وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الملك سلمان: خلافة سلسة تتبعها رياح جديدة

Mideast Saudi Arabia
وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف (يسار) وولي العهد الامير مقرن بن عبد العزيز آل سعود (وسط) والملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود يستقبلون كبار الشخصيات الذين وصلوا لتقديم تعازيهم, الرياض, 25 يناير كانون الثاني 2015 Photo AP-Associated Press Photo AP-Associated Press

خلافة سلسة

أدى دخول المغفور له الملك عبد الله عاهل السعودية، بعمر الواحد والتسعين، إلى المستشفى في أواخر شهر ديسمبر عام 2014 إلى دوامة من التقارير الإخبارية في الصحف الأجنبية حول الطريق الذي ستسلكه المملكة بعد وفاته.

وتحدثت تقارير في بعض وسائل الإعلام الغربية حول احتمالية حدوث ثورات وانقلابات داخل العائلة المالكة الحاكمة. ومع الإضرابات العنيفة التي تشهدها المنطقة بشكلٍ عام والعالم العربي على وجه الخصوص، يُخشى أن يكون للإضرابات الداخلية، في حال عصفت بالمملكة، نتائج كارثية على اقتصادات العالم.
ومباشرةً بعد وفاة الملك عبدالله وتولي خليفته، ولي العهد السابق، الملك سلمان سلطان الحكم، أخمدت الخلافات في القصر.

وفي أولى تصريحاته بعد توليه العرش كملكٍ للبلاد، تعهد الملك سلمان بمواصلة مسيرة سلفه والسير على خطى رؤية مؤسس البلاد الأول، الملك عبد الملك آل سعود، حيث كان حازماً بشأن محافظته على الإستمرارية.

ومع ذلك، لم يعني هذا أن شيئاً لم يتغير قط. في الأسبوع الأول أصدر الملك سلمان 30 مرسوماً جديداً تضمنت إعادة التنظيم اللازمة داخل الحكومة. كما عمد أيضاً إلى استبدال عدد من الوزراء، غالبيتهم من الموالين للملك الراحل عبدالله، بوزراء أصغر سناً من ذوي الخبرة الفنية، وهي خطوة استقبلها السعوديون أحسن استقبال. وعيّن نائب رئيس مجلس الوزراء، ونائب ولي العهد على أرض الواقع، الأمير مقرن ولياً للعهد، ليصبح بذلك خليفته في نهاية المطاف، في حين رفع رتبة وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف ليصبح النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء.

وبذلك، أجاب مباشرة على أكثر الأسئلة التي طرحت منذ توليه الحكم: من هو الملك القادم، وبشكلٍ حاسم، من سيتولي مقاليد الحكم بعد ذلك. ويُعتبر تعيين الأمير محمد على وجه الخصوص ذو دلالة، إذ يعتبر الأمير محمد أول أحفاد الملك عبد العزيز الذي يُعيّن ضمن قائمة ترتيب العرش السعودي

أحد أكثر تعيناته دهشة كان تعيين ابنه (من مواليد عام 1980 ) في مركز سلطة غاية في الأهمية كوزير للدفاع، ومستشاره الخاص، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهي سلطة حكومية جديدة تهتم بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، بدءاً من الرعاية الصحية وصولاً إلى التعليم وعدد لا يُحصى من الشؤون الاجتماعية – الاقتصادية الأخرى. هذا وتكهن بعض المحللين الأجانب حول إمكانية نشوب صراع على السلطة في المستقبل بين الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان.

وبينما احتفظ وزراء الداخلية والخارجية والنفط والثروة المعدنية والمالية والحرس الوطني بمواقعهم تم تعديل أو استبدال آخرون، من بينهم اثنين من أبناء الملك الراحل اللذان تم تنحيتهما كحكام لكل من الرياض ومكة المكرمة. وعاد الأمير خالد الفيصل إلى مكة حاكماً بعد فترة قضاها كوزير للتربية والتعليم، كما حمل أيضاً لقب مستشار للملك. في حين بات الأمير فيصل بن بندر حاكم الرياض، وتم استبدال الأمير خالد بن بندر رئيس المخابرات العامة، بالجنرال خالد بن علي بن عبد الله.

تم إغلاق لجنة السياسات التعليمية ومجلس الخدمة المدنية وعشر مجالس أخرى، وتم استحداث مجلسين جديدين، أحدهما للشؤون السياسية والأمنية وآخر للشؤون الاقتصادية والتنمية (برئاسة محمد بن سلمان). كما تم دمج وزارتي التربية والتعليم العالي.

