وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الطائفة العلوية: أسرارٌ وإنكار

الطائفة العلوية
رجال ونساء علويون يرقصون في مدينة سيواس بشرق تركيا. Photo: ADEM ALTAN / AFP

تتسم المنطقة العربية والشرق الأوسط بتعدد الديانات والطوائف إلا أن غالبية سكان هذه المنطقة لا يعرفون كثيراً من تفاصيل الديانات والطوائف الأخرى. فقد برز اسم الطائفة العلوية في الشرق الأوسط مؤخراً بعد اندلاع الحرب السورية عام 2011، حيث أن العديد من العلويين هم جزء من النظام، ولا سيما الرئيس بشار الأسد. ولكن تبقى هذه الطائفة وتفاصيلها بعيدة عن الاطلاع والمعرفة العامة؛ كان من أسباب ذلك حرص مشايخ الطائفة نفسهم على كتم الكثير من تفاصيلها عمن هم خارجها وعن بعض أبنائها أيضاً، وهو ما جعل غالبية المنشور عنه من أبناء طوائف أخرى يحمل معلوماتٍ غير دقيقة أو صحيحة.

يُطلق على الطائفة العلوية هذا الاسم نسبة لعليّ ابن أبي طالب، ابن عم النبي محمد وأول أئمة الشيعة الإثني عشرية. يصف بعض رجال الدين من الطائفة العلوية علي بأنه “شريك للنبي محمد في مقامه وفي كل شيء إلا النبوة.” ويوضح الشيخ ذو الفقار غزال، أحد كبار مشايخ الطائفة في سوريا، بأن الادعاءات التي تُردد بتأليه عليّ -أي الادعاء بأنه إله-محض افتراءات.

وتُسمى الطائفة العلوية أيضاً بالنصيرية نسبة إلى مؤسسها محمد بن نُصير البكري النُميري، والذي يعتبره العلويون القائم مقام الباب للمهدي المنتظر، والباب هي رتبة دينية معروفة عند الإمامية، بينما يجمع ما سواهم من الاثنا عشرية على كونه مدعياً.

ويعتبر العلويون أنفسهم اثنا عشرية (إمامية)، التي تعتبر فرعاً من الإسلام الشيعي، وتشترك مع باقي الطوائف الاثنا عشرية في كثير من التعاليم الدينية. ويقول الشيخ سُليمان الأحمد، أحد كبار مشايخ العلوية “ليس لَدَى العلويين مذهب مستقل للعبادات والأحكام المبنية على معرفة الحلال والحرام، والمعاملات كالمواريث وغيرها، وذلك اعتمادا منهم على المذهب الإمامي الجعفري، الذي هو الأصل، وهم فَرْعٌ منه.”

وفي حديث لنا في فَنَك، يقول الشيخ شادي عبده مرعي، وهو شيخ معمم في المجلس الإسلامي العلوي في لبنان، أن “العلوية لهم طريقة صوفية من ضمن مذهبهم الشيعي الاثنا عشري كالطرق الصوفية عند أهل السنة ويمكن وصفها اختصاراً بأن العلويون عرفانيون صوفيون عقائدياً، جعفريون اثنا عشريون فقهياً.”

مرجعيتهم الأولى هي القرآن الكريم كسائر عموم المسلمين، والمنهج العرفاني يعني معرفة الله والإقرار التامّ به وبرسله وكتبه وملائكته وأوليائه. أما الباحث والأكاديمي محمد الأحمد، فيرى أن فكرة العلوية هي محاولة لربط الدين الإسلامي بالفلسفة التي نشأت في اليونان.

كما يؤمن العلويين بالتقمص أي انتقال الروح بعد الممات من جسد إلى آخر، وتأتي هذه الفكرة من فلسفة تكرار الامتحان أكثر من مرة للنفس البشرية حتى تصفى وتُنقى ومن ثم تحاسب وفق مفهوم يوم الحساب، وهو ما ينكره ويرفضه الشيخ مرعي قائلاً بأن النصوص العلوية ترفض الحديث بالتقمص، وربما يختلف التأويل بين شخص وآخر، وربما المشكلة هي في تناقض النصوص ربما.

ويتركز الوجود العلوي في سوريا، حيث يشكلون نسبة صغيرة من السكان، كما أن هناك أعداداً منهم في لبنان وتركيا. ليس هناك حصر دقيق لأعدادهم ولكن التقديرات تُشير إلى أن عددهم يتراوح بين 7 و14 مليون شخص في العالم.

الاتهامات الموجهة للعلويين

غالباً ما يُتهم العلويون بأنهم باطنية، أي أنهم يُظهرون من دينهم وتعاليمهم غير ما يُبطنون، وهو ما عرفه الكاتب موسى مخول في كتابه “العلويون” الذين يجعلون لكل ظاهر باطناً، ولكل تنزيل تأويل.

بينما يقول الشيخ عبده مرعي بأن العلوية البديل الطبيعي للوحشية، أو أنها ترجمة للمصطلح المعروف بالإتيكيت، أي فن السلوك بالغ التهذيب، الذي تتعلق قواعده بآداب السلوك والأخلاق الحميدة وتضم مجموعة من القواعد والمبادئ المكتوبة وغير المكتوبة التي تنظم المجاملات. وأضاف أن البديل هو التقية، أي الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير خشيةً من الإضطهاد، في غياب الحرية الفكرية والعقائدية في ضوء الأحداث التاريخية التي شهدتها هذه المنطقة بفظاعاتها التي انعكست آثارها إلزاماً في الدخول في طاعة القوي وإلاَّ قُتِل، وبما أن هذه الشعوب لم ترتق بعد إلى مستوى قادرٍ على تقبل الرأي الديني الآخر باحترام، تكون التقية هي الحل درءاً للقتل والذبح.

