وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عاشوراء: المعركة الأبدية ضد الطغيان

عاشوراء
حجاج مسلمون شيعة يشاركون في طقوس حداد خلال عاشوراء، وهي فترة 10 أيام لإحياء ذكرى القرن السابع لمقتل حفيد النبي محمد الإمام الحسين في مدينة كربلاء العراقية المقدسة، في 8 أغسطس 2022. Mohammed SAWAF / AFP

دانا حوراني

عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم، أول شهور السّنة الهجرية. يتغير موعده كل عام مثل شهر رمضان المبارك حسب التقويم القمري حيث تتحدد بداية الشهر بميلاد القمر الجديد.

ولهذا اليوم عظمته عند المسلمين لعدة أسباب، ففيه قُتل الإمام الحسين حفيد الرسول في كربلاء الواقعة جنوب بغداد عام 680 م. ويُقال أيضًا إنه اليوم الذي شق الله فيه البحر لنبيّه موسى أثناء فراره من فرعون.

ويحيي المسلمون السّنة هذه المناسبة بالصّوم والصلاة في المساجد. أما عند الشيعة، فعاشوراء هو يوم الندم والحسرة، فهو يوم استشهاد الإمام الحسين، وهو ابن علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين وأول أئمة الشيعة وابن عم الرسول. وكان الإمام الحسين ثالث أئمة الشيعة قبل وفاته، بعد خلافته الإمام الحسن ثاني الأئمة.

وقد استُشهد الإمام الحسين في معركة كربلاء بعد قتال شرس مع جيش بني أمية الذي أرسله يزيد بن معاوية. وتعرّض كلّ من كانوا معه من الفرسان والنسّاء والأطفال للقتل أو الأسر، وقد بلغ عددهم 72 شخصًا.

ويحيي الشيعة ذكرى عاشوراء ومعركة كربلاء حتى يومنا هذا في كل أنحاء العالم بطقوس متنوعة تختلف من بلد إلى آخر. ويشير علماء الدين والمؤرخون إلى أن الحركات السياسية المتغيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أتاحت لساسة اليوم فرصة الاستيلاء على الحدث ونزع أثره وقيمته الاجتماعية.

تاريخ موجز

لما أعلن يزيد نفسه خليفةً في الثلاثين من عمره، أنكر الإمام الحسين خلافته ورفض مبايعته. وكان يزيد شخصية مختلف عليها، ومحل انتقاد علماء المسلمين.

فوصفه المسعودي، المؤرخ العربي البارز، بأنه “صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب. وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق… وفي أيامه ظهر الغناء واستعملت الملاهي”.

ويُقال إن يزيد قد أجبر الناس على طاعته بشتى وسائل القمع والتهديد والرشوة في وقت تسلل الظلم والفجور إلى الأمة الإسلامية. لكن الحسين ظل يتمسك برباطة جأشه دون اكتراث.

فأعلن الإمام التمرد على طغيان يزيد من مكة ودعمه أهل الكوفة في العراق وتطلعوا لأن يكون الحسين إمامهم وخليفتهم.

وفي طريقه إلى الكوفة، وردت الأخبار إلى الإمام أن أهلها نكثوا العهد تحت وطأة ترهيب يزيد ووعيده. لكن الحسين وزمرته استأنفوا رحلتهم دون أن يأبهوا لذلك.

وفي صحراء كربلاء، حاصرت قوات بني أمية زمرته، ومنعت عنهم المياه، وهاجمت خيامهم بلا هوادة. وكانت تفوقهم عددًا، فقتّلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال.

وكان الإمام آخر من سقط شهيدًا.

حزن واحد وطقوس متشابهة

ومن مظاهر الحداد على المأساة، يتشح الشيعة بالسواد، ويعيدون تمثيل معركة كربلاء في الشوارع، وينظمون المسيرات والمواكب. ويقوم البعض بالتطبير باستخدام السلاسل والنصال والسكاكين تقديرًا لآلام الإمام الحسين.

لكن الكثير من العلماء يتبرؤون من التطبير، ويتبرعون بالدم بدلًا من ممارسة شعائر عاشوراء.

كما تنتشر طقوس طبخ الطعام وتوزيعه في أوساط الشيعة في المنطقة. ومن هذه الأطعمة طبق القيمه الإيراني الذي يتكون من مرق ولحم ضأن مطبوخ مع الحمص ويؤكل مع الأرز. وفي العراق، تشتهر الهريسة التقليدية التي تتكون من لحم الضأن والحنطة. وفي لبنان، يمثل القمح وقطع لحم الضأن أو البقر أهم مكونات طبق الهريسة المشهور. وتُطبخ هذه الوجبات في قدور ضخمة وتُوّزع احتفاءًا بذكرى استشهاد الحسين.

وكذلك يتصدق الناس بالكعك وزجاجات المياه.

كما تُقام مجالس عاشوراء، وهي فاعليات فريدة في أماكن مخصصة يتجمع فيها الناس حول رادود شيعي يردد مرثيات عن آلام الإمام الحسين ورفاقه. وتثير ألحان المرثيات مشاعر جياشة. وتقيم النساء بدورها هذه المجالس، لا سيما في جنوب لبنان بداية منذ التسعينيات.

ويضرب الرّجال صدورهم وتنهمر عيونهم بالدمع وفاءً للإمام ويملؤون الأجواء بصيحاتهم: “هيهات منا الذلة”.

