وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السُم في الشِعر: الحرب الكلامية تُعمّق الأزمة الخليجية

تتقدم الموسيقى والشعر الحرب الدعائية بين المملكة العربية السعودية وقطر، مما يؤجج إخفاق الأزمة الخليجية. ففي 4 سبتمبر 2017 على سبيل المثال، أطلقت شركة روتانا السعودية أغنيةً بعنوان “علّم قطر،” التي تسخر من الدوحة وتمجد الرياض.

وتقول كلمات الأغنية:

“علّم قطر.. واللي وقف ورا قطر *** إن البلد هذي طويل بالها
بس المسايل لين وصلت للخطر *** لا والله إن تشوف فعل رجالها.”

وفي مقطعٍ آخر، تقول الكلمات:

“هذي السعودية ذرى عز وفخر *** نحيى بظل الله.. وتحت ظلالها
هذي السعودية سماء وأرض وبحر *** أمن.. وأمان.. وعزها.. بأبطالها.”

وتعتبر هذه الأغنية جزءاً من حملةٍ أوسع لتشويه سمعة قطر بعد أن قطع أعضاءٌ من مجلس التعاون الخليجي ومصر علاقاتهم مع الإمارة الصغيرة في يونيو 2017، وذلك بسبب مزاعم عن “دعمها للجماعات الإرهابية،” والتآمر مع إيران. ومع ذلك، يدعي بعض المعلقون أن السبب الحقيقي وراء الخلاف هو الحدّ من سياسة قطر الخارجية المستقلة ونفوذها المتنامي في المنطقة.

ومع ذلك، شارك سبعة من أشهر المغنين في العالم العربي بالأغنية. فقد ألف السعودي تركي آل الشيخ كلمات الأغنية بينما لحنها السعودي رابح صقر. حُملّت الأغنية على موقع يوتيوب محققة نجاحاً كبيراً، مما جذب ما يقرب 5 ملايين مشاهدة في 5 أيام.

وكما كان متوقعاً، كان رد الفعل مستقطباً. فقد أشاد بعض المغردين على تويتر بالأغنية لإعلان الولاء للمملكة العربية السعودية، بينما انتقد آخرون المغنين لمشاركتهم في الحملة الدعائية ضد قطر، معارضين إقحام الموسيقى لتخدم الأجندات السياسية. وقالت غالية الطبطبائي وهي مهندسة كويتية في تغريدة على تويتر ”على الرغم من كل الأحداث والمشاكل، يظل الفن والغناء نبراساً للسلام.”

بل إن بعض المستمعين ألمحوا إلى رشوة عبد المجيد عبد الله وماجد المهندس للمشاركة في هذه الأغنية، ذلك أن كليهما سبق وأشادا بقطر في الماضي. ففي عام 2009، غنى عبد المجيد عبدالله “والله أحبك يا قطر، قد السما وقد البحر،” بينما غنى المهندس أغنية حملت عنوان “روحي قطر.”

وعليه، علّقت قطر عقودها مع الفنانيين الذين شاركوا في الأغنية منذ إطلاقها، كما رد الشاعر القطري خليل الشبرمي، بقصيدةٍ انتقد فيها جميع من في روتانا بوصفهم بالقذرين. فيما بثت قناة الجزيرة ردها بعد يومٍ من إطلاق “علّم قطر،” إلا أن ردها لم يحظى بالشعبية نفسها.

لم تكن هذه الحالة الأولى التي استخدمت فيها الموسيقى والشعر كسلاح حربٍ هذا الشهر. فقد ألقى شاعرٌ من الديوان الملكي السعودي قصيدةً منمقة الأبيات خلال حفلٍ تلفزيوني ترفيهي أمام الملك السعودي سلمان وغيره من القادة. وذكر تقريرٌ لرويترز أن الأبيات شبهت قطر ومؤيديها بالكلاب النابحة، والغربان الناعقة، والثعلب المراوغ. أغضبت السخرية العلنية هذه القطريين، مما دفع شاعراً قطرياً آخر، علي ميرزا محمود، إلى الرد بقوة.

