وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الانتخابات الرئاسية التركية: كيف تمكن إردوغان من تحدي استطلاعات الرأي والوصول لجولة الإعادة متصدراً

العديد من العوامل ترجح فوز الرئيس التركي إردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية ومنها اتباعه لتكتيكات انتخابية أكثر فاعلية.

الانتخابات الرئاسية التركية
صورة تم التقاطها يوم 21 مايو 2023 للرئيس التركي رجب طيب إردوغان وهو يحيّي الجمهور في اجتماع تمّ تنظيمه في غازي عينتاب لحث الناس على انتخابه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية. المصدر: Emin Emin Sansar/ Anadolu Agency via AFP.

صالح ياسون: باحث دكتوراه بجامعة إنديانا

تقف تركيا على مشارف جولة إعادة للانتخابات الرئاسية في 28 مايو 2023. وجاء ذلك بعدما عجز أي من المرشحين من الحصول على أكثر من نصف الأصوات في الجولة الأولى – وهو النصاب اللازم لحسم الانتخابات.

الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان تمكّن من حصد أكبر عدد من الأصوات، مخالفاً بذلك ما توقعته جميع استطلاعات الرأي. وسيدخل جولة الإعادة في مواجهة زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو.

أجرى موقع ذا كونفرزيشن هذا الحوار مع صالح ياسون، خبير الشؤون السياسية التركية بجامعة إنديانا، ليقدم لنا نظرة على نتائج الجولة الأولى وما سيليها في المرحلة المقبلة.

1) ماذا حدث خلال الجولة الأولى من التصويت؟

أدلى الناخبون الأتراك في 14 مايو الماضي بأصواتهم في حدثين انتخابيين معاً هما الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية. وقد فُرزت 99.9% من الصناديق الانتخابية حتى لحظة كتابة هذا المقال.

وذهب 49.6% من الأصوات لائتلاف الرئيس إردوغان، الذي يضم حزب العدالة والتنمية المحافظ، وحزب الحركة القومية، وأحزاب إسلامية صغيرة، ما مكّنه من الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان بواقع 322 مقعداً من أصل 600 مقعد. وعلى الرغم من تقييد سلطة البرلمان الفعلية بعد استفتاء 2017، فإن سيطرة إردوغان عليه ستمكّنه من فرض سياسته دون قلق من أي معارضة جدية من البرلمان. بل إنه إذا فاز بالانتخابات الرئاسية، فسوف يتمتع بظهير تشريعي قوي يدعم أجندته.

أما في السباق الرئاسي، فقد حصد إردوغان 49.5% من الأصوات، وهو ما يعني أن عليه خوض جولة إعادة في 28 مايو المقبل في مواجهة كليتشدار أوغلو الذي حصد 44.9% من الأصوات. وكليتشدار أوغلو هو مرشح تحالف الطاولة السداسية المعارض الذي يضم أحزاباً علمانية وقومية ومحافظة من بينها حزبان منشقان عن العدالة والتنمية.

وفي جولة الإعادة، سيفوز المرشح الذي يحصد أكثر من نصف الأصوات بمقعد الرئاسة. لكن رجب طيب إردوغان سيدخل جولة الإعادة بأفضلية واضحة، خاصةً بعدما خالف استطلاعات الرأي التي توقعت أن يحلّ في المركز الثاني في الجولة الأولى من الانتخابات.

2) لماذا حقق إردوغان نتائج أفضل من التوقعات؟

يرجع أداء إردوغان القوي لأسباب متعددة. فرغم معاناة المواطنين الأتراك من التضخم الحاد، يبدو أن رسالة إردوغان بإعطاء الأولوية لاعتبارات الأمن القومي على حساب التحديات الاقتصادية قد أقنعت نسبة كبيرة من قاعدته الجماهيرية المحافظة والقومية.

ويأتي ذلك على الرغم من التراجع المستمر لشعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، وخاصةً في المناطق الحضرية. فقد تراجعت شعبية حزب إردوغان من 42.5% في 2018 إلى 35.6% في 2023.

إلا أن إردوغان تمكّن من الاستمرار عن طريق ضم الأحزاب الإسلامية والقومية الصغيرة إلى تحالفه، ليسمح بذلك لقاعدته الجماهيرية بالتصويت لأحزاب أخرى غير العدالة والتنمية مع إبقائها على دعمه للترشح في الانتخابات الرئاسية. وليس من الغريب أن تجد أشخاصاً في تركيا يشكون من الفساد والأداء الاقتصادي للبلاد ويصوّتون رغم ذلك لإردوغان ليكون رئيساً للبلاد.

وفوق ذلك، لم يكن للزلزال الأخير وضعف الاستجابة الأولية للسلطات تأثيرٌ سلبي على دعم الناخبين في تلك المناطق لإردوغان بالقدر الذي توقعه كثيرون.

