وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العُزلة الإسرائيلية

مع تنامي النشاط الاستيطاني، بدأ المجتمع الدولي تخوفه من إنهيار عملية السلام، في نهاية المطاف، بين الفلسطينيين والإسرائليين وفشل حل الدولتين. وبالتالي، ذكر قرار الأمم المتحدة رقم (2334) أن التدابير التي تستخدمها إسرائيل والرامية "إلى تغيير التكوين الديموغرافي ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة والتي تشمل إلى جانب تدابير أخرى المستوطنات وتوسيعها، ونقل المستوطنين الإسرائيليين ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتشريد المدنيين الفلسطينيين في انتهاك للقانون الدولي الإنساني والقرارات ذات الصلة.

سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، سامنثا باورز، تصوت للإمتناع عن مشروع قرار يطالب بوضع حد للنشاط الاستيطاني الاسرائيلي في الضفة الغربية، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، 24 ديسمبر 2016. Photo Li Muzi Xinhua / eyevine

في 23 ديسمبر 2016، صوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم (2334)، الذي أدان المستوطنات الاسرائيلية التي تحتل الأراضي الفلسطينية منذ عام 1976، بما فيها القدس الشرقية. وشهد القرار الذي تم بتأييد 14 عضواً من أعضاء مجلس الأمن الدولي، إمتناع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحمل حق النقض (الفيتو)، عن عرقلة التصويت، إذ تعتبر هذه حالةً نادرة عندما يتعلق الأمر بقراراتٍ تتعلق بإسرائيل. فقد قالت السفيرة الأميركية في مجلس الأمن، سامنثا باور، أن إمتناع الولايات المتحدة ينسجم مع السياسة الأميركية بشأن المستوطنات الاسرائيلية، إذ كتبت “إنَّ التزامنا بأمن إسرائيل هو تحديداً ما يدفع الولايات المتحدة إلى اعتقاد أنَّنا لا يمكننا الوقوف في وجه هذا القرار؛ لأنَّنا نسعى للحفاظ على فرص تحقيق هدفنا بعيد المدى: دولتين تعيشان جنباً إلى جنبٍ في سلامٍ وأمنٍ”.

بيد أن منتقدي القرار يصرون على أن قرار الولايات المتحدة بالإمتناع عن التصويت لا يتفق مع سياسة الولايات المتحدة السابقة، خصوصاً أنه في فبراير 2011، عندما صوتت إدارة أوباما خلال فترة ولايته الأولى في منصبه، استخدمت حق النقض على قرارٍ مماثل لمجلس الأمن الدولي، والذي شجع الإسرائيليين فيما بعد على زيادة نشاطهم الاستيطاني إلى حدٍ كبير.

ومع تنامي النشاط الاستيطاني، بدأ المجتمع الدولي تخوفه من إنهيار عملية السلام، في نهاية المطاف، بين الفلسطينيين والإسرائليين وفشل حل الدولتين. وبالتالي، ذكر قرار الأمم المتحدة رقم (2334) أن التدابير التي تستخدمها إسرائيل والرامية “إلى تغيير التكوين الديموغرافي ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة والتي تشمل إلى جانب تدابير أخرى المستوطنات وتوسيعها، ونقل المستوطنين الإسرائيليين ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتشريد المدنيين الفلسطينيين في انتهاك للقانون الدولي الإنساني والقرارات ذات الصلة.” كما يُدين القرار “جميع أعمال العنف ضد المدنيين، بما في ذلك أعمال الإرهاب، وكذلك جميع أعمال الاستفزاز والتحريض والتدمير.” ويُنظر إلى هذا باعتباره يستهدف القادة الفلسطينيين الذي تتهمهم إسرائيل باستخدام خطابٍ سياسي يُشجع الهجمات ضد المدنيين الاسرائيليين.