حملت قصيدته الأبيات التالية: ”مرغ كما الخنزير جسمك كله.. وامسح بوجهك ما تشاء من القذر.. واعبث كما تبغي بثوبك في القذر… لكن توخى إذا دنوت من الخطر.. قف عند حدك عاقلاً متأدباً.. إلا قطر…”

كما استخدم الشعر من قِبل الحكام الذين اختاروا اتباع نهجٍ أكثر استعطافاً للأزمة. ففي 29 يونيو2017، حمّل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة وحاكم دبي، قصيدة على موقع انستغرام يحث فيها قطر على العودة إلى مجلس التعاون الخليجي.

قال في القصيدة:

وآحِـــسْ أنِّ الــوقـتْ يـكـفـي وحـــانِ
والــشَّـرْ نـسـعـىَ كـلِّـنـا فــي دفـانـهْ
ونـرجـعْ إلــىَ وحــدَةْ قـلـوبْ ومـعاني
نـحـمي بـعـضنا دونْ حـقدْ وضـغانهْ
وواجـــبْ عـلـيـنا نـنـاصحهْ بِـلْـعلاني
إنْ حَــطْ لــهْ أفـعـىَ رَمِــلْ فـي ثـبانِهْ
والــذِيـبْ يـاكـلْ م الـكـبارْ الـسِّـماني
ســاعَـةْ تــغـادرْ سـربـهـا بـإسـتـهانهْ

إلا أن كلمات آل مكتوم لم يكن لها الصدى المرجو، إذ يبدو أن ثمن السلام مكلفٌ جداً بالنسبة لقطر. ففي نهاية يونيو2017، أصدرت دول الحصار 13 مطلباً، أبرزها إغلاق قناة الجزيرة وغيرها من الشبكات المملوكة للحكومة والتي أثارت غضب الحكام في جميع أنحاء المنطقة لكشفها عن قضايا الفساد وسوء المعاملة.

كما تتعرض قطر لضغوطاتٍ لوقف دعم جماعات الإخوان المسلمين مثل حماس. مُنحت قطر 10 أيامٍ للموافقة على المطالب، التي رفضت الخضوع لها بالرغم من تعرضها لحصارٍ من قِبل جيرانها.

والآن، مع إندلاع الحرب الكلامية، بالكاد تحظى قطر بدعمٍ يذكر. حتى أن الإمارات العربية المتحدة والبحرين أقرتا قانوناً يُعاقب بموجبه المتعاطف مع قطر بالحبس لمدة تتراوح ما بين 5 إلى 15 عاماً.

بيد أن هذه الرقابة بعيدة كل البعد عن عنصر المفاجأة. ففي دول مجلس التعاون الخليجي، يُعاقب أولئك الذين يخرجون عن النص، ويُقتلون في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، في عام 2012، حُكم على الشاعر القطري محمد ابن الذيب بالسجن مدى الحياة بسبب أبياتٍ شعرية “أهانت” أمير قطر و”روجت” للإطاحة بحكام الدولة.

خفضّ الحكم في خضم غبطة الربيع العربي، الذي شهد انضمام أعضاء مجلس التعاون الخليجي للمعارضة، خشية أن تؤدي الاضطرابات الشعبية إلى نهاية حكمهم. وأخيراً، أطلق سراح ابن الذيب في عام 2015 بعد أن قضى 3 سنواتٍ في السجن.

وفي العام نفسه، حكمت المملكة العربية السعودية على الشاعر الفلسطيني أشرف فياض بالإعدام بسبب نشره شريط فيديو على الإنترنت يظهر فيه الشرطة الدينية وهي تجلد رجلاً علناً، بحسب فياض ومؤيديه. وعلى الرغم من إلغاء عقوبة الإعدام بحقه في وقتٍ لاحق، إلا أنه حُكم على فياض بالجلد 800 جلدة وبالسجن لمدة ثماني سنوات.

ومع ذلك يسارع العديد من الفنانين السعوديين والقطريين للدفاع عن حكامهم من السخرية. إلا أن ما يُثير السخرية حقاً هو أن أولئك الأكثر ولاءً معرضون لخطر العقوبة أو حتى الموت إذا ما تخطوا حدود الرقابة.