وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في البلدان التي مزقتها الحرب، تزايد حالات زواج الأطفال

Specials- Child marriage
طفل يمني يحمل بندقية هجومية على كتفه يلتقط صورة جماعية مع عرسان آخرين يرتدون الزي التقليدي ويحملون أسلحة نارية أثناء حضورهم حفل زفاف جماعي في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون في 24 يناير 2019. Photo AFP

لا يعتبر زواج الأطفال، وهو زواج الأطفال دون السن القانونية، وغالباً الفتيات، ظاهرةً جديدة، إلا أنه يتخذ منعطفاً خطيراً نحو الأسوأ لضحايا البلدان التي تواجه الحرب والفقر المدقع. فإلى جانب الأضرار القصيرة المدى التي تلحق بالعروس أو العريس القاصرين، يسبب زواج الأطفال أيضاً معاناةً طويلة الأجل، بما في ذلك الاغتصاب والحمل غير المرغوب فيه والافتقار إلى التعليم واستمرار الفقر في الأسرة.

فقد نشرت شراكة المنظمات المتعددة “فتيات لا عرائس” (Girls Not Brides)، وهي شبكة عالمية من المنظمات التي تعمل على إنهاء زواج الأطفال في جميع أنحاء العالم، في عام 2018 نتائج دراسةٍ عن زواج الأطفال في سوريا، البلد الذي دمرته الحرب منذ عام 2011. وعلى الرغم من أن 13% من النساء السوريات اللائي تتراوح أعمارهن بين 20 و25 عاماً كن متزوجاتٍ قبل بلوغهن سن 18 عاماً حتى قبل بدء النزاع، كشفت الدراسة أن زواج الأطفال يمثل مشكلةً متنامية للفتيات السوريات في مجتمعات اللاجئين في الأردن ولبنان والعراق وتركيا. ففي الأردن، على سبيل المثال، تظهر الأرقام زيادةً بمرور الوقت، من 12% من الزيجات المسجلة التي تضمنت فتاةً يقل عمرها عن 18 عام 2011 إلى 18% في عام 2012، و25% في عام 2013 و32% في أوائل عام 2014. أما في لبنان، فإن 41% من الشابات السوريات النازحات كن متزوجات قبل بلوغهن سن الـ18 عاماً، وبالنظر إلى أن العديد من الزيجات لم يتم تسجيلها، لربما تكون هذه الأرقام أعلى في الواقع.

تؤكد الدراسة على أن الآباء والأمهات، من خلال تزويجهم بناتهم في سنٍ مبكر، لا يفعلون ذلك بدافع القسوة، بل خوفاً من عدم قدرتهم على توفير حياة كريمة لهم وحمايتهم، معتقدين أن الزواج قد يحمي بناتهم من الأذى فضلاً عن كونه أيضاً يوفر لهن مستوى من الاستقرار المالي. ومع ذلك، فإن ما يحدث في كثيرٍ من الأحيان هو أن الفتيات الصغيرات يواجهن العديد من المصاعب بالزواج المبكر، بما في ذلك المضاعفات أثناء الحمل والولادة والعنف ومحدودية الفرص التعليمية والاقتصادية، فضلاً عن تمتعهنّ بحريةٍ أقل وعدم القدرة على التواصل مع أقرانهم من الأطفال. ومن المحتمل أن تؤثر هذه العواقب سلباً على جيلٍ كامل من الشباب السوريين الذين، نظراً لكونهم من سيعيدون بناء بلدهم في المستقبل، قد يميلون إلى تطبيع نظامٍ اجتماعي يسمح بزواج الأطفال والعنف الأسري.

وبحسب ما قالته هيذر بار، المدير المشارك لقسم حقوق المرأة في المنظمة الدولية هيومن رايتس ووتش، لنا في فَنَك: “من الصعب في كثيرٍ من الأحيان جمع بياناتٍ دقيقة عن زواج الأطفال، حتى في أوقات السلم، بسبب الفجوات في البيانات أو إخفاء زواج الأطفال بسبب عدم قانونيته.” وأضافت، “في سياق النزاع القائم في هذه البلدان الثلاثة، يعد جمع البيانات الدقيقة أكثر صعوبة. لكن شراكة ‘فتيات لا عرائس‘ وثقت زيادةً في عدد حالات زواج الأطفال بين الفتيات السوريات النازحات بسبب النزاع، كما تتوفر جميع الأسباب للإعتقاد بأن هذا النمط ينطبق أيضاً على اليمن وليبيا.”

Legal Marriage Age in the MENA AR 1024
المصدر: Wikipedia and U.S. Department of State - Country Reports on Human Rights Practices. اضغط للتكبير. @Fanack.com ©Fanack CC BY 4.0

كما كشفت بعض الأبحاث التي شاركت فيها بار في هيومن رايتس ووتش أن النزاعات وانعدام الأمن، فضلاً عن الأزمات الأخرى مثل الكوارث الطبيعية، يمكن أن تزيد من خطر زواج الأطفال، وبحسب قولها، “خلال الأزمة، قد يكافح الآباء لإطعام وحماية أطفالهم. قد يرون في تزويج بناتهن – في وقتٍ أبكر مما عليه الأمر في وقت السلم- وسيلةً للتخفيف من عبئها وجعل رعاية الأطفال الباقين أكثر جدوى.” وتابعت القول، “قد ينظرون إلى الزواج، على نحو خاطىء، على أنه وسيلةٌ لحماية الابنة من المخاطر المرتبطة بالنزاع، بما في ذلك خطر العنف الجنسي. ببساطة، قد يكونوا متوترين وغير قادرين على تحمّل الأمر. وفي الثقافات التي ينطوي فيها الزواج على المال، مثل دفع المهر أو ‘ثمن للعروس،‘ قد يوفر زواج الأطفال لأولياء الأمور الذين أثقلهم النزاع مكسباً مالياً أو فرصةً لتجنب دفع المهر. يعتقد الكثير من أولياء الأمور، في مواجهة الخيارات الرهيبة التي يفرضها النزاع، أن الترتيب السريع لزواج ابنتهم هو الخيار الوحيد أو الأفضل لمحاولة حمايتها وبقية أفراد الأسرة.”