وكما يُشير القرار رقم (2334)، يعود تاريخ النزاع إلى عام 1967 و”حرب الأيام الستة،” عندما سيطرت إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة من مصر، واستولت على القدس الشرقية والضفة الغربية من الأردن، ومرتفعات الجولان من سوريا. وفي وقتٍ لاحق، حصل تهجيرٌ واسع النطاق للسكان بسبب ضياع الأراضي، تلتها عواقب على المدى الطويل. وحوالي عام 1967، سكن ما يُقدر بحوالي مليون نسمة الضفة الغربية وقطاع غزة، وخلال وبعد الحرب مباشرةً، هجر أو نزح ما يُقارب 350 ألف نسمة منازلهم بسبب الجيش الاسرائيلي، إلى دول مجاورة مثل الأردن.

وبعد الإنتصار الاسرائيلي، شرعت إسرائيل في بناء المستوطنات، وذلك بشكلٍ أساسي على أراضٍ يعتبرها المجتمع الدولي “أراضٍ فلسطينية،” والتي احتلتها إسرائيل منذ حرب الأيام الستة عام 1967. كما بُنيت مستوطناتٌ إسرائيلية أيضاً، بشكلٍ جزئي، على أراضٍ تعتبر أراضٍ سورية، والتي احتلتها الآلة العسكرية الاسرائيلية أيضاً منذ الحرب المذكورة أعلاه. هذه المستوطنات هي مجتمعات مدنية يسكنها مواطنون إسرائيليون ممن هم على وجه التحديد، في الغالب، من أصولٍ يهودية.

ومع ذلك، تعتبر هذه المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي. وتوضح اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، والمعروفة عادةً باسم اتفاقية جنيف الرابعة، المعتمدة عام 1949، الحماية الإنسانية للمدنيين في منطقة الحرب. وفي عام 1993، اعتمد مجلس الأمن تقريراً عن الأمين العام ولجنة من الخبراء، خلُص إلى أنّ اتفاقيات جنيف تم تداولها في صُلب القانون الدولي العرفي، وبالتالي، فهي مُلزمة حتى على الدول غير الموقعة على الإتفاقيات، عند إنخراط أي منها بالصراعات المسلحة. ووفقاً لذلك، تُجرم الإتفاقية نقل الدول للسكان وإقامة المستوطنات على الأراضي المكتسبة من الحرب. ومع ذلك، تُصر إسرائيل على أنّ مستوطناتها تتفق مع القانون الدولي، بحجة أن الأراضي التي اكتسبتها خلال حرب 1967 ليست “محتلة،” بل “متنازع عليها،” ذلك أنه “لم يكن هناك سيادة معترف بها قانونياً في الضفة الغربية أو قطاع غزة قبل حرب الأيام الستة.” ولكن في 9 يوليو 2004 فحسب، قدمت محكمة العدل الدولية تقريرها الموجز عن فتواها ورفضت في نهاية المطاف الحجة التي قدمتها دولة إسرائيل فيما يتعلق ببناء هذه المستوطنات، والتي تقرر أنها “تتعارض مع القانون الدولي.”

وعلاوة على ذلك، فإن المستوطنات الاسرائيلية التي تناولها قرار مجلس الأمن رقم (2334)، تم تناولها في السابق في القرار رقم (446) لمجلس الأمن الدولي، والذي أعتمد في 22 مارس 1979، والقرار رقم (465) الذي اعتمد بالإجماع في الأول من مارس 1980، وكلاهما حددا وأدانا لا شرعية “المستوطنات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى المحتلة.”

