بعد مرور أكثر من أربع سنوات على التدخل العسكري في اليمن بقيادة السعودية ضد المتمردين الحوثيين، ليس هناك ما يشير إلى أن أي من الطرفين سيحرز انتصارا حاسما في أي وقت قريب ويفرض سيطرته على البلد الذي مزقته الحرب الضروس.
وفي الوقت نفسه، يراكم الانفصاليون في جنوب اليمن القوة العسكرية والنفوذ السياسي فيما لا يكاد المجتمع الدولي يبدي اهتماما يذكر بمأساة اليمنيين. من هم هؤلاء الانفصاليون؟ لماذا يريدون الانفصال؟ وهل هو مشروع قابل للتنفيذ؟
المجلس الانتقالي الجنوبي
القوة الانفصالية الرئيسية في جنوب اليمن هي المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتمركز وينطلق من العاصمة المؤقتة عدن بقيادة محافظ المدينة السابق عيدروس الزبيدي.
تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، في مايو 2017 كحركة سياسية تسعى إلى فصل الجزء الجنوبي من البلاد عن الشمال.
منذ بداية الربيع العربي في عام 2011، اتخذت الإمارات العربية المتحدة موقفا واضحا ضد صعود تيار الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي. في اليمن، تدعم الإمارات الانفصاليين في الجنوب لمنع حزب الإصلاح الإسلامي، الفرع اليمني لحركة الإخوان المسلمين والحليف الرئيسي للرئيس عبد ربه منصور هادي، من الظهور كبديل وحيد للحوثيين، حيث لا يتمتع هادي بدعم سياسي أو قبلي واسع في اليمن.
وكان الزبيدي قائد الجماعات المسلحة الجنوبية التي تقاتل إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية وحكومة هادي المعترف بها دولياً ضد الحوثيين. بعد ذلك انفصل الزبيدي عن الرئيس هادي وشكل المجلس الانتقالي الجنوبي المؤلف من 26 عضواً بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، عندما عزله هادي من منصب محافظ عدن، متهماً إياه بعدم الولاء. خلال العامين الماضيين، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي بحكم الأمر الواقع على محافظات عدن ولحج وأبين والضالع وجزء من شبوة، متحدية سلطة كل من هادي والحوثيين على حد سواء.
استولت قوات الحزام الأمني التابعة لـلمجلس الانتقالي الجنوبي، والتي يقدر عددها بحوالي 90.000 مقاتل، على عدن من القوات الموالية لهادي في أوائل أغسطس / آب 2019. بأسلوب يمني خالص، لم يتم نزع سلاح قوات هادي المهزومة أو إخلائها من المدينة. قُتل ما لا يقل عن 38 شخصًا في ثلاثة أيام من القتال، قبل أن يتوسط التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة لعودة المدينة إلى سيطرة القوات الموالية للحكومة.
أكد قادة المجلس الانتقالي الجنوبي مرارا أن المجلس لا يزال جزءًا من التحالف المناهض للحوثيين، وسيظل كذلك، لكن الجهود السعودية / الإماراتية للتوفيق بين الانفصاليين والرئيس هادي، الذين يعيش في المنفى بالعاصمة السعودية الرياض منذ مارس 2015، لم يحقق تقدما يذكر حتى الآن.
قال أحمد بن فريد، ممثل المجلس الانتقالي الجنوبي في أوروبا، لصحيفة الإندبندنت البريطانية بعد مواجهات عدن: “نحن نقبل بالذهاب إلى الرياض لإجراء محادثات، وما زلنا ملتزمون بالتحالف، لكننا لن نتراجع عن مطالبتنا بدولة جنوبية. لن يقبل أحد في الجنوب باليمن الموحد. جنوب اليمن كان دولة مستقلة حتى وقت قريب جدا. نريد العودة إلى بلدنا “.
نزعات انفصالية قديمة
الحركات والنزعات الانفصالية قديمة قدم اليمن الموحد نفسه. تم توحيد الجمهورية العربية اليمنية السابقة أو شمال اليمن، بقيادة علي عبد الله صالح، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أو جنوب اليمن، بقيادة علي سالم البيض، بسلام في 22 مايو 1990 لتشكيل الجمهورية اليمنية. بعد ثلاث سنوات فقط، انسحب علي سالم البيض، نائب الرئيس آنذاك، إلى عاصمته السابقة عدن، متذمرا وغاضبًا من هيمنة الشماليين وأعلن انفصال جنوب اليمن واستعادة جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية على الفور.
