وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في السعودية: الرقص مسموح والمعارضة ممنوعة

الرقص مسموح والمعارضة ممنوعة
صورة تم التقاطها يوم ١٣ ديسمبر ٢٠٢١ لمحمد تركي، رئيس لجنة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وهو يرحّب بالعارضة البريطانية نعومي كامبل فوق البساط الأحمر، وذلك على هامش فعاليات حفل اختتام النسخة الأولى من المهرجان الذي جرت فعالياته في مدينة جدّة السعودية. وبعد مرور أربع سنوات على رفع الحظر عن دور السينما، استقبلت مدينة جدة الواقعة على ساحل البحر الأحمر النجوم القادمين للمشاركة في أول مهرجان سينمائي ضخم تنظمه المملكة. المصدر: PATRICK BAZ / Red Sea Film Festival.

نشر الصحفي المعروف جيمس دورسي مقالة على موقعه الخاص تناول فيها سياسة التحرر التي دشنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وردود الأفعال المحافظة تجاهها. ويقوم دورسي، وهو باحثٌ بارز في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، بتناول مدى نجاح ولي العهد السعودي في تنفيذ رؤيته للمملكة وسط ما يتم شنه من حملات قمع ضد المعارضين وحرية التعبير.

ويبدأ دورسي مقالته بالإشارة إلى حدود التحرر الاجتماعي في السعودية، رابطاً هذه الحدود بمشاركة ثلاثة من راقصات السامبا في وقتٍ سابق من هذا العام في شوارع جازان، وهي مدينة محافظة تاريخياً على حدود المملكة مع اليمن. وقامت الراقصات بالرقص في شوارع المدينة وهنّ يرتدين ملابس كاشفة لأجسادهنّ وعلى رؤوسهنّ أغطية رأس تقليدية من الريش.

وعلى هامش المشاركة في فعاليات مهرجان شتاء جازان، ارتدت الراقصات ريشاً أزرق اللون، وترك أرجلهن وأذرعهن وبطونهن مكشوفة في تناقض صارخ مع الجلباب الأسود التقليدي الذي ترتديه النساء السعوديات في كثير من الأحيان في الأماكن العامة.

في مواجهة رد الفعل المحافظ، تعهد أمير جازان محمد بن ناصر باتخاذ “الإجراءات اللازمة لمنع جميع الانتهاكات (المستقبلية)”. ولم يتضح ما هي الخطوات التي قد يتخذها بن ناصر، لكن رده أقر بأن الوتيرة السريعة للتغيير قد تكون سريعةً جدًا بالنسبة للبعض في المملكة.

ومن المؤكد أن ملابس الراقصات تجاوزت الأعراف المحررة التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بشكل غير رسمي، والتي لم تعد تطلب من النساء تغطية أنفسهن في الأماكن العامة من الرأس إلى القدمين بزي أسود اللون عديم الشكل.

وجاءت الانتقادات لمظهر الراقصات بعد تصاعد حاد في حوادث التحرش الجنسي خلال مهرجان موسيقي في ديسمبر رغم محاولة المنظمين التحذير بشأنه على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويعد الراقصون والمهرجان جزءاً من انتشار الأحداث الثقافية في السعودية، التي تتضمن تغيير اجتماعي على نطاق واسع، والتي ساعدت في إنشاء قطاع ترفيهي على النمط الغربي في المملكة التي كانت ذات يوم شديدة المحافظة اجتماعياً. ويعد الترفيه أحد ركائز خطة رؤية 2030 لبن سلمان لتغيير المجتمع السعودي، وذلك في إطار المحاولات الرامية إلى تنويع اقتصاد المملكة المعتمد على تصدير النفط.

وإلى جانب تقديم نمط الترفيه الغربي وأعراف الملابس المتحررة، تضمن التغيير الاجتماعي أيضاً رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة، والتوسع في الفرص المهنية المتاحة للمرأة، وتخفيف القيود على الاختلاط بين الجنسين.