الذنب والتوبة

يرى أستاذ التاريخ والكاتب العراقي مشتاق عيدان الحلفي أن تعظيم العراقيين لواقعة كربلاء لا تعود إلى العادات الموروثة فحسب، ولكنها تنبع من شعور عميق بالذنب.

وقال الحلفي لفنك: “ثمة ندم تتناقله الأجيال لتركهم الإمام وحيدًا في معركة كربلاء وخذلانه في تمرده. وكان أول من عبر هذا الندم وجلد الذات هو سليمان بن صُرد الخزاعي”.

كان الخزاعي أول من ثار على بني أمية بعد معركة كربلاء. وسُميت ثورته “ثورة التوابين” إذ كانت وسيلته للتكفير عن ذنب التخاذل عن نصرة الإمام، والثأر له ولمن كان معه.

وقد سبقت الإمبراطوريتان السلجوقية والعثمانية نظام البعث العراقي في حظر الشعائر الدينية الشيعية في العراق والتضييق عليها. لكن هذا الإجراء قد تغيّر بعد الغزو الأمريكي عام 2003 الذي أطاح بالدكتاتورية وأدّى إلى إحياء طقوس عاشوراء.

وقال الحلفي: “سمح وصول جماعات الإسلام السياسي إلى الحكم بتداخل السياسة والدين. فقد استخدموا شعارات عاشوراء في حملاتهم الانتخابية، وشجعوا العروض الشعبية للطقوس، وحصدوا بذلك شعبية واسعة”.

ومن الساسة الذين وظفوا عاشوراء في خطاباتهم وسياساتهم رجل الدين الشّيعي والسياسي العراقي مقتدى الصدر، ورجل الدين الشيعي والأمين العام لحزب الله اللّبناني المدعوم من إيران حسن نصر الله، والمرشد الأعلى الإيراني السابق روح الله الخميني.

وأضاف الحلفي: “من المهم أن ننتبه إلى أن المواطن العادي ما زال يحيي ذكرى هذه الفترة لقيمتها الروحية وتخليدًا للتقاليد التي توارثتها الأجيال. لذا فإنها ليست دائما سياسية، فما زال كثير من الناس أتقياء”.

دروس مستفادة

يؤكد الشيخ اللّبناني محمد علي الحاج العاملي أن اتحاد الدين والسياسة جاء نتيجة عصر الإحياء الإسلامي في القرن التاسع عشر بعد انهيار إمبراطوريات المسلمين وتدخلات أوروبا الاقتصادية والاستعمارية.

وقال العاملي: “عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية، تزايدت المخاوف في أوساط المسلمين السنّة – ثم انتقلت إلى الشيعة- على مستقبل السلطة السياسية. وهو ما أدّى إلى ظهور العديد من الحركات السياسية الإسلامية مثل الإخوان المسلمين في مصر، والثورة الإسلامية في إيران، ثم حركة أمل وحزب الله في لبنان”.

وأضاف قائلًا: “لم يسع الإمام الحسين إلى السلطة والتحكم. بل رفض مطاوعة رجل ادّعى أنه مفوّض من الله، واختار أن يضحي بحياته في مواجهة الظلم والطغيان”.

وشدد الشيخ على أن يزيد قمع المعارضة، وترك الفساد والعنف ينخران في الأمة الإسلامية.

وأردف: “يناقض المجتمع الشيعي نفسه هذه الأيام. فهو يردد شعارات وهتافات عن كربلاء بينما يؤيد القادة المستبدين الذين يرهبون المعارضة. لقد دعا الإمام إلى المحاسبة ورفض بيعة يزيد، لكن أتباعه اليوم يقدّسون الفساد”

كل يوم عاشوراء، كل أرض كربلاء

يرى العاملي أنه في جنوب لبنان –موطن أكبر مجتمع شيعي في البلاد- تغيرت إلى حدّ كبيرٍ ثقافة عاشوراء بتأثيرات من العراق وإيران.

وقال: “كان الأصل أن يقيم الجنوبيون الطقوس والمسيرات والمسرحيات الشعبية. ثم استوردوا طقوسًا كتوزيع الطعام على المارة في الشوارع، التي أرى أنها تبسيط مخل لنسخة العراقيين الأصلية، حيث كانوا يوزعون الطعام على الحجاج في طريقهم إلى كربلاء في أربعينية الحداد على الحسين”.

وتتبع عاشوراء فترة حداد الأربعين، وفيها يحج مئات الآلاف من الشيعة إلى مدينة كربلاء العراقية.

ويرى العاملي أن هيمنة الجماعات السياسية على طقوس عاشوراء تمنع الناس من مختلف الطوائف من الاستفادة من درس إنساني مشترك يحتاج إليه الناس اليوم.

وأضاف: “لم يكن الإمام الحسين ولا أبوه من الشيعة. فالشيعة اسم أُطلق على أتباعهما بعد ذلك، لكن المعركة ضد الطغيان ليست حكرًا على طائفة”.

وأضاف أنه قد اشترك مع علماء من طوائف مختلفة في الحديث في مجالس عاشوراء قبل ذلك. لكن ما زالت الحاجة إلى بذل مزيد من الجهد قائمة.

وقال الحلفي: “سيتردد شعار ‘كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء” ليذكّر الناس أنه ما دام الطغيان باقيًا والأنظمة القمعية في السلطة ، فإن المعركة لم تنته بعد”

Advertisement
Fanack Water Palestine