اندلعت حرب أهلية بين الشمال والجنوب في مايو 1994 وانتهت بعد شهرين بهزيمة مذلة للجنوبيين وانتصار الرئيس صالح وحلفائه في صنعاء. منذ ذلك الحين، واصل الجنوبيون التذمر من التهميش السياسي والاقتصادي والإقصاء ونتائج وعواقب حرب عام 1994، خاصة بالنسبة للعسكريين الجنوبيين، الذين أحيل الآلاف منهم للتقاعد المبكر أو تم طردهم ببساطة.
أدى تهميش الجنوب المستمر إلى تشكيل أول حركة انفصالية علنية تسمى الحراك الجنوبي في عام 2007. تحت قيادة السياسي الجنوبي الاشتراكي البارز حسن باعوم، قاد الحراك الاحتجاجات ومطالب الانفصال. كانت استجابة حكومة صنعاء للاحتجاجات وحشية، مما زاد من تصاعد الاتجاهات الانفصالية.
سقوط نظام صالح في عام 2011 وتراخي قبضة الحكومة المركزية على جميع أنحاء البلاد شجع الحراك على تكثيف أنشطته وتوسيع نطاق دعمه في الجنوب ووصل ذروته باستيلاء المتمردين الحوثيين الزيديين (الشيعة) على صنعاء في سبتمبر 2014، وهو أمر غير مقبول للجنوب الذي تقطنه أغلبية سنية ساحقة.
عرف عن كل من باعوم والزبيدي علاقاتهما مع الرئيس الأسبق على سالم البيض الذي كان يقود ويدعم الانفصاليين من منفاه في بيروت، بدعم إيراني سري، حتى أجبر على الانتقال إلى النمسا في عام 2016.
هناك أيضا حركات وأنشطة انفصالية أصغر وأقل أهمية في مناطق أخرى في الجنوب. على سبيل المثال، عبر العديد من الحضارم عن تطلعاتهم للاستقلال، بدعوى اختلاف المحافظة عن باقي البلاد.
هل الانفصال هدف واقعي يمكن تحقيقه؟
يبدو الانفصاليون الجنوبيون الآن أقوى من أي وقت مضى، مستغلين الحرب المستمرة ضد الحوثيين في الشمال لتعزيز موقفهم. لكن هل الانفصال هدف واقعي وقابل للتحقيق؟
يقول عبد الناصر المودع، وهو كاتب يمني مستقل، إن الانفصال يكاد يكون مستحيلاً، سواء من الناحية القانونية أو كحالة أمر واقع. يشكل الجنوب حوالي ثلثي مساحة اليمن وهي ليست مساحة صغيرة يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال. علاوة على ذلك، هنالك اندماج وتكامل اقتصادي واجتماعي وطيد بين الشمال والجنوب. ويضيف المودع أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتمتع بالدعم فقط في محافظات عدن ولحج والضالع. وهناك عامل مهم آخر هو أن 80 في المائة من احتياطيات اليمن من النفط موجودة في الجنوب، ولا يمكن لأي حكومة في صنعاء أن تدير البلاد بدونها.
حتى أنصار الانفصاليين الأجانب، ودولة الإمارات العربية المتحدة، تحديدا لا يمكنها تحمل تبعات الجنوب المستقل. جنوب اليمن بعيدة عن دولة الإمارات جغرافيا ولا توجد حدود مشتركة بينهما. أي حرب أهلية طويلة الأمد مكلفة للغاية بالنسبة لبلد يبلغ عدد سكانه 3 في المائة فقط من حجم اليمن، بغض النظر عن ثرائه. وفضلاً عن ذلك، خلص المودع إلى أن المشكلات التي ستنجم عن تقسيم اليمن وحالة الفوضى التي يمكن أن تسود فيها ستكون لها تأثيراتها المؤكدة على السعودية وعمان المجاورتين.
ستقود اية محاولة جدية لتقسيم اليمن حتماً إلى إطالة أمد الصراع الحالي، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وجعل اليمن أكثر عرضة للتدخل الإقليمي والدولي.