وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الكنيسة الرسولية الأرمينية: الاستمرارية والتغيير

Specials- Armenian population
أشخاص يحملون صور المثقفين الأرمن – الذين تم احتجازهم وترحيلهم في عام 1915 – خلال تجمعٍ حاشد في شارع الاستقلال في اسطنبول في 24 أبريل 2018، والذي أقيم لإحياء الذكرى السنوية للإبادة الأرمنية. Photo AFP

في عام 2015، أحيا العديد من الأشخاص في مختلف الأماكن في جميع أنحاء العالم، وخاصة المدن التي يوجد بها أعدادٌ كبيرة من الأرمن، الذكرى المئوية لإبادة الإمبراطورية العثمانية لمئات الآلاف من الأرمن. فما حصل في عام 1915 ليس مجرد قضيةٍ للنقاش التاريخي، بل قضيةٌ سياسية مثيرةٌ للجدل لا تزال تحمل في طياتها حساسيةً كبيرة. يعتبر الأرمن، إلى جانب عددٍ من الدول الغربية، تلك الحادثة المظلمة إبادةً جماعية، في حين تنكرها الجمهورية التركية الحديثة، وخليفة الإمبراطورية العثمانية، بشدة.

ولعقودٍ من الزمان منذ عام 1922، كانت أرمينيا جزءاً من الاتحاد السوفيتي، وعندما حصلت على استقلالها في عام 1991، شهدت البلاد صراعاً دموياً مع أذربيجان حول منطقة ناغورني- كاراباخ ذات الأغلبية الأرمنية. وعلى الرغم من أن أرمينيا وتركيا اتفقتا في عام 2009 على خارطة طريق مؤقتة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية، إلا أن النزاع حول التاريخ ما زال يشكل تحدياً كبيراً. وبالإضافة إلى تاريخ أوائل القرن العشرين، والذي يلعب دوراً غاية في الأهمية في السرد الوطني لأرمينيا، تعتبر الكنيسة الرسولية الأرمنية وصيةً على الهوية الوطنية الأرمنية ولا تزال تمثل جانباً آخر بالغ الأهمية من ذلك السرد.

تأسست الكنيسة الرسولية الأرمنية في القرن الأول الميلادي، وفي عام 301 ميلادي كانت أول فرعٍ للمسيحية لتصبح ديناً للدولة؛ كما أنها مستقلة تماماً عن الكنائس المسيحية الأخرى في جميع أنحاء العالم. ووفقاً لرواياتهم التقليدية، كان مؤسس الكنيسة الرسولية الأرمنية وأول رئيسٍ لها هو غريغوريوس المنّور (كريكور)، ابن آناك، الذي قتل ملك أرمينيا خوسروف الثاني. أُعدم والد غريغوريوس بسبب جريمته، لكن غريغوريوس تمكن من الفرار إلى كابادوكيا، حيث تم تربيته وتعليمه من قبل الأسقف القديس فيرميليان.

عندما عاد كريكور إلى أرمينيا، كان يهدف إلى جعل الملك الأرمني وشعب موطنه يعتنق المسيحية، لكن الملك تيريديتس الثالث، ابن الملك خوسروف الثاني، لم يرحب به وسجن كريكور. ومع ذلك، بعد ثلاثة عشر عاماً من السجن، تمكن كريكور أخيراً من جعل الملك يعتنق المسيحية. بعد ذلك، في عام 301 ميلادي، جعل تيريديتس الثالث المسيحية الدين الرسمي للدولة.

واليوم، أرمينيا بلدٌ صغير يقع جنوب غرب آسيا ويبلغ عدد سكانه 3 ملايين نسمة فقط، حيث أن حوالي 95% من سكان أرمينيا مسيحيين. من حيث المعتقدات والممارسات، هناك ارتباط وثيق بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والأرمنية. يستند الإيمان والعقيدة والمبادىء على التعاليم الرسولية وما يعتبره أتباعها تقليداً مقدساً وكلمة الله المكتوبة. يتم تبجيل مريم العذراء باعتبارها أم الله ويتم الاحتفال بكلٍ من القديسين الأرمن وغير الأرمن على مدار العام. يوجد سبعة أسرارٍ دينية مُقدسة: سر المعمودية؛ والقربان المقدس؛ وسر الاعتراف (التوبة)؛ وسر الزواج؛ وزيت الميرون؛ وسر الكهنوت؛ وسر مسحة المرضى.

Specials- Christian armenian
إحدى أعضاء الجالية الأرمنية في القدس تُشعل شمعة في 23 أبريل 2016 خلال حفلٍ أقيم في كاتدرائية القديس يعقوب الأرمنية في القدس القديمة، لإحياء ذكرى عمليات القتل الجماعي للأرمن في ظل الإمبراطورية العثمانية في عام 1915. Photo AFP

في عام 506 ميلادي، ألغت الكنيسة الرسولية الأرمنية حكم مجمع خلقيدونية بأن يسوع المسيح له طبيعة مزدوجة، واحدة إلهية والأخرى بشرية. رفضت الكنيسة الرسولية الأرمنية هذا التعريف، المعروف باسم الديوفيزية (أو الطبيعتان)، وبدلاً من ذلك أيدت موقفاً عقائدياً يُعرف بالميافيزية، التي ترى أن ألوهة وبشرية المسيح متحدتان في طبيعة واحدة، لا يمكن فصلهما أو مزجهما أو تحويرهما.

