يُعتبر المدنيون في اليمن، الذي حل به كارثة الحرب الأهلية والتدخل العسكري بقيادة السعودية، أول ضحايا الهجمات والحصار والاعتداءات التي تسببت في دمار البلاد.
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يحتاج 22,2 مليون شخص إلى نوع ما من المساعدات أو الحماية الإنسانية، ويقدر مُعاناة 17,8 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، و8,4 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، ويفتقر 16 مليون شخص إلى الوصول للمياه الآمنة وخدمات الصرف الصحي، كما يفتقر 16,4 مليون شخص إلى الرعاية الصحية الكافية.
وبحسب بيانٍ لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا): “يستمر النزاع المتواصل في إلحاق إصاباتٍ بين المدنيين وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية العامة والخاصة. يُظهر جميع أطراف النزاع تجاهلاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ويُعيقون تسليم المساعدات الإنسانية وفقاً للقواعد والضوابط وفي الوقت المناسب.”
وترجع الأزمة الإنسانية إلى عوامل مختلفة أثارها الصراع بشكلٍ مباشر: الأضرار واسعة النطاق بالبنية التحتية، والانهيار الاقتصادي، والنزوح الداخلي، وحواجز الطرق، وانهيار الخدمات العامة مثل الوصول إلى المياه والكهرباء والصرف الصحي والرعاية الصحية. ووفقاً لمسؤولي الأمم المتحدة، فقد ارتفعت تكلفة الغذاء بنسبة 35% في الأشهر الـ 12 الماضية، وانخفض الريال اليمني بنسبة 180%. وإذا ما استمر هذا الاتجاه، سيواجه 12 مليون شخص خطر المجاعة.
في 2 نوفمبر 2018، نشرت وكالة أسوشيتد برس تقريراً يصف حياة الأشخاص الذين أُجبروا على أكل أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة في منطقةٍ تدعى أسلم، ويرجع ذلك جزئياً إلى تدخّل السلطات المحلية في توزيع المساعدات ومعارضة طلبات إنشاء تسجيل باستخدام الاستدلال البيولوجي لمن يتلقون المساعدة. كما ذكرت عائلة أخرى تناول أوراق الأشجار المسلوقة وفتات الخبز المتعفن. “تركنا كل شيء وراءنا،” قال يحيى حسين، الذي توفي ابنه البالغ من العمر خمسة أشهر بسبب الجوع، وتابع القول “مشينا لساعاتٍ سيراً على الأقدام، ولم نحمل أي شيء، ولا حتى ريال واحد ، ولا أي طعامٍ أو ماء.”
يُشير التقرير إلى أن الأمم المتحدة والجماعات الإنسانية قدمت مساعدات لأكثر من 8 ملايين من اليمنيين الأكثر تعرضاً للخطر في عام 2018، أي بزيادة كبيرة عن عام 2017 عندما كان يتم إيصال الغذاء إلى 3 ملايين شخص شهرياً.
وفي سبتمبر، وصف برنامج الأغذية العالمي الوضع بأنه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم.” وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيسلي في مؤتمرٍ صحفي خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة: “الوضع في اليمن كارثي وأنا لا أرى أي ضوءٍ في نهاية النفق في الوقت الحالي،” مضيفاً “إذا لم نتمكن من الدخول، لن يمكننا مراقبة [و] استخلاص النتائج الضرورية. علينا افتراض الأسوأ.”
كما تشاركه منظمة أنقذوا الأطفال الدولية، التي تعمل على أرض الواقع، الرأي. وقال المتحدث الرسمي للمنظمة، بهانو باتناغار، لفَنَك، “يظل اليمن أكبر كارثةٍ إنسانية في العالم والمأساة هي أنها كارثة بالكامل من صنع الإنسان.
أدى تجاهل الأطراف المتحاربة، واسع النطاق، للحياة المدنية إلى أزمةٍ غذائية ضخمة، وانتشار أمراضٍ يمكن الوقاية منها مثل الكوليرا والدفتيريا، كما شُرّد ملايين الأشخاص من ديارهم بسبب القتال والاقتصاد الذي انهار بشكلٍ كامل. ونتيجةً لذلك، تكافح الأسر لتلبية احتياجاتها اليومية.”
