وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السعودية: من العصور القديمة إلى الإمبراطورية العثمانية ( 1000 قبل الميلاد-1915)

من العصور القديمة إلى الإمبراطورية العثمانية
من العصور القديمة إلى الإمبراطورية العثمانية / Photo by Stephen Downes/Flickr.

العصور القديمة

الجزيرة العربية الوصول السهل نسبياً إلى حضارات نهري دجلة والفرات ووادي النيل. وما إن تم الاتصال حتى بدأت العمليات التجارية.

كانت الشعوب الساحلية في وضع يؤهلها من الإستفادة من هذه التجارة. وتركّزت معظم الأعمال التجارية على البحرين وسلطنة عمان الحاليتين؛ إلا أن الفائدة شملت أيضاً سكان الجزء الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية، اليمن وجنوب المملكة العربية السعودية حالياً. كما ساعد المناخ والطوبوغرافيا لهذه المنطقة على تعزيز التنمية الزراعية أكثر من ساحل الخليج الفارسي.

ساعدت الأمطار السخية في اليمن على توفير الغذاء للسكان، بينما اغتنت المنطقة من صادرات المر واللبان. ونتيجة لذلك، تطورت الحضارة إلى مستوى عال نسبياً في جنوب السعودية حوالي عام 1000 قبل الميلاد.

كان سكان تلك المنطقة يعيشون في ممالك صغيرة أو مدن، وأشهرها سبأ المذكورة في العهد القديم على الأرجح. دفع ازدهار اليمن الرومان إلى إطلاق اسم “العربية السعيدة” (Arabia Felix) عليها. ولكن خارج المناطق الساحلية، وفي بعض المراكز في الحجاز المرتبطة بالتجارة عبر الصحراء الكبرى، وضعت قسوة مناخ شبه الجزيرة والتضاريس الجبلية والصحراوية حداً للزراعة وجعلت الوصول إلى الأراضي الداخلية صعباً للغاية. فاعتاش السكان على الأرجح على البستنة والرعي في الواحات، وكان قسم من السكان من البدو الرّحل أو شبه الرّحل.

بدأت الظروف المادية للعرب بالتحسن حوالي عام 1000 قبل الميلاد. وتم تطوير طريقة ركوب الجمال بغية نقل الحمولات الكبيرة. وكان الجمل الحيوان الوحيد الذي يمكنه قطع مسافات طويلة من الأراضي القاحلة بثبات وصبر. وصار بإمكان العرب الاستفادة من بعض التجارة التي كانت تتجنب المرور بشبه الجزيرة العربية في السابق. وكان للتجارة عبر العربية نتيجتين هامتين.

النتيجة الأولى: نشوء المدن التي يمكنها تقديم الخدمات كمحطات سفر لقوافل الجِمال التي تجتاز الصحراء. وكانت أكثرها ازدهاراً – مثل البتراء في الأردن وتدمر في سوريا – قريبة نسبياً من الأسواق في منطقة البحر الابيض المتوسط، كما تطورت مدن صغيرة ترتادها القوافل بالقرب من شبه الجزيرة. وكانت أهمّها مدينة مكة المكرمة، التي ساهم في ازدهارها بعض المزارات التي كانت محط الزوّار العرب من جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية. وكان بعض العرب، خاصة في الحجاز، يعتقدون بآلهة متعددة ويقومون بطقوس لعبادتها.

وكان أكثر هذه المعتقدات أهمية قدسية واحترام بعض الأماكن والأوقات من السنة. فكانت الحروب محظورة خلال تلك الأوقات وفي تلك الأماكن، وكانوا يحتفلون خلالها بطقوس متنوعة، أوّلها الحج. وكان أشهر مواقع الحج هي مكة المكرمة. والنتيجة الثانية: الإتصال مع العالم الخارجي. في المشرق، كان الفرس والرومان القوتين العظمتين في القرون التي سبقت ظهور الإسلام، فانخرطت القبائل العربية التي كانت متاخمة لهاتين الامبراطوريتين في شؤونهما السياسية. وبعد عام 400 ميلادية، كانت كلا الإمبراطوريتين تدفع المال للقبائل العربية بغية حماية حدودها الجنوبية ومضايقة المناطق الحدودية للعدو.