في أبريل 2015، تم استبدال سعود الفصيل، وزير الخارجية الذي قضى وقتاً طويلاً في منصبه، بوزير من خارج العائلة المالكة (سفير المملكة لدى الولايات المتحدة عادل الجبير)، الأمر الذي يُعدّ سابقة لمثل هذا المنصب الرئيسي. وبالإضافة إلى ذلك، غيّر الملك سلمان خط الخلافة عن طريق استبدال الأمير مقرن بمحمد بن نايف وتنصيبه ولياً للعهد، كما عيّن ابنه محمد، الذي يشغل في الوقت الراهن منصب وزير الدفاع، ولياً لولي العهد.

خط الخلافة منذ بن سعود
خط الخلافة منذ بن سعود

رياح جديدة

27 Mar 2015, Riyadh, Saudi Arabia --- (150326) -- RIYADH, March 26, 2015 (Xinhua) -- Yemeni President Abd-Rabbo Mansour Hadi(L) is welcomed by Saudi Arabian Defense Minister Mohammed Bin Salman upon his arrival at the Riyadh Air Base in Saudi Arabia on March 26, 2015. Saudi official media reported on Thursday evening that Hadi has arrived in the Saudi capital city of Riyadh.(Xinhua/SPA) --- Image by © SPA/Xinhua Press/Corbis
الرئيس اليمني, عبد ربه منصور هادي, خلال لقائه مع وزير الدفاع السعودي, محمد بن سلمان, في الرياض. Photo Corbis

وفي أول رسالة له على مواقع التواصل الاجتماعي، غرّد الملك سلمان، خادم الحرمين الشريفين الجديد ” أيها الشعب الكريم: تستحقون أكثر ومهما فعلت لن أوفيكم” تبع ذلك مراسيم ملكية عديدة تضمنت نفقات جديدة ضخمة بلغت 29,3 مليار دولار والتي اشتملت على صرف راتب شهرين كمكافأة لجميع موظفي الدولة السعودية وسلسلة من النفقات الأخرى. كما استفاد الطلبة وذوي الاحتياجات الخاصة أو الأفراد الذين يتلقون إعاناتٍ شهرية من الدولة من المكافأة والتي تعادل شهرين من دخلهم السنوي. وشملت أيضاً المكآفات ما قيمته 5,3 مليار دولار دعماً للمياه والكهرباء والإسكان. وفيما يتعلق بدعمه للفنون، تعهد الملك سلمان بصرف عشرة ملايين ريال سعودي (ما يعادل 267 ألف دولار) لكل نادٍ أدبي في المملكة.

وذكر أحد المحللين “أن من المرجح مواصلة الملك سلمان سياسة سلفه في الإصلاح التدريجي، والتي تتضمن الحدّ من سلطة المؤسسة الدينية وتخفيف القيود المفروضة على المرأة التي لا تزال ممنوعة من قيادة السيارة. الاتجاه المعتمد هو تحقيق المزيد من الإصلاح، وليس أقل. فقد تغيرت البيئة، إذ باتت وسائل التواصل الاجتماعي متاحة للجميع ولا يمكن لأي أحد في الوقت الحالي السيطرة على المجتمع. وأعتقد أنّ هذا مفهوم من قبل القيادة”.

وبشكلٍ عام، لا يزال الرأي العام السعودي راضٍ عن هذا الإنتقال الملكي للسلطة. وفي نهاية المطاف، عززت الفوضى اللانهائية التي خلقها الربيع العربي تأكيد معظم السعوديين مواصلة الاستفادة من الاستقرار والأمن الذي تتمتع به البلاد.

الحرب في اليمن

وسرعان ما خاضت القيادة الجديدة مغامرة خطرة: التدخل العسكري في جارتها اليمن.

وفي 25 مارس 2015 شرعت المملكة بشن حرب ضد جماعة الحوثي الشيعة وأنصارها من القوات المؤيدة للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي استولى على مساحات كبيرة من البلاد في الأشهر السابقة. ويرأس الأمير الشاب محمد، وزير الدفاع الحالي، التحالف الضعيف المكوّن من بعض دول الخليج والدول العربية الرئيسية.

كان الهدف الرئيسي إعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي فرّ من البلاد في فبراير، إلى سدّة الحكم وإجبار جماعة الحوثي سحب قواتها والعودة أدراجها إلى معاقلها في شمال اليمن. وقيل خلف الأبواب الموصدة، أن سبب إقالة وزير الخارجية السابق، الذي أمضى أكثر من خمسة عقود في موقعه، اعتراضه على استخدام القوة العسكرية، إذ كان يُفضل المفاوضات.

