وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اقتصاد تركيا المهزوز يهدد رئاسة إردوغان السلطوية

الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان
الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان أثناء إدلائه بتصريح بعد ترأسه لأحد اجتماعات الحكومة يوم ١٤ ديسمبر ٢٠٢٠. المصدر: Adem ALTAN / AFP.

بالكي باغومهن بايهان

نشر موقع The Conversation مقالة سلطت الضوء على حالة التدهور الراهنة التي يعيشها الاقتصاد التركي وما يحمله هذا الموضوع من أثر على شعبية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكمه للبلاد. وتقوم صاحبة المقالة بلكي بيغومهان بايهان، وهي مرشحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كوفنتري، باستعراض الأسباب الكامنة وراء حالة التدهور الاقتصادي التي تعيشها تركيا، لا سيّما بسبب سوء إدارة إردوغان لجائحة كورونا وما تتبعه أنقرة من سياسات على مستوى الشؤون الخارجية. وبحسب الكاتبة، فإن السبب الثاني يتجاهله الباحثون أثناء حديثهم عن الأزمة الاقتصادية الراهنة. ولا يتوقف الأمر على التكلفة المالية للتدخلات التركية في صراعات المنطقة فحسب، بل إن البلاد قد تتعرض أيضًا لعقوبات بسبب توتر علاقتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نتيجة لاتباع هذه السياسات.

وتبدأ بايهان مقالتها بالإشارة إلى أن الأمور لا تسير على ما يرام للرئيس التركي الذي وصفته بـ “السلطوي”. فهالة إردوغان الذي اعتبر صعوده في يومٍ ما بمثابة قصة نجاح إقليمية، آخذةٌ بالتلاشي بسرعة كبيرة على وقع ما تواجهه بلاده من مشاكل اقتصادية جمّة.

وكان معدل التضخم في البلاد قد قفز في نوفمبر الماضي إلى 14.03٪ بزيادة قدرها 1.5 عن المستوى المتوقع، ليكون بذلك معدل التضخّم الأعلى خلال 15 شهراً. وتدلّ هذه الأرقام على ارتفاع بنسبة 2.3٪ في مؤشر أسعار المستهلك الشهرية. وتزداد الصورة قتامة إذا ما علمنا أن الزيادات الأكبر في الأسعار كانت من نصيب السلع اليومية الأساسية كالطعام والمشروبات غير الكحولية ووسائل النقل.

وتضيف بايهان إن البلاد تعاني من أزمة أخرى وربما أكثر حدة ممثلة في انخفاض قيمة عملتها. فليس انخفاض قيمة الليرة التركية بالخبر الجديد، سيّما وأن تدهورها مستمرٌ منذ سنوات. بيد أن معدل الانخفاض كان صاعقاً هذا العام، حيث وصلت الليرة إلى أدنى مستوياتها مقابل العملات الرئيسية. ومنذ بداية عام 2020، فقدت العملة ما يقرب من 30٪ من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، بالتزامن مع خسارتها لما يزيد عن 30٪ من قيمتها مقابل اليورو.

وفي إطار الجهود الرامية للتعامل مع هذه الأزمة، أقال إردوغان مراد أويسالرئيس البنك المركزي التركي، بينما قدم صهره بيرات البيرق استقالة غير متوقعة من منصب وزير المالية. وصحيحٌ أن قيمة الليرة التركية ارتفع بشكلٍ طفيف بعد هذه المستجدات، إلا أن هذه العملة ما تزال في حالة ركود.

المغامرة الخارجية

ترى بايهان أنه من الصعب تحديد سببٍ واحد لما تواجهه تركيا من مشاكل اقتصادية. ومع ذلك، فهي على قناعة بأن السياسة الخارجية للبلاد من العوامل التي غالباً ما يتم تجاهلها في هذا السياق. وتقول بايهان: “إن طموحات إردوغان العدوانية – والمكلفة – والتي يسعى من خلالها إلى تأسيس وجود تركيا كقوة إقليمية في المنطقة، قد يأتي بنتائج عكسية وبطرقٍ تقوض ثقة المستثمرين في البلاد”.

وتعتقد بايهان أن موقف تركيا الحازم في المنطقة قد أدهش العواصم الغربية منذ بضع سنوات حتى الآن. ففي الآونة الأخيرة، سعت تركيا بقوة إلى توسيع حدودها البحرية على حساب اليونان وقبرص عبر عقد اتفاق مع أحد الأطراف المتنازعة في الحرب الأهلية الليبية. ويحرص إردوغان على وقف بناء خط أنابيب نفط مشترك بين اليونان وإسرائيل وقبرص. كما يحاول الاستحواذ على مناطق في قاع المحيط غنية بالمواد الهيدروكربونية الثمينة تطالب بها تلك الدول. وبحسب صاحبة المقالة، فإن “العدوان التركي” طاله النقد على نطاق واسع نظراً لسعيه إلى “إعادة ترسيم مناطق اقتصادية حصرية لتركيا في البحر المتوسط“. كما أن هذا النزاع استدعى تدخل فرنسا حليف اليونان.

