وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تصعيد العنف ضد الفلسطينيين مع بداية العام الجديد

الخبراء والمراقبون باتوا واثقين من احتمال قيام انتفاضة ثالثة في وجه العنف المتصاعد ضد الفلسطينيين.

تصعيد العنف ضد الفلسطينيين
دخان يتصاعد من مبنى في مدينة جنين بالضفة الغربية في 13 مايو 2022 خلال غارة عسكرية إسرائيلية. جعفر أشتية / وكالة الأنباء الفرنسية

دانا حوراني

استيقظ الفلسطينيون في مخيم جنين على دويّ انفجارات وطلقات نارية تصمّ الآذان في 26 يناير 2023. وأعلنت إسرائيل أن قواتها اقتحمت المخيم والبيوت المجاورة “لاعتقال أفراد تابعين لحركة الجهاد الإسلامي خططوا لتنفيذ هجمات واسعة”.

وقتل الجنود الإسرائيليون تسعة فلسطينيين وسط وابل من الرصاص والقنابل اليدوية والغاز المسيل للدموع.

وأفادت الأنباء أن فلسطينيًا عاشرًا قد قُتل خلال مشادة مع جنود إسرائيليين في بلدة الرام بمنطقة القدس أثناء احتجاج السكان على اقتحام المخيم.

وقد نددت السلطات الفلسطينية باقتحام الإسرائيليين مخيم جنين شمال الضفة الغربية، وحثّت المجتمع الدولي على إيقاف الاضطهاد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

ووصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس الاعتداء الإسرائيلي بأنه “مجزرة” ضد الشعب الفلسطيني وجريمة مخطط لها. وعلى إثر ذلك، أعلنت السلطة الفلسطينية “وقف التنسيق الأمني مع تل أبيب”. وبعدها بأيام، التقى عباس وليام بيرنز، مدير الاستخبارات الأمريكية، وأخبره بأن الوقف جزئي، وأنه من الممكن استئنافه.

وردًا على الاقتحام، نفذ مسلح فلسطيني شاب، 21 عامًا، هجومًا بالقرب من كنيس في مستوطنة النبي يعقوب يوم الجمعة 27 يناير. ونتج عن الهجوم مقتل سبعة مدنيين إسرائيليين وإصابة ثلاثة آخرين. وتمكّنت قوات الشرطة من قتله لاحقًا.

وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية وفا أن هجمات المستوطنين ارتفعت في الأيام اللاحقة.

فقد وردت بلاغات تفيد أن المستوطنين الإسرائيليين شنّوا ما لا يقلّ عن 144 هجومًا يوم السبت في أنحاء الضفة الغربية، بما في ذلك حوادث بسيطة كرشق الحجارة واعتداءات أخرى عنيفة.

يبدو الوضع في الأراضي المحتلة مروّعًا أكثر من ذي قبل.هذا ما يؤكده الخبراء والمراقبون الذين باتوا واثقين من احتمال قيام انتفاضة ثالثة في وجه العنف المتصاعد ضد الفلسطينيين، إضافة الى تدهور مستمر في معيشتهم.

تزايد المقاومة المسلحة

في شهر يناير الماضي فقط، قتلت إسرائيل 31 فلسطينيًا على الأقل. وجدير بالذكر أن إسرائيل قد قتلت العام الماضي في الضفة الغربية والقدس الشرقية فلسطينيين أكثر من أي عام منذ الانتفاضة الثانية.

وقد اندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000 واستمرت حتى 2005 بسبب زيارة مثيرة للجدل قام بها زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك، آرييل شارون، إلى المسجد الأقصى (جبل الهيكل في اليهودية)، ثاني الحرمين الشريفين لدى المسلمين.

ردّ الفلسطينيون على تلك الزيارة بالاحتجاج بالقرب من المسجد الأقصى، ما أدى إلى وفاة أربعة شبان فلسطينيين على يد قوات الاحتلال.