وعلى الرغم من أن القرار رقم (2334) يحتوي على لغة متكررة تذكرنا بقرارات مجلس الأمن رقم (446) و(465) المذكورة آنفاً، وعلى الرغم من أنها لم تكن مُلزمة كما لم تُعتمد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أنه قد لا يزال لها آثار قانونية وسياسية دولية هامة. ومنذ عام 2015، تقوم المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، هولندا، بالفعل، بإجراء تحقيقٍ أوليّ بمزاعم ارتكاب اسرائيل لجرائم حرب. ويمكن لهذا القرار أن يشجع المحكمة الجنائية لمواصلة تحقيقاتها مع البلدان الأخرى التي تفكر أيضاً بعقوباتٍ جزائية، في حال لم توقف إدارة نتنياهو بناء مستوطناتٍ جديدة. ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو افترض على نحوٍ خاطىء نهوض المكانة الدبلوماسية الاسرائيلية، ولربما كان شديد الثقة في افتراضه أن العالم لم يعد مهتماً بالقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي ذهب أدراج الرياح اليوم. وانتقاماً منه، استدعى رئيس الوزراء نتنياهو، في 24 ديسمبر 2016، السفراء الاسرائيليين في كلٍ من نيوزلندا والسنغال، وهما دولتين من الدول الأربع التي تبنت تقديم مشروع القرار إلى جانب كلٍ من فنزويلا وماليزيا. فإسرائيل لا تقيم أي علاقاتٍ دبلوماسية مع فنزويلا أو ماليزيا. فقد أعلن نتنياهو أنّ الدول التي تعمل ضد مصالح إسرائيل ستدفع ثمناً دبلوماسياً واقتصادياً، وأوعز إلى وزارة الخارجية إلغاء جميع برامج المساعدات إلى السنغال، والتي تنطوي على برامج لتخفيف حدة الفقر. كما ألغت إسرائيل الزيارة المقررة لوزراء الخارجية الأوكراني والسنغالي إلى اسرئيل، واستدعت ووبخت سفراء الولايات المتحدة الأمريكية والدول العشر التي صوتت لصالح مشروع القرار، وهي خطوة غير اعتيادية في يوم عيد الميلاد والتي تثبت جدية إسرائيل في هذا الشأن.

وخلال استدعاء السفراء في 25 ديسمبر، قال نتنياهو أن “هذا القرار هو جزء من “نشيد البجع” في العالم القديم، وانه في العهد الجديد هناك ثمن بالغ لمن يحاول المس باسرائيل،” وتساءل عن أولويات مجلس الأمن بالنظر إلى تزايد الوفيات بسبب الحروب في سوريا والسودان وأماكن أخرى في الشرق الأوسط. وأعلنت الحكومة الاسرائيلية أنها لن تمتثل لشروط هذا القرار، في حين انتقدت الرئيس الأمريكي باراك أوباما متهماً إياه بالفشل في حماية اسرائيل في مجلس الأمن الدولي لتابع للأمم المتحدة. وأضاف رئيس الوزراء نتنياهو أن الحكومة الإسرائيلية تتطلع إلى العمل مع الرئيس المنتخب ترامب. وفي اليوم التالي، حث افيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، اليهود أيضاً على مغادرة فرنسا والانتقال إلى إسرائيل.

ومع ذلك، رد زعيم المعارضة الاسرائيلية ،اسحق هرتسوغ، عن طريق اتهام نتنياهو بإعلان الحرب على العالم، وبشكل رئيسي على الولايات المتحدة وأوروبا. وفي رسالة إلى صحيفة واشنطن بوست، هاجم ايهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل في الفترة ما بين 1999 إلى عام 2001، ووزير الدفاع في حكومة نتنياهو من عام 2007 إلى عام 2013، سياسات نتنياهو “لاشاعة الخوف ولعب دور الضحية،” كما كتب، أن سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي “قوّض أمن إسرائيل.” وتوقع باراك أن إسرائيل ستواجه انخفاضاً تدريجياً في الأموال اللازمة لصناعاتها الدفاعية، والتي قد تتعرض لانتكاسة بسبب انتقام نتنياهو العدواني والذي يفتقر إلى المغزى.

يوضح قرار مجلس الأمن أن بقية العالم غير مستعدٍ لقبول محاولة إسرائيل إضفاء الشرعية على أفعالها في الأراضي الفلسطينية. ومن الواضح أن نتنياهو يترقب بفارغ الصبر تولي الرئيس الامريكى المنتخب دونالد ترامب لمنصبه، ولكن مهما كان الدعم الذي سيقدمه الرئيس ترامب، إلا أنّ الفورة الدبلوماسية الغاضبة والعشوائية لنتنياهو قد ساهمت على ما يبدو بعزل إسرائيل من المجتمع الدولي، لبعض الوقت في المستقبل.