أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 24 يونيو 2018، إعادة إنتخابه لفترةٍ رئاسية جديدة تمتد إلى خمس سنوات. فقد فشل التضخم الذي بلغت نسبته 12% وانخفاض قيمة الليرة بنسبة 20% هذا العام في أن يُدير الناخبون ظهورهم للرئيس، الذي يعود له الكثير من الفضل في إزدهار اقتصاد البلاد على مدى الـ15 عاماً الماضية.
وعلاوةً على ذلك، لم يكن لفصل 110 آلاف موظف حكومي من وظائفهم على مستوى البلاد واعتقال عشرات الآلاف من الأتراك، أثرٌ يذكر على نجاحه عبر صناديق الاقتراع. فقد أظهرت النتائج غير الرسمية التي أعلنتها وكالة الأناضول التابعة للدولة، بكل وضوح، الفائزين والخاسرين في هذه الإنتخابات.
الفائزون
ختم أردوغان ليلة الإنتخابات بتجاوزه نسبة 52% من الأصوات، ليفوز بذلك في الإنتخابات بشكلٍ صريح ويضع حداً للحاجة إلى الإنتقال لجولةٍ ثانية من التصويت. كما حصل حزبه، حزب العدالة والتنمية على 42% من الأصوات، ليضمن بذلك أغلبية برلمانية وذلك بفضل تحالفه مع حزب الحركة القومية اليميني. ومع ذلك، كان هذا الفوز أقل بما نسبته 7% من الأصوات التي فاز بها حزب العدالة والتنمية في نوفمبر 2015، مما زاد من اعتماده على الشركاء. ومن غير الواضح بعد الثمن الذي يُريده حزب الحركة القومية مقابل ولائه لأردوغان.
وبحصوله على ما نسبته 11% من الأصوات، تخطى حزب الحركة القومية بشكلٍ كبير التوقعات، لا سيما أن زعيم الحزب، دولت بهتشلي البالغ من العمر 70 عاماً، لم يبذل الكثير من الجهد خلال الحملة الإنتخابية- بالرغم من حصوله على وقتٍ أكثر من البث المخصص من قِبل وسائل الإعلام التابعة للدولة من مرشحي المعارضة الآخرين. فقد وقف إلى جانب حزب العدالة والتنمية بعد أن أنشأ تحالفاً انتخابياً قبل التصويت، الذي يبدو أنه خدمه على أكمل وجه. وتوقع الكثيرون أن يصوّت ناخبوا حزب العدالة والتنمية، الذين بات يتملكهم الإحباط من تسلط أردوغان المتنامي، لمرشحٍ معارض. وبدلاً من ذلك، تشير الأرقام المعلنة للجمهور إلى أنهم صوتوا لصالح حليف أردوغان الانتخابي. فقد كان هذا التصويت الاحتجاجي مدروساً لعدم التأثير على توازن القوى، الذي بات اليوم، كما كان قبل الانتخابات، من اختصاص حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي ينتمي إليه أردوغان.
الخاسرون
كان محرم إنجه، المرشح الرئاسي عن حزب الشعب الجمهوري، الخاسر الأبرز. فقد أنهى الحملة الإنتخابية باعتباره الزعيم الفعلي لأكثر حركة معارضة موحدّة (أو تحالفٍ فضفاض) منذ عقود. وخلال التجمعات، التي يُقال أنها جذبت ملايين المؤيديين، كان من الواضح أنه أعاد ضخ الدماء إلى اليسار السياسي ومنح الناخبين، الذين لا يزالون يعارضون بشدة أجندة أردوغان وسياساته الشخصية، الأمل.
وعلاوة على ذلك، أيقظت لمسة إنجه “الشعبية،” بحديثه أمام الحشود بطريقة أكثر تواصلاً من المرشحين السابقين الأوفر حظاً من حزب الشعب الجمهوري، وتساهله فيما يخص تدين أسرته، الآمال بأن يتمكن من جذب أصوات المزيد من الناخبين المحافظين اجتماعياً.
إلا أنه بالرغم من ذلك فشل في حشد الدعم الكافي. فقد تمثلت آماله بالإطاحة بأردوغان بالحصول على أصوات أحزاب المعارضة الأخرى في الجولة الثانية من الإنتخابات، التي كانت الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق لهزيمة الزعيم المخضرم.
ولكن بعد دخوله السباق الإنتخابي باعتباره الحلقة الأضعف، لا ينبغي النظر، ببساطة، إلى أداء إنجه على أنه هزيمة. فلا زال أردوغان يتمتع بقاعدةٍ شعبية كبيرة ومثيرة للإعجاب من المؤيدين، وبالتالي لم يكن بيده الكثير ليفعله. بل إن حقيقه أن إنجه كان قادراً على أن يبعث الأمل في حزبه بعد 15 عاماً من المعارضة الإنتخابية الرمزية، هو نصرٌ بحد ذاته. ومع الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تفوقت على جهود حزب العدالة والتنمية، مهد إنجه لبلورة حقبة جديدة من سياسات المعارضة في تركيا. بل يعتقد البعض أنه قد يسعى إلى تحدى قيادة حزب الشعب الجمهوري.
كما وعدت ميرال أكشينار، زعيمة الحزب الجيد، وهي حركة سياسية جديدة ولدت من جراء خيبة الأمل من حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية، بسرقة الأصوات من القاعدة المؤيدة للرئيس. ومع ذلك، كانت ليلة الإنتخابات مخيبةً للآمال، مع القليل من الأدلة على تحولها إلى “أنثى الذئب.”