لكن على المدى البعيد، كانت الأفكار والأشخاص المسافرة مع قوافل الجِمال هي الأهم. ومع حلول عام 500 الميلادي، ظهر دين جديد في العالم العربي. كان للصابئة من جنوب السعودية معتقداتهم الخاصة، وكان لها أتباعها في الداخل. وكان أتباع المعتقدات الوثنية منتشرين في شبه الجزيرة العربية. علاوة على ذلك، كان هناك مجتمعات متأصلة من المسيحيين واليهود والحنفيين – المذكورين في القرآن، ويُعتقد أنهم من أتباع دين توحيدي أصلي. وكان النساطرة على طول ساحل الخليج؛ وفي اليمن، كان السريان الأرثوذكس ومجموعات صغيرة من المسيحيين من البدو وفي الأديرة المنتشرة في شمالي الحجاز.

وفي القرن السادس، وقبل مولد النبي محمد بفترة قصيرة، كان في مدينة نجران، جنوب غرب المملكة العربية السعودية، كنيسة مسيحية لها أسقف ورهبان وقساوسة وراهبات وعلمانيين، ويحكمها ملك يهودي. كان اليهود يشكلون جزءً هاماً، ليس من سكان اليمن فحسب، بل أيضاً من سكان الواحات في منطقة المدينة المنورة.

ظهور الإسلام

ينسب السعوديون والكثيرون من العرب والمسلمين تراثهم إلى مولد النبي محمد عام 570 ميلادي. ويشار إلى أزمنة ما قبل الإسلام بالجاهلية.

ولد النبي محمد، أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، في مكة حين كانت المدينة تؤسس نفسها كمركز تجاري. بالنسبة لسكان مكة المكرمة، كانت الاتصالات القبلية لا تزال العنصر الأكثر أهمية في البنية الاجتماعية. ينتمي النبي محمد إلى قبيلة قريش، التي أصبحت القبيلة الرائدة في المدينة بفضل اشتراكها في حقوق المياه الخاصة بالحج؛ وكان قصي بن كلاب يدير شؤون الكعبة.

وفي زمن النبي محمد، أصبحت قريش ناشطة في التجارة، بعد إقامة تحالفات مع قبائل في كل أنحاء شبه العربية. ساعدت هذه التحالفات قريش على إرسال قوافلهم إلى اليمن وسوريا. وبالتالي، سهلت قريش ومهدت الطريق أمام الوضع الجديد القائم في المجتمع العربي.

أزعجت رسالة النبي محمد الكثيرين من أهل قريش لأسباب عديدة. فقد قام بمهاجمة العادات العربية التقليدية التي كانت تسمح بترتيبات متهاونة في الزواج وقتل الأطفال غير المرغوب بهم. ولكن الأهم، دعوته بإله واحد؛ وبسبب إدانته لعبادة الأصنام، كان يهدّد حركة الحج التي تستفيد منها قريش.

قبل وفاته عام 632 ميلادية، نجح النبي محمد في كسب ولاء معظم العربية تقريباً. فقد ارتبطت قبائل شبه الجزيرة العربية بالنبي من خلال عدة اتفاقيات، لكن لم ينضموا جميعهم إلى الإسلام. وقد توقّع النبي خضوع الآخرين، لا سيما الوثنيين، إلا أنه سمح للمسيحيين واليهود بالبقاء على عقائدهم، شريطة أن يدفعوا الجزية.

بعد وفاة النبي، اعترف معظم المسلمين بخلافة أبي بكر (توفي عام 634)، أحد أوائل المهتدين وموقر من الجميع. فرض أبو بكر ولاء القبائل العربية بالقوة، وفي المعارك التي حدثت بعد وفاة النبي – والتي أطلق عليها حروب الردة – أصبح من المستحيل أساساً على أي فرد من أفراد القبائل العربية الإبقاء على ممارساته الدينية التقليدية. وسُمح للعرب الذين كانوا قد اعتنقوا الديانة اليهودية أو المسيحية البقاء عليها، أما الذين كانوا يتّبعون الممارسات الوثنية القديمة فقد أجبروا على اعتناق الإسلام. وبهذه الطريقة، صار الإسلام دين أغلبية العرب.