وتابع: “تحدثت منظمة إنقاذوا الأطفال إلى أمٍ لخمسة أطفال أُرغمت على بيع منزلها لتتمكن من وضع الطعام على الطاولة؛ واجهت خياراً مستحيلاً: التشرد أو الجوع. واليوم، تعيش في خيمةٍ في الشارع. نسمع قصصاً لا تحصى عن ظروفٍ ملؤها اليأس، مثل الأهل الذين يرفضون تناول بعض الوجبات ليتمكن أطفالهم من تناول الطعام أو عشرات الأسر المشردة التي تعيش في ظروف صعبة دون الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي.”
بالنسبة له، يعتبر الجوع اليوم القضية الأكثر إلحاحاً، حيث يقدر وفاة 100 طفل جوعاً كل يوم. ركزت منظمة أنقذوا الأطفال وغيرها من المنظمات الدولية انتباههم على مدينة الحديدة الساحلية، التي تشهد حالياً معركة بين المقاتلين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية. فآلاف المدنيين اليمنيين محاصرين في الضواحي الجنوبية للحديدة، حيث يتم إدخال ما نسبته 70-80% من المواد الغذائية والطبية في البلاد. وقالت ميرلا هديب المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر إن واحداً من أكبر مستشفيات المدينة، مستشفى الثورة، “لا يبعد سوى أمتاراً عن خطوط المواجهة الأمامية المشتعلة.”
وقال باتناغار: “بعد نداءاتٍ من أجل وقف الأعمال العدائية من قبل المجتمع الدولي قبل أيام فحسب، يعد هذا تطوراً مقلقاً للغاية.” وأضاف “يجب على جميع أطراف النزاع وقف العنف على الفور، مع الأخذ بعين الاعتبار الأثر الكارثي لهذا القتال على المدنيين في الحديدة وفي جميع أرجاء اليمن. تحتل القوات المسلحة البنية التحتية المدنية ومنازل السكان، وتعرضت المرافق الصحية لخطرٍ كبير، بشكلٍ لا يُعرض فحسب حياة الموظفين والمرضى للخطر، بل يزيد أيضاً من تقييد إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية.”
ووفقاً لتقريرٍ صدر مؤخراً عن مؤسسة السلام العالمي في جامعة تافتس في الولايات المتحدة، “هناك أدلة قوية على أن استراتيجية التحالف كانت تهدف إلى تدمير إنتاج وتوزيع الغذاء في المناطق الخاضعة لسيطرة [العاصمة] صنعاء.” وهذا يعني أنه على الرغم من أن الحوثيين مسؤولون أيضاً عن الأزمة الإنسانية، إلا أن التحالف الذي تقوده السعودية من يستهدف عن عمد توزيع الأغذية والمساعدات من أجل ممارسة الضغط على المتمردين.
وفي عام 2016، وجد مشروع بيانات اليمن، وهو مجموعة من الأكاديميين والمنظمين والنشطاء العاملين في مجال حقوق الإنسان، أن ثلث إجمالي الغارات الجوية التي قادتها السعودية أصابت مواقع مدنية مثل المباني المدرسية والمستشفيات والأسواق والمساجد. يُشير هذا النمط إلى أن التحالف مستعدٌ لتعريض الشعب اليمني للخطر من أجل كسب الحرب.
ومع استعار الحرب، أدى الصراع الداخلي والتدخل الدولي إلى تفاقم العداوات غير المحسومة بين الفصائل المختلفة في اليمن. وبالتالي، فإن أي جهدٍ للسلام يصرف النظر عن الانقسامات المتزايدة والمظالم التاريخية محكومٌ عليه بالفشل.
في هذه الأثناء، هناك حاجة ماسة إلى أموال للمساعدات الإنسانية لمعالجة الوضع الملح لملايين اليمنيين. وقد تم التعهد بتقديم ملياري دولار لخطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2018 في وقتٍ سابق من هذا العام، ولكن لم يتم تسليم سوى 65% من الأموال بحلول أكتوبر.