وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في لبنان، قوة المسيحيين السياسية لا تزال حاضرة

Michel-Aoun-his-wife-Nadia-Al-Chami-and- Ministe-Saad Hariri
رئيس لبنان ميشال عون (وسط)، زوجته نادية الشامي (يمين) ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري (يسار) يحضرون قداس في عيد القديس مارون في الكنيسة المارونية في بيروت، لبنان، 9 فبراير 2017. Photo Furkan Guldemir / Anadolu Agency

يبقى المسيحيون في لبنان أقليةً كبيرة وقوية سياسياً، مقارنةً بأماكن أخرى في الشرق الأوسط. فهم يشكلون تقريباً ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 4,4 مليون نسمة، كما أنّ الرئيس اللبناني ميشال عون، الرئيس المسيحي الوحيد في دول المنطقة.

ففي بعض المناطق، ازداد التكامل بين المسلمين والمسيحيين في السنوات الأخيرة، وبدأ الجيل الجديد بنسيان انعدام الثقة الذي خلفته الحرب الأهلية اللبنانية، التي انتهت عام 1990. ومع ذلك، في أماكن أخرى من البلاد، لا تزال الجماعات الدينية معزولةً وتثيرها الريبة من بعضها البعض، إذ تشعر بعض قطاعات المجتمع المسيحي اللبناني بالتهديد إزاء تنامي عدد السكان المسلمين، سيما بعد تدفق أكثر من مليون ونصف مليون لاجىء سوري إلى البلاد، غالبيتهم من المسلمين السُنّة.

لا توجد بيانات ديموغرافية دقيقة لمختلف الطوائف الدينية في لبنان، حيث أن البلاد لم تُجري أي إحصاءٍ رسمي منذ عام 1932. وفي ذلك الوقت، كان المسيحيون يشكلون أكثر بقليل من نصف السكان، على الرغم من أن بعض المحللين قد اقترحوا أن هذا الرقم مبالغٌ به، نتيجةً للمنهجية المتبعة في تحديد أي السكان يتم إحصائهم.

وتُشير التقديرات في الآونة الأخيرة أنّ مختلف الطوائف المسيحية يُشكلون ما نسبته 34% من السكان، حيث أن المسيحيين الموارنة، التابعين للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، الأكبر والأقوى سياسياً. في حين يشكل الروم الأرثوذكس ثاني أكبر طائفة مسيحية في لبنان، كما أن هناك أعداد أقل من الطوائف الأخرى، بما في ذلك الأرمن الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والأرمن الكاثوليك، والسريان الأرثوذكس، والسريان الكاثوليك والبروتستانت.

إن قضية التعداد السكاني مشحونة سياسياً، ذلك أن لبنان يُقسّم مناصبه السياسية الرئيسية على أساس الدين، ويمكن أن يؤدي التغيير في الأرقام الرسمية إلى دعواتٍ لتغيير هذه الصيغة. فوفقاً للدستور اللبناني، الذي يقسم المناصب السياسية على أساس الطائفة في اتفاقٍ طويل الأمد لتقاسم السلطة، يجب أن يكون الرئيس مسيحي ماروني، في حين يجب أن يكون رئيس الوزراء مسلم سُني ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي.

وقبل الحرب الأهلية، التي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990، تم تخصيص ستة مناصب قيادية للمسيحين في الحكومة مقابل كل خمسة للمسلمين. وفي ظل اتفاق الطائف الذي وضع نهايةً للحرب، تم تعديل الصيغة إلى ما نسبته 50-50، وتحجيم صلاحيات الرئيس الماروني.
وفي الآونة الأخيرة، ظل منصب الرئاسة المخصص لمسيحي شاغراً لأكثر من عامين في ظل الصراع السياسي، حيث انتهى الجمود بانتخاب العماد ميشال عون في 31 أكتوبر 2016.

فعون جنرالٌ سابق في الجيش اللبناني، قاد المقاومة ضد الاحتلال السوري للبنان خلال الحرب الأهلية، وتم نفيه إلى فرنسا من عام 1990 وحتى عام 2005، عندما انسحب سوريا من لبنان.