وأسفرت الانتفاضتان في النهاية عن مقتل نحو 6000 فلسطيني و1200 إسرائيلي، وفقًا لمعهد تفاهم الشرق الأوسط.

وقد انتهت الانتفاضة الأولى عندما وُقّعت اتفاقية أوسلو عام 1993. وبرزت الانتفاضة عندما بدأت في 1987 بالإضرابات والمقاطعة والعصيان المدني.

وفي السنوات الأخيرة، زادت إسرائيل من العنف الذي ترتكبه في مدن الضفة الغربية من أجل قمع المقاومة المسلحة المتزايدة، بخاصةٍ في نابلس وجنين.

ويرى الخبراء أن دعم عامة الشعب الفلسطيني للمقاومة المسلحة، لا سيما بين الشباب منهم، ليس إلا رد فعل طبيعيًا على العنف الإسرائيلي.

وقال الخبير السياسي جلال أبو خاطر لفنك: “لا مفرّ من ذلك. فأولئك الشبان نشأوا بعد الانتفاضتين في جو يعمّه اليأس وخيبة الأمل”.

وأضاف: “ما من خيار آخر أمام الشباب الذين يئسوا من إيجاد عمل أو تكوين أسرة أو إكمال تعليمهم، تحديدًا في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية”.

وتابع: “يواجه الشباب واقعًا قاسيًا حيث لا يجدون أمامهم إلا المقاومة أو الذّل”.

ماذا يحدث؟

كانت عملية جنين أكبر اقتحام تشنّه إسرائيل منذ سنوات عديدة. وتزامن الاقتحام مع هدم المزيد من بيوت الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية.

وكان التوسع الاستيطاني على رأس سياسات حزب الليكود اليميني المتطرف الذي فاز بالانتخابات التشريعية الأخيرة، حسبما صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

علاوة على ذلك، تعهد نتنياهو بتسهيل حصول الإسرائيليين على الأسلحة النارية، وهو الإجراء الذي يُعدّ “عقابًا جماعيًا” سيؤدي إلى تصعيد الأزمة.

وقال أبو خاطر إن الحكومة الجديدة تعجّل بما فعله القادة السابقون.

وأضاف: “تستغل الحكومة الموقف وتدفع بأجندتها المتطرفة بالتعجيل في توسيع المستوطنات اليهودية وطرد الفلسطينيين من بيوتهم”.

ووفقًا للخبير السياسي، “سوف تستغل إسرائيل صداماتها مع الفلسطينيين، التي تعتبرها ‘هجمات إرهابية’، لتبرر بناء بؤر استيطانية غير قانونية“.

وجدير بالذكر أن المستوطنين قد خرّبوا المتاجر وأشعلوا النار في السيارات والبيوت في مدن مثل رام الله ونابلس.

وبعد حادث إطلاق النار في مستوطنة النبي يعقوب، أعلن إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الجديد الذي سبق إدانته بدعم الإرهاب والتحريض على العنصرية ضد العرب، أنه سيقترح قانونًا يقضي بإعدام المحرضين على الهجمات ضد الإسرائيليين.

ومع ذلك، يرى أبو خاطر أن إسرائيل بدأت بالفعل باتخاذ إجراءات تعسفية، كالاعتقالات الجماعية، والسجن دون توجيه تهم، وإعدام من تجرؤوا ودافعوا عن أنفسهم.

وأضاف: “تعاقب إسرائيل المجتمع الفلسطيني كله على أفعال فردية”، واستشهد على ذلك بحصار نابلس في أكتوبر 2022.

انتفاضة ثالثة وإفلات من العقاب

وفقاً لموقع ميدل إيست آي، باغت مستوطنون إسرائيليون أهل قرية جالود في مطلع فبراير الحالي واقتحموا منازلهم وممتلكاتهم. وقال السكان إن المستوطنين أطلقوا الرصاص في الهواء، وأحرقوا السيارات، ورشقوهم بالحجارة، ورشّوهم برذاذ الفلفل. وردًا على ذلك، رشق شبّان فلسطينيون المستوطنين بالحجارة.

