أصبحت الإمارات العربية المتحدة لاعباً عسكرياً رئيسياً في الشرق الأوسط بفضل ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، جعل مهمته توسيع الجيش الإماراتي من أجل ضمان مصالح المملكة الخليجية في المنطقة.
وأشار حسين إيبش، الباحث البارز في معهد دول الخليج العربية في واشنطن العاصمة، إلى أن الغزو العراقي للكويت في عام 1991 ما أجبر أبوظبي على تطوير جيشها. وقبل ذلك، دعمت الأسرة الحاكمة الدكتاتور العراقي السابق صدام حسين خلال الحرب التي دامت ما يقرب من عقدٍ من الزمان مع إيران.
ومع ذلك، بعد أن هدد صدام دول مجلس التعاون الخليجي، وهو تحالفٌ سياسي واقتصادي، من خلال غزو الكويت، عضو مجلس التعاون الخليجي، سرعان ما سعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى وضع استراتيجيةٍ أقوى وأكثر استقلالية للأمن القومي.
فقد أصبحت اليوم المملكة الصغيرة التى يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة فحسب، تحتل المرتبة 60 على قائمة أقوى جيوش العالم، وفقاً لمؤشر القوة النارية العالمية الذى يصنف القوة العسكرية لـ133 دولة. ومن المقرر أن يرتفع تصنيف البلاد في السنوات المقبلة. وفي عام 2013، حققت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الـ15 من حيث أعلى إنفاق عسكري لأي بلد في العالم، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام.
بل أكثر من ذلك، فقد ضاعفت البلاد انفاقها العسكري في السنوات العشر الأخيرة، مستثمرةً أكثر من 14 مليار دولار. ومن بين دول الخليج الغنية بالنفط، تملك المملكة العربية السعودية ميزانية دفاعٍ أكبر فحسب. كما فرض الإماراتيون الخدمة العسكرية الإلزامية إلى جانب نشر قواتهم في العديد من مناطق الصراعات الإقليمية.
وخلال الربيع العربي في عام 2011، أرسلت الإمارات أولاً قواتها إلى البحرين كجزءٍ من حملةٍ أكبر لدول مجلس التعاون الخليجي للمساعدة في سحق الانتفاضة الديمقراطية. وفي العام نفسه، شاركت في التحالف الدولي الذي أطاح بالدكتاتور الليبي السابق معمر القذافي.
وبعد ثلاث سنوات، انضمت إلى الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وفي عام 2014، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الإمارات العربية المتحدة، نفذت، بعد الولايات المتحدة، هجماتٍ أكثر من أي دولةٍ أخرى تشارك في الحملة.
كما سمحت المملكة للولايات المتحدة بشن هجماتٍ انطلاقاً من قاعدتها في الظفرة. وبمجرد أن تقلع المقاتلات الأمريكية من القاعدة، يرافقها العديد منها طائراتٍ تديرها القوات الجوية الاماراتية. ويشير التعاون الحالي إلى تحالفٍ وديّ متزايد بين البلدين.
وقال أنطوني زيني، القائد السابق للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، أن الإمارات اليوم أقوى حليف عربي لأمريكا في المنطقة. ومع ذلك، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة ليست مستعدة فحسب للقيام بما يطلب منها، بل تحاول أن تلعب، بنشاط، دوراً عسكرياً رائداً في الصراعات التي تعرض مصالحها للخطر.
ففي عام 2016، قال مسؤولون إماراتيون أنهم على استعداد لنشر قوات برية في سوريا لهزيمة داعش. فلطالما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة من أشد المعارضين للحركات الإسلامية في المنطقة، كما أنها المسؤولة عن الهجمات التي تم شنها ضد الميليشيات الجهادية في ليبيا.
وفي الوقت نفسه، تعتبر واحدةً من أكثر مُصدّري الأسلحة نشاطاً في الشرق الأوسط. ففي ديسمبر 2014، عمدت إلى إنشاء شركة الإمارات للصناعات العسكرية (إيدك)، التي تصف نفسها بـ” المنصة الأولى من نوعها في المنطقة على صعيد ما تقدمه من خدمات عسكرية متكاملة وخدمات التصنيع الوطني.”
وإلى جانب الإشارة إلى استعداد دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح لاعباً رئيسياً في مجال التسلح، حققت شركة الإمارات للصناعات العسكرية (إيدك) هدفاً آخر، حيث عملت على دعم جيش الإمارات نفسه إلى جانب تنويع اقتصاد البلاد. ومنذ عام 2015، تقاتل الإمارات العربية المتحدة جنباً إلى جنب مع التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، التي كانت بمثابة مختبرٍ لتجربة أسلحة جديدة.
وذكرت زوي ستانلي لوكمان، مساعدة بحثية لشؤون البيانات الدفاعية في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS) عن ورود تقارير تفيد بأن دولة الإمارات العربية المتحدة نشرت مركبات برية مثل ناقلات الجنود المدرعة لمراقبة أدائها في الحرب.
