وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التحريض ضد العرب في المجتمع الإسرائيلي

Police use force to disperse protesters at the Kikar Tzahal Square in Jerusalem. Hundreds of right wing Jewish protesters marched through Jerusalem calling for revenge following the murder of three Jewish settlers / Photo Corbis
الشرطة تستخدم القوة لتفريق المتظاهرين في ساحة كيكار تزاهال في القدس. تظاهر المئات من المتظاهرين اليهود من اليمين في القدس للمطالبة بالثأر بعد مقتل ثلاثة مستوطنين يهود / Photo Corbis

يفتخر المجتمع الإسرائيلي بانفتاحه، إذ تعتبر صورة التعايش السلمي والتسامح عنصراً أساسياً للدولة اليهودية الديمقراطية. يميل المتحدثون باسم اسرائيل إلى مقارنتها بموجة التعصب، التي كما يزعمون، تجتاح المنطقة. ولكن، زعزعت أحداث صيف 2014 إدعائاتهم بالتعايش السلمي والتسامح، إذ تشتعل في المجتمع الإسرائيلي موجات التحريض ضد العرب.

بدأت القصة مع اختطاف وقتل المستوطنين اليهود الثلاث في يونيو 2014. أثار الإختطاف موجة عامة من احتجاجات التضامن وأداء الصلوات الجماعية إلى أنّ تم العثور على  جثث المستوطنين الثلاث في أرض زراعية بالقرب من الخليل في 30 يونيو. وفي إدانته لعملية القتل الوحشية، على حد تعبيره، عاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى موضوعه المفضل في المقارنة بين اليهود والعرب: “هناك فجوة اخلاقية واسعة وعميقة تفصل بيننا وبين اعدائنا”، وأضاف، “هم يقدسون الموت ونحن نقدس الحياة، هم يقدسون القساوة ونحن نقدس الرحمة والرأفة، وهذا هو سر قوتنا”.

في غضون أيام، تم تضييق هذه “الفجوة الأخلاقية”. في صباح الثاني من يوليو، وفي أثناء توجه الإسرائليين إلى أشغالهم، أفادت تقارير أولية بمقتل مراهق فلسطيني، الفتى محمد أبو خضير، في القدس الشرقية.  وسرعان ما تبين أن القتلى من اليهود، وأنّ دافعهم قوميّ وهدفهم هو الإنتقام لمقتل المراهقين اليهود الثلاث الذي تم قبل عدة أسابيع.

وبعد محاصرتها بجريمة القتل، دخلت إسرائيل، المضطربة، مرحلة بحثٍ عن الذات. أدان أعضاء الكنيست من مختلف ألوان الطيف السياسي عملية القتل. كما شقت حافلاتٌ تقل اسرائليين طريقها إلى منزل آل أبو خضير لمواساة المعزين. وبدأ قادة الرأي بطرح الأسئلة وما إذا كان المجتمع متسامحاً جداً مع الخطاب المعادي للعرب على مر السنين. وحتى في الأيام التي سبقت مقتل أبو خضير، تفاخر مستخدموا مواقع التواصل الإجتماعي من الإسرائليين بكراهيتهم للعرب، بل وصل الأمر ببعضهم إلى إنشاء صفحات خاصة للمفاخرة بتعصبهم. كيف حصل هذا؟ هل كان المجتمع الإسرائيلي غارقاً حتى أذنيه بتباهيه حول التسامح والإنفتاح بحيث لم يدرك أياً من العلامات التحذيرية؟

أخفق المعلقون في تصوّر العواقب المحتملة: تحولت الإحتجاجات إلى مواجهاتٍ عنيفة في الأحياء الفلسطينية في القدس. امتدت المظاهرات إلى المناطق التي يسكنها مواطنون عرب داخل الخط الأخضر. خشيت السلطات اتساع رقعة المواجهات، وهددت العملية العسكرية في غزة بتأجيج التوتر.

