التعاون الخليجي) في المستقبل.

ويبقى المناخ الأمني للبلاد متوتراً في ظل الأوضاع غير المستقرة في شمال افريقيا والساحل الافريقي. يرزح المغرب، إلى حدٍ كبير، تحت وطأة التهديد الإرهابي، حيث أنّ العديد من المواطنين المغاربة أعلنوا انضمامهم إلى صفوف الدولة الإسلامية المتطرفة بين عامي 2013-2014. وتبقى قضية الصحراء الغربية، أطول نزاعات الوطن العربي دون حل، مع تنظيم حركة استقلال الصحراء “البوليساريو” تدريبات عسكرية نادرة في ديسمبر لعام 2014، كما تشكّل الحدود مع الجزائر مصدر إزعاج متواصل، حيث تم بالفعل الانتشار العسكري المغربي على طول الشريط الحدودي في الصيف لينجر إلى بعض المناوشات والإشتبكات الفعلية في أكتوبر الماضي.

لا ينبغي المبالغة بالتصفيق لنجاحات حزب العدالة والتنمية النسبية في المناوارات السياسية على الساحة المغربية، على الرغم من التقدم الاقتصادي الذي تم إحرازه، كما لا ينبغي غض الطرف عنها في ظل الصعوبات الناشئة. مع ذلك، تمكّن، الحزب من البقاء على قيد الحياة في خضم الأزمة الإسلاموية الكبيرة التي اجتاحت العالم العربي صيف عام 2013، بالرغم من انسحاب أعضاء حزب الاستقلال من الحكومة وتسليم حقائبهم الوزارية في يوليو 2013، ودعوتهم إجراء انتخابات مبكرة. استبدل بنكيران أعضاء الاستقلال بوزراء من التجمع الوطني للأحرار، وهو حزب “علماني” آخر، بينما واصل عمله كرئيسٍ للوزراء. وفي حال وصول الحكومة الثانية لبنكيران إلى انتخابات 2016 سالمة، فإنّ المغرب يسير بالتأكيد على المسار الصحيح نحو إرساء الملكية الدستورية، إلى  جانب النقل الديمقراطي والسلمي للسلطة.

user placeholder
written by
Erik Prins
المزيد Erik Prins articles