وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قضية المثلية الجنسية تغيّر المجتمع المغربي

Specials- Femen movement
شرطة مغربية سرية تعتقل إحدى الناشطات من حركة “فيمن” أثناء تظاهرها أمام المحكمة في مدينة بني ملال وسط البلاد في 11 أبريل 2016 ، خلال جلسة استماع جديدةٍ في محاكمة رجل متهمٍ بالمثلية الجنسية. Photo AFP

المثلية الجنسية، التي لطالما كانت من المحرمات في المغرب، باتت تبرز إلى العلن على نحوٍ متزايد. فقد أصبح عددٌ من النشطاء والأكاديميين يتطرقون إليها من وجهات نظرٍ مختلفة، بالرغم من أن الجميع لا يحبذون مناقشتها علناً.

وتنص الماد 489 من قانون العقوبات المغربي على أن “كل مجامعة على خلاف الطبيعة” تعتبر جريمة، وتتراوح عقوبتها بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة مالية ما بين 120 إلى 1,200 درهم (13-130 دولار).

ومع ذلك، تزايد تدخل المجتمع المدني للدفاع عن حقوق المثليين. ففي الأول من يونيو 2004، ألقت الشرطة المغربية القبض على 43 شخصاً في مدينة تطوان واستخدامت المادة 489 لتوجيه تهمٍ لهم بـ”المشاركة في نشاط مثليّ.” رداً على ذلك، أطلق مجتمع المثليين المغاربة حملةً دولية على الإنترنت تطالب بالإفراج عنهم، وعليه، تم إرسال آلاف الرسائل إلى وسائل الإعلام الغربية والسفارات الأجنبية في المغرب. ولتنسيق أنشطتهم، تأسست جمعية كيفكيف عام 2005، التي كانت بدايةً منتدى لمجتمع الميم من المغاربة على الإنترنت. وفي بداية عام 2006، بدأ متطوعوا كيفكيف القتال للإعتراف بجمعيتهم قانونياً كجمعية تناضل من أجل حقوق المثليين جنسياً في المغرب. ولعدم قدرتهم على تحقيق ذلك، تم تسجيل الجمعية في إسبانيا عام 2008.

ومنذ عام 2008، أنشأت كيفكيف العديد من جماعات الدعم خارج المغرب، لتعمل يداً بيد مع جمعيات المثليين المحلية. وفي أبريل 2010، أطلقت مجلة “مثلي،” وهي أول مجلة مغربية تعنى بشؤون مجتمع المثليين في المغرب. تم توزيع 200 نسخة من العدد الأول، التي نشرت مطبوعة وعلى الإنترنت، سراً.

وفي مايو 2010، أنشأ نشطاء كيفكيف ما أطلق عليه منا وفينا، وهي مجموعة فرعية للنساء المثليات وثنائيات الجنس والمتحولات تهدف إلى حماية هؤلاء النساء في المغرب ومساعدتهن على تأكيد وجودهن داخل مجتمع المثليين.

وفي 10 ديسمبر 2007، غرمت محكمة القصر الكبير، وهي مدينة صغيرة تبعد عن طنجة 120 كيلومتراً، ستة رجال لانتهاكهم المادة 489. ووفقاً لمحامي المتهمين، لم يتمكن الإدعاء تقديم أي دليلٍ على السلوك غير القانوني.

وبعد أسبوع، ألقي القبض على الرجال، بعد أن انتشر فيديو على الإنترنت يظهرهم في حفلٍ خاص. وذكرت وسائل الإعلام أنه كان حفل زفافٍ لمثليين. وبعد الإعتقال، تظاهر مئات النساء والرجال في شوارع القصر الكبير، حيث شجبوا أفعالهم هذه وطالبوا بمعاقبتهم.

وفي 14 مايو 2014، حكمت محكمة في مدينة الفقيه بن صالح، في وسط المغرب، على 6 أشخاص بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات. فقد تم اعتقالهم بعد شكوى تقدم بها والد أحدهم، الذي اتهم الرجال الخمسة الآخرين بـ”تحريض” ابنه على “ممارسة الشذوذ.” وتحت ضغطٍ دولي، خفضت الأحكام الصادرة بحقهم وتم إطلاق سراحهم على الفور لتتم “معالجتهم” بوصفهم “ضحايا للمجتمع.”