وعلى النقيض من ذلك، قاتل حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد للعودة إلى البرلمان، ليتجاوز عتبة الـ10% المطلوبة للتمثيل، ليكون بذلك قد حرم حزب العدالة والتنمية من أغلبيةٍ مطلقة. وفي ظل الحملة الإنتخابية لزعيمهم من خلف القضبان، ووسط مخاوف من إمكانية استخدام القانون الانتخابي الجديد للتمييز ضد الناخبين الأكراد، شكل حصوله على 11% من الأصوات انتصاراً حقيقياً لحزب الشعوب الديمقراطي والديمقراطية التركية بشكلٍ عام.
غير عادلة وغير نزيهة؟
بعد الإدعاءات واسعة النطاق بحصول حالات تزويرٍ في الإستفتاء الدستوري الذي حصل العام الماضي، تنامت بعض التكهنات حول مدى حرية ونزاهة الإنتخابات. وفي يوم الإنتخابات، بدأت تطفو مزاعم بحصول إنتهاكاتٍ في المناطق الكردية، حيث وردت تقارير عن دخول رجال أمنٍ مسلحين إلى مراكز الإقتراع وانتشار فيديوهات على شبكة الإنترنت لحالات حشو الصناديق.
فقد قال مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) إن أحزاب المعارضة حُرمت من ظروف الحملات الانتخابية المتساوية وأن حزب العدالة والتنمية تمتع بميزة غير مشروعة بسبب التغطية الإعلامية المفرطة والقيود المفروضة على الصحافة الحرة. وبالإضافة إلى ذلك، قال المراقبون إن حالة الطوارىء والقيود المفروضة على الحقوق أثرت على نتيجة التصويت. إن مثل هذا الإختلال يُضيف المزيد من المفخرة لأداء أحزاب المعارضة.
فلا يوجد في تركيا استطلاعاتٌ لرأي الناخبين بعد الإقتراع، كما كانت وسائل الإعلام المحلية والدولية تعتمد على وكالة الأناضول التابعة للدولة للحصول على النتائج. فكما جاءت الأصوات الأولية بشكلٍ متوقع من مناطق مؤيدة لحزب العدالة والتنمية، أظهرت النتائج الأولى تقلباتٍ كبيرة تجاه أردوغان وحزبه. أدى ذلك إلى انتقاداتٍ لوسائل الإعلام المؤيدة للحكومة التي تحاول رسم صورة لنصرٍ محتوم لحزب العدالة والتنمية، فضلاً عن تأييدها الخاطىء لحزب العدالة والتنمية في تقاريرها عن النتائج، مما منح ساعاتٍ من الأمل لمؤيدي حزب الشعب الجمهوري بأن النتيجة النهائية ستنقلب مرةً أخرى لصالحهم. إلا أن هذه النتيجة المرغوبة لم تتحقق قط.
كما طالت الإنتقادات أردوغان لاحتفاله المبكر بالنصر، الذي تم قبل صدور أي نتائج رسمية. وفي العديد من البلدان، يُنظر إلى هذا باعتباره تصرفاً متعجرفاً أو حتى أحمق. وفي المناخ السياسي الحالي لتركيا، حيث تنتشر الاتهامات بالخيانة والتي غالباً ما يكون لها عواقب وخيمة، هيأ ادعاء أردوغان بالفوز المشهد أمام توجيه تهمة الخيانة لأي شخصٍ يعارض نتائج الإنتخابات. وعلى الرغم من اعتراف المعارضة بنتائج الانتخابات، إلا أن حزب الشعب الجمهوري قال في البداية أن استطلاعات الحزب الخاصة في صناديق الاقتراع تلقي بظلالٍ من الشك على أرقام وكالة الأناضول.
مثيرٌ للإعجاب أم ساذج؟
دعا إنجه أردوغان في خطاب إعترافه بالهزيمة على أن يكون رئيساً لجميع الأتراك، وليس لحزبه فحسب، بل إن إنجه هاتف أردوغان لتهنئته على الفوز. وفي حين يُسلط هذا الضوء على رسالته خلال الحملة الإنتخابية، إلا أنه أغفل عن سياسة أردوغان. فلسنوات، عمل أردوغان على تعزيز ليس سلطته الخاصة فحسب، بل أيضاً سلطة حزب العدالة والتنمية. إن رغبته في البقاء زعيماً لحزب العدالة والتنمية بينما يتولى منصب الرئيس (قام بتغيير الدستور لضمان ذلك) يعكس رغبته الثابتة في أن يرى الأجندة الإسلامية لحزب العدالة والتنمية باعتبارها القاعدة الراسخة لتركيا.
إن فوز أردوغان يعني أكثر من مجرد خمس سنوات أخرى من حكمه الاستبدادي. فقد منحته الانتخابات مجموعة من الصلاحيات الجديدة – التي تم التصويت عليها في استفتاء العام الماضي – بما في ذلك منحه الحق في تعيين المسؤولين الرسميين بشكلٍ مباشر، وفرض حالة الطوارىء والتدخل من جانبٍ واحد في النظام القضائي.
في ظل هذا التركيز المفرط للسلطة بيد رجلٍ له سجلٌ حافلٌ في قمع المعارضة وفرض أجندته الخاصة على شبعه، فلربما لم تشهد تركيا بعد سوى الفصل الأول من فصول تحولها.