لم تستخدم الكنيسة التقويم الأرمني التقليدي منذ عام 1923، واختارت بدلاً من ذلك التقويم الغريغوري الذي تشترك فيه معظم السلطات المدنية والكنائس المسيحية الغربية. وكحال الكنائس الأرثوذكسية الأخرى، لا يحتفل المسيحيون الأرمن بعيد الميلاد في ديسمبر. فقد كان الاحتفال بعيد الميلاد في ديسمبر، في الأساس، تقليداً رومانياً ظهر خلال القرن الرابع ولم تصادق عليه الكنيسة الرسولية الأرمنية. وبالنسبة للمسيحيين الأرمن، هناك خمسة احتفالات كبرى خلال العام: هي ميلاد يسوع وعيد الغطاس؛ والفصح؛ وعيد التجلي؛ وعيد إنتقال مريم العذراء بالنفس والجسد إلى السماء؛ وعيد الصليب. في الواقع، تشترك الكنيسة الرسولية الأرمنية إلى حدٍ كبير مع طقوس الكنائس اللاتينية والأرثوذكسية الشرقية، فعلى سبيل المثال، يرتدي الأساقفة الأرمينيون تيجاناً (البرطل) مشابهة لتلك التي يرتديها الأساقفة الغربيين. ويسمح للكهنة الأرمن تحت رتبة “المبجّل” بالزواج قبل الترسيم وتُسبق أسماء أطفالهم بكلمة “Der” (بمعنى السيد) للإشارة إلى نسبهم.

ومنذ أواخر القرن العشرين، قامت الكنيسة الرسولية الأرمنية، إلى جانب الكنائس الأرثوذكسية الشرقية الأخرى، بدورٍ نشط في الحوارات الدينية مع كل من الكنيستين الرومانية الكاثوليكية والشرقية الأرثوذكسية من أجل حل الخلافات العقائدية التي يعود تاريخها إلى مجمع خلقيدونية، حيث تمكنوا من حل العديد من هذه الاختلافات التاريخية.

خارج أرمينيا، هناك أبرشيات رسولية أرمنية بارزة في مختلف البلدان في أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وجنوب آسيا؛ واحدة من أهمها هي الكنيسة الرسولية الأرمنية في إيران.

وعلى الرغم من أن غالبية الأرمن في أرمينيا يتبعون الكنيسة الرسولية الأرمنية، إلا أن هناك فروعاً أخرى من المسيحية النشطة في البلاد؛ منها على سبيل المثال، الكنيسة الكاثوليكية الأرمنية، التي تعد واحدة من الكنائس الشرقية المستقلة (بكامل أهليتها) للكنيسة الكاثوليكية، والتي تمتلك دائرة صغيرة من الأتباع في البلاد. وعلى الرغم من أن الكاثوليك يشكلون أقليةً في البلاد، إلا أن تأثير الكنيسة الكاثوليكية الأرمنية يتجاوز حدود أرمينيا، إذ تتمتع بتأثيرٍ قوي لا سيما بين مجتمعات الشتات في إيران ومصر ولبنان وسوريا ومصر وتركيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا والأرجنتين وأوروغواي وأستراليا. كما أن هناك عددا كبيرا نسبياً من الأرمن الذين يعيشون في أمريكا الشمالية، ومن أصل 1,5 مليون أرمني يعيشون هناك، ينتمي 35 ألفاً منهم إلى الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية. كما تستضيف فرنسا، ذات الأغلبية الكاثوليكية، مجتمعاً كبيراً من الطائفة الأرمنية الكاثوليكية: إذ يعيش اليوم في فرنسا 30000 أرمني كاثوليكي – الذي يعدّ أكبر مجتمعٍ من نوعه في أوروبا الغربية.

وأخيراً، هناك أيضاً عددٌ قليلٌ جداً من السكان المسيحيين الأرمن الذين يلتزمون بالبروتستانتية. يرجع ذلك بشكلٍ أساسي إلى حملات التبشير البروتستانتية الأمريكية، الذين بدأوا بالتبشير في البلاد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. وبحسب إحصاء أجري عام 2011، يعيش 29,280 من الإنجيليين البروتستانت في البلاد، وعلى الرغم من حقيقة أنهم يشكلون فقط ما نسبته واحد بالمائة من السكان، إلا أن الإنجيلية تعتبر شكلاً متنامياً من أشكال المسيحية في أرمينيا.

Advertisement
Fanack Water Palestine