وفي 18 سبتمبر 2014،، وبينما كان يقف في محطةٍ للحافلات مع رجل مغربي التقى به عبر الإنترنت، ألقت الشرطة القبض على راي كول، وهو بريطاني يبلغ من العمر 69 عاماً. وباستخدام الصور على هواتف الرجلين كدليل، وجهت إليهم الشرطة تهمة “المثلية الجنسية.” ولم يتم إخطار القنصلية البريطانية ولا حتى أسرة كول باعتقاله حتى الرابع من أكتوبر، عندما تمكن من استخدام هاتف سجين آخر للاتصال بمنزله. تم حشد وسائل الإعلام البريطانية فضلاً عن النواب البريطانيين، ليتم إطلاق سراح كول، الذي كان يقضي حكماً بالسجن لمدة 4 أشهر بعد محاكمة غير عادلة، في 7 أكتوبر وسمح له بالعودة إلى المملكة المتحدة في انتظار الاستئناف. ولم يتم إطلاق سراح الرجل المغربي الذي كان برفقته، رغم الحملة المستمرة.

Specials- Homosexuality Morocco
محتجون مغاربة يعيشون في أحد الأحياء حيث ألقي القبض على رجلين تعرضا للضرب بعد اتهامها المزعوم بالمثلية الجنسية، يتظاهرون خارج المحكمة في مدينة بني ملال وسط البلاد، ضد المثلية الجنسية ودعماً لأسر الأفراد الذين يحاكمون في إطار الاعتداء. 4 أبريل 2016. Photo AFP

وفي مارس 2016، صدم اعتداءٌ من قبلي كارهي المثلية في مدينة بني ملال، البلاد برمتها. فقد أظهر الفيديو الذي تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي رجلين عاريين، وجوههما متورمة وتنزف، أثناء تعرضهما لضربٍ وحشي على يد مجموعة من الشباب في شقتهما الخاصة. تم سجن الضحايا لكونهم مثليين، قبل أن يطلق سراحهم بعد 26 يوماً. كما حُكم على اثنين من المهاجمين بالسجن لمدة تتراوح ما بين 4-6 أشهر، بينما أُفرج عن اثنين آخرين.

وفي 27 أكتوبر 2017، ألقي القبض على فتاتين، واحدة عمرها 16 عاماً والأخرى 17 عاماً، لتبادلهما القبل في أحد المنازل في مقاطعة الحي المحمدي في مراكش، وذلك وفقاً لمجلة Tel Quel. اتصلت عائلاتهم بالشرطة، ليكتشفوا نقل الفتاتين إلى سجن بولمهراز، وهو سجن للبالغين بدلاً من نقلهما إلى مركز للأحداث.

وبالرغم مما يبدو أنه حملةً مستمرة ضد مجتمع المثليين في المغرب من قِبل قوات الأمن والقضاء، يمكن القول أنه بصورةٍ أعم، ظهر معسكران حول كيفية النظر إلى ومناقشة قضية المثلية الجنسية. فأولئك الذين يقبلون المثلية الجنسية يدعون، بشكلٍ عام، إلى احترام حقوق الإنسان العالمية؛ بينما يعتبرها أولئك الذين يرفضون المثلية الجنسية تهديداً للمجتمع المغربي. وبين هذين المعسكرين، تواجه الدولة المغربية التحدي المتمثل في الوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي مع الحفاظ على القيم المشتركة التي تضمن التماسك الاجتماعي بين مواطنيها.

ومع ذلك، في نفس الوقت الذي يشهد فيه المجتمع المغربي تغيراتٍ، ويعود ذلك جزئياً إلى وسائل الإعلام الرقمية والاجتماعية وتأثير ذلك على مجموعات الاتصال، بما في ذلك الأقليات، فإن اعتراف المرء علناً، حتى في جميع أنحاء العالم، بكونه مثلي الجنس في بلاده خيارٌ يقتصر على عددٍ قليلٍ فحسب. ففي مدينة مليلة، الجيب الإسباني في المغرب والتي أصبحت بوابةً للاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، يُطالب المثليون باللجوء السياسي، لأنهم بحسب ما يقولون، يتعرضون للاضطهاد في بلدهم. ووفقاً لسعيد بنيس، بروفيسور علم الاجتماع في جامعة الرباط، يستخدم بعض المغاربة المثلية الجنسية كذريعةٍ للحصول على اللجوء السياسي. ولهذا السبب يتوجب على السياسيين والأكاديميين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني الترويج لنقاشٍ مفتوح حول المثلية الجنسية والمساعدة في كسر المحرمات المحيطة بها والتي تدفع الناس بالهروب إلى الخارج.