ومن ثم تلاشت القضية، وتبددت الإحتجاجات داخل الخط الأخضر، وبالرغم من تعرّض القطار الخفيف في القدس لبعض التعطيل في الخدمة جراء رشق الحجارة من قِبل شبان فلسطينيين، ولكن بشكلٍ عام هدأت، في القدس أيضاً، موجة التوترات. من وجهة نظر المنظومة الحاكمة، يعود الفضل في هذا، إلى حدٍ كبير، إلى السلطات المحلية في البلدات والقرى العربية الذين عملوا بهدوء ولكن بجد، لإرساء الإستقرار مجدداً.

تهدد موجة الهدوء بإقصاء الأسئلة التي تم طرحها- بما في ذلك التحريض ضد العرب- من على جدول الأعمال العام. ومع انخفاض حدة التوترات بين اليهود والعرب في الداخل، اتجهت أنظار العامة نحو المواجهات المتواصلة في غزة، والنزاع الدائم حول ميزانية الدفاع، فضلاً عن، وكحال باقي دول الشرق الأوسط، إلى شبح الدولة الإسلامية “داعش” والجماعات الجهادية في دولة سوريا المجاورة.

في ضوء ذلك، لم تتم الإجابة على مجموعة من الأسئلة الجوهرية: هل يتوجب على الكنيست سن تشريعات أكثر ردعاً ضد خطاب الكراهية؟ كيف يجب على الحكومة معالجة التمويل غير المتكافىء لأنظمة التعليم العربية وغيرها من الخدمات الإجتماعية؟ كيف يمكن لكل من القطاع الحكومي والخاص زيادة فرص عرب الداخل في قطاع التكنولوجيا المربح؟

والأهم من هذا، ما الوسيلة التي يستطيع من خلالها المجتمع تعزيز المعايير ضد التحريض ضد العرب؟ عند انتشار نبأ مقتل الفتى أبو خضير، اتجهت أصابع الإتهام بالفطرة صوب حركة اليمين المتطرف “شبيبة التلال”، وهم مجموعة استيطانية متطرفة من المراهقين والشباب بالعشرينات ممن يتبنون آراءً سياسية متطرفة. بالرغم من ذلك، لم يكن الجناة الحقيقيون شبيبة من التلال السومرية البعيدة، بل جماعة أقرب نوعاً ما إلى التيار السائد في إسرائيل: مشجعين متشددين لفريق بيتار القدس لكرة القدم.  

تشكّل العلاقة مع نادي بيتار القدس تحدياً. منذ سنوات، عُرف مشجعوا هذا النادي بهتافاتهم العنصرية اتجاه العرب، التي لم تؤخذ قط على محمل الجد. وفي أعقاب مقتل أبو خضير، يبقى السؤال الأهم، هل ستتغير المواقف الإجتماعية؟ ما الذي سيحصل في الموسم المقبل؟ عندما يبدأ المشجعون بالتغني بهتافاتهم المعادية للعرب، كيف سيكون رد الدوري، والشريحة الأكبر من الجمهور على هذا؟

عادةً ما يزدهر التحريض ضد العرب بين الأقليات الإسرائيلية، إلا أنّ المخاوف تزداد بسبب تسربه إلى التيار السائد في البلاد. بالنسبة للإسرائليين، يطرح هذا تحدياً آخر. منذ احتجاجات الإسكان الإسرائيلية عام 2011، أدرك العديد من الإسرائليين أنّ الإنقسامات الداخلية تشكّل تهديداً يوازي أو لربما يتخطى تهديد الأعداء الخارجيين. تم تسليط الضوء على الفجوات بين الحريديم والعلمانيين، بين المركز والأطراف، بين ملوك المال والمليونيرات الكادحين في “أمة الشركات الناشئة” والطبقة الوسطى الراكدة.

شكّل صيف 2014 تذكيراً إلى جانب دقه ناقوس الخطر، حيث كشف النقاب عن هشاشة العلاقة بين العرب واليهود. في الوقت الراهن، ربما دُوِّنت القضية على هامش الأجندة العامة المزدحمة دوماً بغيرها من القضايا، إلا أنها بقيت دون إجابة. يمكن لأصداء التحريض الصيفية أن تؤرق المجتمع، كما يمكن أن تشتعل جذور الغضب من جديد.

user placeholder
written by
Vincent Barnhard
المزيد Vincent Barnhard articles