قام عون، ممهداً الطريق لانتخابه، بإجراء مصالحةٍ مع منافسه السياسي المسيحي الماروني، سمير جعجع. فلطالما كان الإثنان على خصومة طويلة الأمد، تعود في تاريخها إلى الحرب الأهلية، وكانا على طرفيّ نقيضٍ في الإنقسام السياسي حول الصراع الأخير في سوريا. فقد كان عون منحازاً لتجمع 8 آذار المؤيد للأسد، في حان كان جعجع موالياً لتجمع 14 آذار المعارض. وفي خطوةٍ مفاجئة، أيدّ جعجع ترشيح عون للرئاسة في يناير 2016، بعد خلافه مع السياسي السُني، سعد الحريري، الذي أيدّ ترشح سياسي ماروني ثالث للرئاسة، سليمان فرنجية. وفي نهاية المطاف، عقد الحريري اتفاقاً مع عون، وافق بموجبه الحريري على تأييد ترشيح عون للرئاسة مقابل حصوله على منصب رئيس الوزراء.

أدى التقارب بين عون وجعجع، وتأييد جعجع في نهاية المطاف تولي عون منصب الرئاسية، إلى عودة بصيص الأمل لمجتمعٍ مسيحي أكثر تماسكاً في لبنان، والذي يمكن أنّ يساعد في تعزيز سلطتهم السياسية.

وفي الوقت نفسه، حوّلت الحرب في سوريا التحالفات بين الطوائف إلى خارج الساحة السياسية كذلك. ففي بعض المناطق القريبة من الحدود السورية، حيث كانت المدن المسيحية هدفاً لغارات تنظيم الدولة الإسلامية، تعاون المسيحيون مع حزب الله الشيعي المدعوم من إيران لتشكيل فرق الحماية.

ففي مناطق بيروت ولبنان ككل، يعيش المسيحيون والمسلمون جنباً إلى جنب، إلا أنّ الأحياء والقرى الأخرى تبقى معزولةً إلى حدٍ كبير. فبعد أكثر من عقدين على إنتهاء الحرب الأهلية، لا تزال بيروت الشرقية ذات أغلبية مسيحية، بينما يُسيطر المسلمون بشكلٍ رئيسي على غربها.

وقد أعرب العديد من المسيحيين اللبنانيين عن قلقهم إزاء تتضاءل أعدادهم وتآكل سلطتهم السياسية، بسبب هجرة أعداد كبيرة من المسيحيين إلى الخارج. وفي بعض الأوساط، تجلى هذا القلق في الجهود المبذولة للتخطيط لمشاريع إسكانية مخصصة حصراً للمسيحين أو منع المسيحيين من بيع أراضيهم للمسلمين. وتقوم منظمة غير حكومية تُدعى “لابورا” بإيجاد وظائف للماورنة في لبنان لمنعهم من الهجرة.

كما أثار تدفق اللاجئين السوريين المسلمين السُنة، في المقام الأول، بعض المخاوف لدى المسيحيين. فقد دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي لإعادة اللاجئين إلى “مناطق آمنة” داخل سوريا. وفي رسالته بمناسبة عيد الميلاد العام الماضي وصفهم بأنهم يشكلون تهديداً للأمن القومي في لبنان، على الرغم من أنه لم يفصح أن الدين هو السبب.

في حين ذهب جورج صليبا، مطران السريان الأرثوذكس في جبل لبنان وطرابلس، أبعد من ذلك، متهماً المسلمين بأنهم “أعداء المسيح،” وقوله بأن قتل المسيحيين في العراق كان “عادياً بالنسبة للمسلمين، لأنهم لم يعاملوا المسيحيين بشكل جيد قط.”

كان هناك أيضاً مساعٍ من بعض الأطراف المسيحية لتغيير القانون الانتخابي في لبنان، بحيث يصوت المواطنون فقط للمرشحين من دينهم، بدلاً من النظام الحالي، الذي يخصص مناصب محددة لبعض الطوائف، إلا أنه يتم اختيار المرشحين من قبل الأفراد من جميع الأديان.

ومع ذلك، فإن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، وفقاً لبعض المقاييس، أفضل من أي مكانٍ آخر في الشرق الأوسط.
ووفقاً لدراسة أجراها مركز بيو للدراسات عام 2013 شملت المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وجدت الدراسة على سبيل المثال، أنه في حين وصف 50% من المسلمين المستطلعين في مصر أن المسيحين معادين بشكلٍ عام للمسلمين، فإن 27% من المسلمين المستطلعين في لبنان شاركوهم نفس الشعور. وفي الوقت نفسه، فإن 35% من المصريين المسلمين المستطلعين قالوا أنّ المسلمين معادين تجاه المسيحين، فإن 27% فقط من اللبنانيين المسلمين المستطلعين اتفقوا مع ذلك.