لم يكن للنبي خلفاء روحيون، على اعتبار أن الله قد أنزل الوحي (القرآن) على النبي محمد دون سواه. لكن كان له خلفاء زمنيين (يشار إليهم بالخلفاء الراشدين). كان أبو بكر الخليفة الأول، الذي شن حملات عسكرية متعاقبة ضد الساسانيين والبيزنطيين الأقوياء. حكم الخلفاء العالم الإسلامي لغاية عام 1258، حين قتل المغول الخليفة الأخير وكل ورثته. وخلال السنوات الثلاثين الأولى، استطاع الخلفاء إدارة الإمبراطورية الإسلامية المتنامية من يثرب، التي أعيدت تسميتها إلى مدينة النبي أو المدينة المنورة. ويتم اختصارها عادة في لفظة “المدينة“.

العصور الوسطى

في وقت قصير، فتح الخلفاء بلاد كثيرة. ومع انتهاء حروب الردّة، اتّحدت القبائل العربية تحت راية الإسلام ووجهت طاقاتها ضد الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية. وشقت الجيوش العربية طريقها بسرعة عبر هاتين الإمبراطوريتين وبسطت سيطرتها على إسبانيا وباكستان.

في الوقت نفسه، بدأ الكثير من الحجاج بالذهاب إلى شبه الجزيرة العربية على نحو منتظم، واستقر بعضهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقد ساعد الحجاج على تبادل الأفكار والثقافات بين سكان شبه الجزيرة وغيرها من حضارات العالم العربي والإسلامي.

كانت إنجازات الإسلام عظيمة ومتنوعة. ولكن بعد عام 656، لم تعد هذه الإنجازات تحت سيطرة العربية. وبعد اغتيال ثالث الخلفاء الراشدين، عثمان بن عفان، عام 656، انقسم العالم الإسلامي. ونشأت الفتنة المقيتة ضمن الأمة؛ وخاصة بعد وفاة الخليفة علي ومقتل ولديه الحسن والحسين، تفرّع الإسلام إلى سنّة وشيعة. أمضى علي بن أبي طالب، الخليفة الرابع (قُتل عام 660)، معظم أوقاته في العراق. وبعد علي، أقام الأمويون خلافة وراثية لهم في دمشق. عام 750، أطاح العباسيون بالأمويين، وحكموا من بغداد.

كان ظهور اللغة العربية كلغة عالمية عاملاً آخر في التطور الثقافي في شبه الجزيرة العربية. وفي عهد الدولة العباسية بشكل خاص، أصبح العالم الإسلامي مركزاً للتقدّم العلمي خلال ما يعرف بالعصر الذهبي. وساهم العلماء المسلمون في كثير من الحقول الرئيسية، بما فيها الطب والرياضيات والفلسفة وعلم الفلك والفنون والآداب. وغدت الكثير من الأفكار والمناهج المستكشفة من قبلهم أساساً للعلوم الحديثة.

الإمبراطورية العثمانية 1517-1915

ضمت الإمبراطورية العثمانية أجزاء من المنطقة التي تعرف الآن باسم المملكة العربية السعودية على مراحل، ابتداءً من عام 1517: الأولى الحجاز مع مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ ومن ثم الإحساء، وهي شريط على طول الخليج الفارسي. في مرحلة لاحقة، نجحت اسطنبول في كسب الهيمنة السياسية على عسير وشمال اليمن الحالية.

حافظت الإمبراطورية العثمانية على سيادتها الاسمية على العربية حتى الحرب العالمية الأولى. حكم الحسين بن علي، أمير مكة الهاشمي، والذي كان أيضاً شريف مكة (خادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة)، بالنيابة عن العثمانيين في الحجاز، بينما وقعت بقية العربية تحت حكم زعماء القبائل المحليين. وكان اهتمام السلاطين العثمانيين في الأساس في أمن المدينتين المقدستين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، وجهتي الحج بالنسبة للعثمانيين وغيرهم من المسلمين.

جعلت قلة الموارد الاقتصادية الكبيرة، إلى جانب قسوة المناخ، الحكم المباشر في العربية مغامرة غير محبّبة بالنسبة لهم. فحافظ العثمانيون على حكم غير مباشر بغية ضمان أمن الحج. مما أتاح لمراكز القوى المحلية في العربية التنافس للسيطرة على الموارد الضئيلة والطرق التجارية. وكانت الإمارات المحلية في الواحات والمدن الصغيرة قد شهدت حالة من عدم الاستقرار على مر السنوات، دون أية إمكانية لتوحيد المنطقة في دولة واحدة.