أود أيضاً أن أضيف أن التزام تركيا بإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعرّض للشكوك. ويستخدم إردوغان قدرات الدولة ويستغل سيطرته على السلطة القضائية إلى جانب نسبة كبيرة من وسائل الإعلام لصالحه. وفي بعض الأحيان، تعرّض مرشحو المعارضة للترهيب من بعض المواطنين الداعمين لإردوغان.

هذا بالإضافة إلى بعض الأخطاء التي ارتكبها المرشح المنافس، ما أثّر في نتائجه. فقد ترأس كليتشدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري منذ 2010، وخسر الحزب تحت قيادته جميع الانتخابات والاستفتاءات باستثناء الانتخابات البلدية في 2019. ولم يسمح كليتشدار أوغلو بعقد أي مناظرات عامة حول ترشحه ومنع ترشيح عمدتي إسطنبول وأنقرة الأكثر شعبية: أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش.

وكلّف كليتشدار أوغلو قادة تحالف الطاولة السداسية بمهمة اختيار المرشح، وهو ما كان وسيلة تتيح اختياره للترشيح دون الحاجة إلى إجراء انتخابات أولية. ووعد كليتشدار أوغلو الأحزاب الأربعة الصغيرة بمناصب عديدة، منها حقائب وزارية ومنصب نائب الرئيس، بجانب ترشيح 77 عضواً برلمانياً على قائمة حزب الشعب الجمهوري مقابل ترشيحه لخوض انتخابات الرئاسة. وفي الوقت نفسه، استغل كليتشدار أوغلو دعم هذه الأحزاب الصغيرة للضغط على ميرال أكشنار رئيسة حزب الخيّر لقبول ترشيحه. وعلى الرغم من موافقة أكشنار على مضض، فإن نسبة كبيرة من مؤيدي حزبها صوتت في الاقتراع الرئاسي لصالح مرشح ثالث هو سنان أوغان الذي حصل على 5.2% من الأصوات.

واتُهم كلتشدار أوغلو في السنوات الماضية بتأسيس هيكل توريثي يكافئ الموالين له وينبذ من يجرؤ على تحدي نفوذه. وفصلت المنابر الإعلامية التي يمولها الحزب الصحفيين المعارضين له، لذا لم تتناول وسائل الإعلام الداعمة له خبر ترشحه بموضوعية وأتت الأخبار عن شعبيته مبالغاً فيها على الأغلب.

في المقابل، فإن التوجه الأيديولوجي لحزب الشعب الجمهوري (الديمقراطية الاجتماعية) تآكل في رأيي بمرور الوقت. وأصبح الحزب أشبه بكيان متعدد يفتقر لأي توجه واضح.

علاوة على ذلك، من المحتمل أن تتخوف نسبة كبيرة من الناخبين من تشكيل حكومة ائتلاف. فقد عانى الأتراك كثيراً من أداء حكومات الائتلاف منذ التسعينيات حتى عام 2002 نتيجة الاضطراب السياسي والركود الاقتصادي.

وأخيراً، كانت المشاركة في المدن ذات الأغلبية الكردية ضعيفة. وفي ظل تخوف الناخبين القوميين من دعم حزب الشعوب الديمقراطي وهو الحزب القومي الكردي، عزف بعضهم عن التصويت لكليتشدار أوغلو.

3) ماذا بعد؟

جاء أداء إردوغان الذي فاق التوقعات ليضعه في صدارة المرشحين في جولة الإعادة.

وفي حال فوز إردوغان، فإن ذلك سيعزز من حكمه الاستبدادي، كما سيضعف المعارضة بصورة أكبر، إذ توجد مؤشرات إلى أن أكبر حزبين معارضين قد يواجهان أزمة في اختيار قيادتيهما.

وسوف يشارك الناخبون الأتراك في حدث انتخابي آخر في 31 مارس 2024 ضمن الانتخابات البلدية. وكان حزبا المعارضة الكبيران قد تمكّنا في السابق من الاتفاق على مرشّحين نجحوا في الفوز بمناصب العمدة في أهم البلديات الحضرية. وقد يمكّن الانقسام المحتمل في صفوف المعارضة إردوغان من قيادة حزب العدالة والتنمية للسيطرة على أهم البلديات وعلى رأسها إسطنبول وأنقرة.

وإن حصل ذلك، فإنه لن يكون في صالح المعارضة. فإردوغان يترأس السلطة منذ عام 2002، وحكم البلاد لمدة أطول من أي رئيس آخر، بل تجاوزت مدة حكمه عديداً من السلاطين العثمانيين. وإن فاز بخمس سنوات أخرى، فسوف يحكم قبضته على مؤسسات الدولة أكثر وأكثر.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/global في 15 أيار 2023