ومع ذلك، يرفض الشيخ مرعي، كحال غيره من الشيوخ العلويين، وجود أي طقوس أو نصوص أو عبادات خفية أو باطنية في المذهب العلوي. بينما قالت لنا إحدى بنات الطائفة في سوريا أن هناك جزء مخفي من العقيدة لا يخرج لأحد سواها، ويُعد إعطاء هذه التفاصيل لشخص من خارجها هو افشاء للسر، كما أن الإناث العلويات لا يتم تعليمهن الدين أو العلوم الدينية في الطائفة العلوية على الاطلاق ودون ابداء أي أسباب، لذا من غير الواضح قدر المعلومات التي تمتلكها هذه الفتاة. وعلاوةً على ذلك، هناك صلوات باطنية للذكور فقط يتم تعليمهم إياها بعد سن البلوغ أي من سن الخامسة عشر، بينما يسمح للإناث بالصلاة الظاهرة التي هي نفسها الصلوات الخمس عند السنة والشيعة. ومع ذلك، فإن الصلاة وباقي أركان الإسلام، بما في ذلك الزكاة وصيام شهر رمضان، ليست فرضاً في الطائفة ولكن لا يمنعهم أحد عنها، وهو ما ينكر وجوده مشايخ الطائفة.

من جهته، يقول الشيخ مرعي أن تلك اتهامات تلاحق الطائفة منذ غياب الإمام العسكري، الإمام الـ11 لدى الإثني عشرية، عام 260 هجرياً (873 بعد الميلاد)، رغم بذل المشايخ عبر الزمن جهداً لنفيها دون جدوى. ويرى الباحث والأكاديمي محمد الأحمد أن عدم بوح العلويون بتفاصيل عقيدهم وشح المعلومات عنهم يرجع لكونها ظلت ممنوعة وحفاظاً على وجودها.

وقد واجه العلويون الاضطهاد بانتظام، لا سميا خلال الحملات العسكرية في القرن الرابع عشر على يد المماليك في بلاد الشام مستندين على فتاوى دينية كان أشهرها فتوى الشيخ تقي الدين ابن تيمية والذي اتهمهم فيها بأنهم كفار وفرقة باطنية يدعون التشيع. بينما يعتبر الأزهر الشريف وعلماء الشيعة في كثير من الفتاوى بعد ذلك الطائفة العلوية بأنها طائفة إسلامية يحرم تكفيرها. وخلال الكثير من تلك الحملات تم الانتقام منهم بقتل الكثيرين وهدم مساجدهم وحرق كتبهم ومنعهم من دخول المساجد، كما ارتكبت الإمبراطورية العثمانية منذ هيمنتها على بلاد الشام عام 1516 الكثير من المجازر بحقهم.

شكل الانتداب الفرنسي على سوريا بعد الحرب العالمية الأولى نقطة تحولٍ بالنسبة للتاريخ العلوي. فقد أعطى ذلك الفرنسيين سلطة تجنيد المدنيين السوريين في قواتهم المسلحة وإنشاء دويلات حصرية للأقليات، بما في ذلك العلويين. تم تفكيك الدولة العلوية فيما بعد، لكن العلويين ظلوا جزءاً مهماً من القوات المسلحة السورية. ومنذ تولي حافظ الأسد السلطة في عام 1971، سيطرت على الحكومة نخبة سياسية تقودها عائلة الأسد العلوية.

ويشترك العلويون أيضاً مع باقي الطوائف الشيعية وكثير من الطرق الصوفية السُنية في تقديس الأضرحة والمقامات التي يتصل أصحابها بنسب إلى بيت النبي محمد أو الأئمة. كما يقدسون عيد الغدير إضافة للأيام والأعياد الأخرى عند عموم المسلمين، ويحل عيد الغدير في يوم 18 من شهر ذي الحجة (الشهر الثاني عشر والأخير في التقويم الإسلامي) من كل عام هجري، والذي يقول عنه العلويون والشيعة عموماً بأنه اليوم الذي أوصى فيه النبي محمد ابن عمه عليّ بالمسلمين من بعده، وفيه يجدد الشيعة البيعة للإمام عليّ، ويُلقب باليوم الكبير الذي تُستجاب فيه كل الدعوات.

وكما يختلف العلويون عن الشيعة الإمامية في بعض التفاصيل فإنهم يتفقون معهم في الاختلاف مع أهل السنة في أحقية عليّ ابن أبي طالب في خلافة النبي محمد، ويصف الشيخ مرعي موقفهم من باقي الطوائف قائلاً “لقد دأب علماء العلويين على إرسال أجمل وألطف رسالة الإخوة إلى إخواننا السنة والشيعة وباقي الخلق أجمع، وقد قال شاعرنا المكزون ملاطفاً إخواننا السنة:

بأبي عدي وابنه نلتُ المُنـى وغدوتُ من بعد الجهالة موقِنَا
وبنور هُديِهما هُديتُ إلى الهُدى فعليهما منــي التحية والثنا
إني بدينهما دانٍ رغم العـــــدى أُمسيتُ من دون الورى متدينا
بعقيـدةٍ بكـريةٍ عمـرية مالي إذا غيــري انثنى عنها انثنا
وبســنة لله عثمانية فاز امرؤٌ أمسى بها متسنِّنا
وأنا اليزيدي الذي رفض العدى قولي، وفي جهالة قالوا الخنا

وبرسالةٍ أُخرى عالمية منتجبية (لأبي الفضل المنتجب العاني):

وموسويٍ، مسيحيٍ أنا، وإلى محمدٍ رحتُ عن قصدٍ ببرهانِ
فسمني وادعني في كل منزلة بمسلمٍ، ويهوديٍ، ونصراني

Advertisement
Fanack Water Palestine