كانت هذه أول مرة يرى فيها الشعب السعودي قوات بلاده تتبؤ مركزاً قيادياً في مواجهةٍ مع قوى أخرى. وفي حين أرسلت السعودية بالفعل قواتها إلى الجزيرة المجاورة، البحرين، عام 2011، إلا أن ذلك كان لإخماد الاحتجاجات من قبل الحركة المؤيدة للديمقراطية الشيعية ضد العائلة الحاكمة السُنية. إلا أن الأمر هنا مختلف. فقد شنّ السعوديون قصفاً جوياً بشكل يومي على جماعة الحوثي والقوات الموالية له في اليمن، إلا أن السعودية ترددت في نشر قواتها البرية الضخمة، التي تنقصها الخبرة، لمواجهة خصمٍ مُحنك في الأراضي الوعرة. وبعد مضي عدة أشهر، بات من الواضح تدريجياً لمعظم المحللين أن قوات التحالف لم تحقق أهدافها. ومع ذلك، سيكون الاعتراف بذلك وصمة عارٍ على جبين وزير الدفاع السعودي الجديد. وهكذا، بدلاً من ذلك، استمر القصف.

كما تردد حلفاء آخرون حاولت السعودية التقرّب منهم أثناء القتال للحصول على دعمهم في نشر قوات برية على الأرض للقتال ضد اليمنيين. فقد تواصلت السعودية بدايةً مع الباكستان، حيث كانت على يقين بالحصول على مساعدتهم، إلا أنهم أداروا لهم ظهورهم وبدلاً من ذلك عرضوا عليهم الدعم في الدفاع عن المملكة في حال غزوها.

من جهة أخرى، واصلت وسائل الإعلام السعودية تصوير دور التحالف كرادع ضروري لمنع توسع النفوذ الإيراني في شبه الجزيرة العربية. وقال دبلوماسي مقيم في الخليج تعليقاً على الغارات الجوية بقيادة السعودية “علينا أن نتذكر الأوضاع في أبريل. إن لم يتم شن هذه الضربات، لكان الحوثيون الآن في كل مكان. ولكان الإيرانيون أكثر حضوراً من أي وقتٍ مضى. وسواء كان القرار صائباً أم خاطئاً، كان هذا هو شعورهم”. وأضاف أن القليل تم تحقيقه حتى الآن، وبأن معظم كبار الشخصيات السعودية تؤمن في الوقت الراهن أن الحملة العسكرية قد تحقق المزيد، وبأنه يتوجب البدء بمفاوضات جادة مع جميع الأطراف اليمنية، بما في ذلك الحوثيين. وفي الواقع، تم إطلاق محادثات للسلام في جنيف في 15 يونيو، ولكن في الوقت الحالي، لا يوجد سوى بصيص أمل ضعيف بإحراز أي تقدم.

وعلى صعيد آخر، تعالت بعض الأصوات غير الراضية، إذ أن جماعات حقوق الإنسان مستاءة من الاستخدام المزعوم للقنابل العنقودية ضد المدنيين في اليمن. وفي حين التزمت معظم الدول الصمت حيال ضربات التحالف العربي، إلا أن الأروقة الداخلية تشهد تزايد القلق في هذا الصدد.

وفي الوقت نفسه، عكس تفجير المساجد الشيعية في المنطقة الشرقية في مايو الماضي، والتي أعلن تنظيم الدولة السُني المتطرف المسؤولية عنه، الخطاب المتطرف الذي يتم بثه من قِبل العديد من رجال الدين السُنة في السعودية. وحذرت الحكومة باتخاذ إجراءات صارمة ضد رجال الدين الذين يعززون الانشقاق بين الناس من مختلف الأديان. وبات العامة مدركين لحجم الخطر الذي يتنامي فيما بينهم، وتكاثفت جهود العديد منهم مع إخوتهم الشيعة لمواجهة هؤلاء المجرمين.

يشعر الشعب إلى حدٍ كبير بالارتياح من أداء القيادة الجديدة التي شرعت في إقالة المسؤولين لعدم كفائتهم أو سوء استخدام مناصبهم. كما ابتهجت الجماهير عندما لام الملك بشكلٍ علني، أحد أعضاء عائلته ومنعه من حضور أي مبارة لكرة القدم، في أعقاب حادثة توجيهه مفردات وأوصاف غير لائقة لأحد الصحفيين. وشعر الشعب السعودي بالغبطة عندما صرّح الملك مؤخراً بأنه لا يوجد أحد فوق القانون، بما في ذلك هو نفسه.

وأشار إلى أن باستطاعة مواطني المملكة رفع دعوى قضائية ضد الملك، وولي العهد، وأي فرد من أفراد الأسرة المالكة في حال شعروا بالظلم، خلافاً لما هو قائم في العديد من الدول الأخرى حيث أن رؤوساء الدولة يتمتعون بالحصانة.

وجاء وقع هذه التصريحات كالموسيقى العذبة التي تُطرب الآذان بالنسبة لغالبية السعوديين، الذين يُقال أن ثلاثة أرباع منهم تحت سن الخامسة والعشرين ممن جلّ اهتمامهم تأمين قوت يومهم. وفي حين يعتبر من السابق لأوانه تقييم قيمة التغييرات والتصريحات القادمة، إلا أن فئة الشباب من الشعب على قناعة تامة أنّ المملكة في أيدٍ أمينة محلياً.