يأتي ذلك في الوقت الذي باتت فيه تركيا منخرطة بشدة في نزاع ناغورنو كاراباخ ، وهي منطقةٌ تعيش على وقع نزاعاتٍ واسعة في جنوب القوقاز. وعملت أنقرة أيضاً على مد أذربيجان بأسلحة وقوى بشرية، ممثلة في مقاتلين محسوبين على المعارضة السورية.

وانتقد عددٌ من الشخصيات الفاعلة على المستوى الدولي ذلك التدخل التركي بمن في ذلكوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيوو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وشجب النقاد ما يرون أنه “طموحات إمبريالية جديدة” أدت إلى تعقيد الصراع ومزيد من الاضطراب في المنطقة.

وترى بايهان أن تركيا زادت الطين بلّة بشرائها لمنظومة الصواريخ الروسية “إس -400” في الصيف الماضي ثم اختبارها لهذه المنظومة في أكتوبر. ووجهت الولايات المتحدة توبيخاً لاذعا لتركيا بسبب ذلك وصرح أحد مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية قائلاً إن “العقوبات خيارٌ حاضر بقوة على الطاولة”.

علاوة على ذلك، تدخّلت أنقرة بكل ثقلها في سوريا وليبيا<، وانتهى التدخل الأول إلى احتلال مباشر لمناطق في شمال سوريا. ولم يَثبت فعلياً أن هذه التدخلات مكلفة مالياً فحسب، بل أنها ساهمت أيضاً في تصوير تركيا كشريك لا يمكن التنبؤ بأفعاله. كما أنها أدت إلى تعميق العزلة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد أن كانت تركيا تسعى إلى إقامة علاقات وثيقة معهما.

مستقبل إردوغان

إن هذه السياسة الخارجية الحازمة تُشكل حجر الزاوية لطموحات إردوغان في تحويل تركيا إلى إمبراطورية عثمانية جديدة في المنطقة. وإلى جانب الاستعانة بزخم الخطاب القومي، فإن هذه السياسات تستخدم لدعم شرعية إردوغان على المستوى المحلي وزيادة شعبيته ليقدّم نفسه كبطل يسترد عظمة الأمة.

بيد أن هذه المساعي كانت على حساب اقتصاد البلاد حسب ما تراه بايهان. وتضع طموحات إردوغان الإقليمية ضغوطاً شديدة على الاقتصاد الذي يواجه أزمةفيروس كورونا. وإن ما يفعله الرئيس التركي، بحسب صاحبة المقالة، يجلب الاضطراب ويُصعب التنبؤ على نحوٍ لا تُحبذه الأسواق، خاصّة وأنّ اقتصاد تركيا يعتمد على رأس المال الأجنبي.

إن الوضع الاقتصادي الحالي في تركيا هو نذير شؤم عظيم لإردوغان. فبعد فترة طويلة من تغيّر الحكومات الائتلافية والركود الاقتصادي، حاول إردوغان تسويق نفسه على مرّ السنين بطريقة تربطه وحزب العدالة والتنمية بوجود الاستقرار والازدهار. وكان هذا عاملاً كبيراً في شعبيته داخل البلاد.

ولذلك، فإن الحالة السيئة للاقتصاد التركي تمثل تهديداً خطيراً لإردوغان. إذ يعتقد 78 ٪ من الأتراك أن الوضع الاقتصادي في البلاد يزداد سوءًا وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤخرًا مؤسسة متروبول للدراسات الاستراتيجية والاجتماعية. ورغم أن شعبية الحكومة قد ارتفعت في بداية جائحة كورونا، إلا أن أسهم إردوغان تراجعت بشكل كبير بعد ذلك.

وتختم بايهان مقالتها بالتالي: “أظهر الاستطلاع في أكتوبر أن حزب العدالة والتنمية يحظى بدعم 28.5٪ فقط على مستوى النوايا المرتبطة بالتصويت في الانتخابات البرلمانية. وفي استطلاع آخر أجري في نوفمبر، أبدى أقل من نصف المشاركين رضاهم على أداء إردوغان. وربما يكون الأسوأ في انتظار الرئيس، إذ ما يزال الناس يشعرون بالآثار الاقتصادية الناجمة عن سوء تعامله مع جائحة كورونا”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com في 11 ديسمبر 2020.

user placeholder
written by
Mattia Yaghmai
المزيد Mattia Yaghmai articles