من الجدير بالذكر أيضاً إن زواج الأطفال موجود خارج مناطق النزاعات أيضاً، بما في ذلك في البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لكن زواج الأطفال يحدث أكثر في البلدان الفقيرة غير المستقرة مثل النيجر وتشاد وبنجلاديش، في حين أن البلدان التي تعاني من الحرب ينخفض فيها المعدل عن 30%. وكما قالت لنا بار، “نحن نعلم أنه عندما تعاني الأسر من ضغوطٍ كبيرة بسبب عوامل مثل النزاع، يمكن أن يصبح زواج الأطفال آليةً للتكيف، خاصة في بيئةكان يتم فيها بالفعل زواج الأطفال.” وأضافت، “لهذا السبب فإن الصراع أو الأزمات الأخرى تجلب خطراً جدياً بزيادة معدلات زواج الأطفال.”

ووفقاً لهيومن رايتس ووتش، تتشابه قصص زواج الأطفال بشكلٍ ملحوظ من دولةٍ إلى أخرى، مع وجود حوافز مثل الأدوار التمييزية بين الجنسين، بما في ذلك التوقع في بعض الثقافات بأن الأبناء هم سند أبائهم في سن الشيخوخة بينما “تنتمي” الفتيات إلى عائلة الزوج؛ والافتقار إلى التعليم، الأمر الذي يدفع الفتيات إلى الخروج من المدرسة ويزيد من خطر زواجهن بسن مبكر؛ والفقر، بما في ذلك انعدام الأمن الغذائي؛ والجهود المبذولة للسيطرة على الحياة الجنسية للفتيات والإفتقار إلى التثقيف الجنسي الشامل ووسائل منع الحمل والإجهاض؛ والحوافز المالية، المدفوعة بممارسات المهر؛ والضغوط الاجتماعية.

لمواجهة هذا الوضع، دعت المنظمات الدولية مثل اليونيسف، علناً، إلى ضرورة مساعدة الأطفال، لا سيما بسبب “النزاعات في الجمهورية العربية السورية واليمن وتقلب الأوضاع في ليبيا وتزايد العنف في فلسطين، مما يعرض الأطفال لمخاطر شديدة، بما في ذلك الموت والتعرض للإصابة والنزوح، وكذلك التجنيد القسري في الجماعات المسلحة والزواج المبكر.” وفي اليمن على وجه التحديد، قالت منظمة العفو الدولية إن “النزاع الذي طال أمده أدى إلى تفاقم التمييز ضد النساء والفتيات وتركهن يتمتعن بحمايةٍ أقل من العنف الجنسي وغيره من أشكال العنف، بما في ذلك الزواج القسري.” ونشرت مجلة The New Humanitarian العديد من الشهادات حول زواج الأطفال في اليمن، بما في ذلك شهادة صفاء، التي تزوجت في سن الرابعة عشرة من عمرها، حيث قالت: “من المفترض أن تحتفل العروس بيوم زفافها، لكني كنت أبكي عندما اضطررت إلى مغادرة غرفة أمي، لأني علمت أني لن أستطيع تحقيق أحلامي. سيكون مستقبلي بين يدي زوجي وليس ملكي.”

لا يمكن إيجاد حلٍ لإنهاء هذه الظاهرة بالسرعة الكافية لإنقاذ الآلاف من الفتيات من مصيرٍ مؤسف. ومع ذلك، تتم معالجة هذا الموضوع حالياً من خلال أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حيث التزمت البلدان بهدف إنهاء جميع زواج الأطفال بحلول عام 2030. وكما تقول بار، “تعمل العديد من المنظمات، بما فيها تلك الموجودة في شبكة فتيات لا عرائس، على أرض الواقع، في كل دولة على حدة، لحث ومساعدة الحكومات على تحقيق هذا الهدف.” وأضافت، “كانت ردود فعل الحكومات متنوعة، فقد اتخذ البعض خطواتٍ مهمة، مثل إصلاح قوانينهم لجعل سن الزواج يتماشى مع القانون الدولي (الذي ينص على أن سن الزواج يجب أن يكون 18، دون استثناء)؛ بينما وضع آخرون خطط عملٍ وطنية لكيفية تحقيق هدف 2030. إلا أن بعض الحكومات كانت بطيئةً للغاية في منح الأولوية لهذه القضية أو تجاهلتها أو حتى صدت جهود الإصلاح. ففي البلدان التي تعاني صراعاً، قد يكون من الصعب على نحوٍ خاص إجبار الحكومات على الاهتمام بضرورة إنهاء زواج الأطفال.”

ففي البلدان التي تغمرها التحديات، مثل الحروب التي لا تدخر أي مدني، يمكن أن تبدو مكافحة زواج الأطفال للزعماء السياسيين مضيعةً للوقت والجهد بغض النظر عن الطرف الذي يمثلونه؛ خاصة عندما يحتاج البلد بأكمله إلى إعادة إعمارٍ واستقرار. لكن بدون حقوقٍ متساوية للفتيات والنساء وبيئةٍ أكثر أمناً للأطفال، لن يكون المستقبل مشرقاً لأي بلدٍ يسمح بزواج الأطفال.