فقد كان التحالف الذي تقوده السعودية مسؤولاً إلى حدٍ كبير عن التسبب في واحدةٍ من أسوأ الأزمات الإنسانية في السنوات الأخيرة، حيث لقيّ أكثر من 10 آلاف شخص مصرعهم وأصيب 40 الفاً آخرين وفقاً لما ذكرته الأمم المتحدة. وقد تسبب الصراع في مجاعة واسعة الإنتشار فضلاً عن تفشي مرض الكوليرا القاتل، مما زاد من المعاناة الانسانية.
ومع ذلك، نجح تدخل الإمارات في إضعاف المتمردين الحوثيين في شرق البلاد، على الرغم من فقدان عشرات الجنود الإماراتين أرواحهم في هجوم صاروخي من الحوثيين قبل عامين.
حدث ذلك عندما تم اختيار المملكة لتدريب وتوحيد الجيش اليمني بدلاً من تقدم رأس الحربة في القتال على الخطوط الأمامية. ومع ذلك، يقول المسؤولون الإماراتيون إن الانقسامات القبلية جعلت من المستحيل تقريباً بناء قوة وطنية. وقال مسؤولٌ عسكري رفيع المستوى في دولة الإمارات العربية المتحدة طلب عدم الكشف عن هويته لرويترز، “في اليمن، لن يقاتل الحضرمي إلا مع حضرمي آخر، ومن المهم إبقائه في كتل إقليمية عند إنشاء الكتائب.” وعليه، يستغل مقاتلوا القاعدة وداعش هذه الفوضى. والأسوأ من ذلك، أن رد الفعل الإماراتي لمكافحة التمرد أدى إلى تعذيب واختفاء مئات اليمنيين.
ففي يونيو 2017، نشرت وكالة أسوشيتد برس تقريراً استقصائياً تزعم فيه عن لعب الإمارات دوراً في هذه الفظائع، كجزءٍ من البحث عن مقاتلين من تنظيم القاعدة بقيادة الولايات المتحدة. تدار الشبكة السرية من قبل قوات الإمارات العربية المتحدة وقوات يمنية. وتفيد التقارير أنها تتألف من 18 قاعدة عسكرية سرية مخبأة في الطوابق السفلية للفيلات الخاصة والنوادي الليلية. وتعتبر حالات الاختفاء القسري والتعذيب جرائم حرب بموجب القانون الدولي.
وتحدث محتجز سابق اعتقل لمدة ستة أشهر في مطار ريان عن صرخات المعتقلين وأجواء الخوف، فضلاً عن إصابتهم بالأمراض، مشيراً إلى أن أي شخص كان يشكو يؤخذ إلى غرفة التعذيب.
ويشكل المرتزقة جزءاً رئيسياً من ترسانة دولة الإمارات العربية المتحدة. فقد أرسل ما لا يقل عن 450 مقاتل عسكري سابق من كولومبيا إلى جنوب اليمن في عام 2015، حيث تم تجنيد معظمهم لخبرتهم الواسعة في مكافحة التمرد في بلدهم. وكشفت الإيكونومست أنه تم تدريب المقاتلين لمدة خمس سنوات في مدينة زايد العسكرية في الصحراء في أبوظبي.
وأشار إبيش، الخبير من معهد دول الخليج العربية، إلى أن استخدام المرتزقة يسلط الضوء على مشكلة أكبر بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي نضالها المستمر لتجنيد عدد كافٍ من الجنود للقتال إلى جانب عدد سكانها الصغير.
كما تم توظيف السودانيين والإريتريين للقتال في الحرب. وهذا ليس بالأمر المفاجىء، بالنظر إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة توسع بالفعل من وجودها العسكري خارج الشرق الأوسط. ففي عام 2015، أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة قاعدة عسكرية في مدينة عصب الساحلية الإريترية لاستهداف المتمردين الحوثيين. وقد اغضبت القاعدة اثيوبيا التى خاضت حرباً وحشية مع اريتريا من عام 1998 إلى عام 2000.
وفي فبراير 2017، أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة قاعدةً أخرى في ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال. وأشارت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إلى أن القاعدة تهدف إلى حماية مصالح الشحن البحري لدول مجلس التعاون الخليجي في البحر الأحمر وخليج عدن.
ويتفق معظم المراقبين على أن المملكة الصغيرة تقوم ببناء جيشها لمواصلة موازنة تأثير إيران في الوقت الذي تعمل فيه كحصن ضد المتمردين الإسلاميين والجهاديين. إلا أن إبيش أشار إلى أن نهج الإمارات العربية المتحدة بزيادة التسليح مقارنةً بالسياسة ما هو إلا جزءٌ من طموحٍ أوسع لتحديد مصيرها في منطقة أصبحت مزعزعة بشكلٍ متزايد منذ الربيع العربي.