وبعد مرور أكثر من ساعة، وصلت القوات الإسرائيلية وظلّت تطلق الغاز المسيل للدموع على المدنيين الفلسطينيين لأكثر من نصف ساعة.

وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية الأخير، شجّع الإفلات من العقاب على اقتراف المزيد من العنف، كما يتضح من الهجمات المتزايدة التي شنها المستوطنون.

وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “لقد كشفت الأحداث المفجعة التي وقعت في الأسبوع الماضي، مرة أخرى، مدى التكلفة المميتة لنظام الفصل العنصري. إن تقاعس المجتمع الدولي عن محاسبة السلطات الإسرائيلية على جرائم الفصل العنصري، وغيرها من الجرائم، قد أطلق لها العنان لعزل الفلسطينيين، وتفرقتهم، والسيطرة عليهم، وقمعهم بشكل يومي، ويساعد في إدامة العنف المميت. فالفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية، ومن المفزع صراحة أن نرى الجناة يفلتون من العدالة عامًا بعد عام”.

وفي ما يتعلق بالمخاوف من اندلاع انتفاضة ثالثة، يقول أبو خاطر إنه من الصعب تعريف الانتفاضة حاليًا لأن الاحتجاجات والاشتباكات صارت متلاحقة. فقبل بضع سنوات، كان الفلسطينيون ليؤثروا التوظيف والأمان المالي ويُسر الحال، لكنهم الآن “لم يعد لديهم ما يخسرونه” على حد قوله.

وأضاف: “فقد الناس شعورهم بأي شيء جرّاء العنف الذي يشهدونه حتى إنهم صاروا لا يتوقعون إلا الأسوأ”.

الخوف اليومي

بحسب أميرة، التي طلبت تغيير اسمها لدواع أمنية، فإن درجة القلق في نابلس تتزايد يومًا بعد يوم. فقدت أميرة أخاها مؤخرًا على يد القوات الإسرائيلية، وقالت إنه “لم يتغير شيء في حياتنا إلا مستوى العداء الذي يتزايد”.

ورغم مقتل أخيها بدعوى انتمائه إلى جماعة مقاومة مسلحة محلية، فإن أميرة تؤكد أنها لا تعلم بانضمامه إلى أي جماعة. لكنها ترى أن هذه الجماعات لن تزداد إلا قوة إذا استمرت إسرائيل في تصعيد العنف في هجماتها.

وعبرت عن قلقها من أمور تؤثر في الحياة اليومية، مثل التوقيف في نقاط التفتيش حيث يخشى الفلسطينيون من اعتداء الشرطة أو المستوطنين عليهم. وأخبرت أميرة فنك أنها أُوقفت في اليوم الذي عقب حادث مستوطنة النبي يعقوب وشاهدت مجموعة من الجنود والمستوطنين تهجم على سيارة الأجرة التي كانت تستقلها.

وأشارت إلى أنه لم يحدث شيء، لكنها صارت تلاحظ المزيد من المستوطنين وهم يحملون الأسلحة.

تبدأ أميرة يومها “بتفقّد عدد الشهداء الذين أردتهم القوات الإسرائيلية”. ثم تذهب إلى عملها وهي تخشى أن تكون الضحية التالية.

قالت أميرة: “نخاف كلنا من التوسع الاستيطاني، ونخشى أن تتعرّض بيوتنا للاقتحام، ونُرحّل من بيوتنا لنعيش في ظروف أسوأ في مكان آخر”.

وفي جزء من رحلته الأخيرة إلى الشرق الأوسط، انتقد وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، واعتبرها عائقًا أمام السلام.

وبينما حثّ إسرائيل والفلسطينيين على “تهدئة التوترات”، أكّد كبير الدبلوماسيين الأمريكيين على أن الولايات المتحدة ستواصل دعمها لإسرائيل.

ومع ذلك، تعتقد أميرة أن الوضع متقلب وأنه لا شك في أن معاناة الفلسطينيين مستمرة.