ومع ذلك، فقد سار التحرر الاجتماعي جنباً إلى جنب مع قمع متزايد للمعارضة وحرية التعبير وجهود مكثفة لوضع القومية بدلاً من الدين في صميم الهوية السعودية.

وفي الوقت الذي يقبع فيه العديد من المثقفين ورجال الدين والمدونين والنشطاء وراء القضبان، فقد حذرت السعودية الشهر الماضي أي شخص من نشر شائعاتلا أساس لها”  من الصحة على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك تحت طائلة التهديد بعقوبة تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات وغرامة كبيرة.

جاء التحذير بعد نفي رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، المقرب من بن سلمان، تقارير عن التحرش بالنساء في طريق عودتهن من حفل موسيقي أُلغي في أوائل يناير 2022.

يأتي ذلك في الوقت الذي أعدمت فيه السعودية مؤخراً 84 شخصاً، كثير منهم نشطاء شيعيون، في أكبر عملية إعدام جماعي شهدتها المملكة في التاريخ الحديث.

وجاء تنفيذ قرارات الإعدام في نفس الأسبوع الذي زار فيه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون السعودية. وأظهرت الزيارة استعداد الغرب لرفع المقاطعة غير الرسمية لـ بن سلمان مقابل زيادة إنتاج النفط السعودي لخفض أسعار النفط العالمية التي ارتفعت مؤخراً بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وكانت هذه المقاطعة قد حصلت في أعقاب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018.

وتأتي حملة القمع ضد المعارضة وحرية التعبير في الوقت الذي أصدر فيه والد محمد بن سلمان، الملك سلمان، مرسوماً يقضي باحتفال السعودية بتأسيسها في 22 فبراير.

ويحيي هذا التاريخ ذكرى محاولة تأسيس الإمام محمد بن سعود دولة سعودية في القرن الثامن عشر. وأحبط العثمانيون هذه المحاولة.

كما أمرت الحكومة المطاعم والمقاهي بإعادة تسمية “القهوة العربية” إلى “القهوة السعودية”.

وجرى تصميم جهود الحكومة، جزئياً على الأقل، للتخفيف من تأثير التغيير الاجتماعي السريع الذي يثير القلق بين بعض المحافظين وأولئك الذين يخشون تخلفهم عن الركب.

وفي دراسة نُشرت مؤخرًا، قال مارك تومسون: “في الوقت الذي تحظى فيه الرؤية بدعمٍ واسع، فإن هناك مخاوف بشأن وتيرة التغيير، فضلاً عن التصور بأنه هناك تركيز مفرط على مصالح النخبة حتى الآن”. وتومسون هو عالم اجتماع مقيم في السعودية، وقد تابع منذ فترة طويلة تطور مواقف الشباب السعودي تجاه رؤية بن سلمان.

وأضاف تومسون: “إن أهمية سرديتي الهوية الأساسيتين في السعودية، وهما الإسلام والعائلة، قد تغيرت بشكل تدريجي بغض النظر عن تحولات ما بعد 2030”.

لا يشير أي من هذا إلى أن إصلاحات بن سلمان لا تحظى بشعبية. على العكس من ذلك، حتى لو أشار تومسون إلى أن المخاوف بشأن وتيرة التغيير لا تقتصر على الجيل الأكبر سناً أو أقلية شديدة المحافظة أو مجموعة مهمشة.

وبصفةٍ عامة، فقد خلص تومسون إلى أن خطة ولي العهد لتحرير المجتمع من القيود القاسية لتفسير المملكة المتشدد والمحافظ للإسلام قد عززت معنويات الشباب، وتوقعاتهم، وطموحاتهم.

كما أنه عزز من حالة الفخر الوطني التي يسعى بن سلمان وآل الشيخ إلى الترويج لها.

وحذر تومسون قائلاً: “يكمن الخطر في أن التحولات المتعلقة بالرؤية قد تكون ضعيفة في مواجهة قيم تقليدية أقوى بكثير. وبالتالي، قد تتلاشى التغييرات الاجتماعية السريعة بنفس السرعة بالضبط لأنها لم تصبح متجذرة بعمق داخل المجتمع السعودي”.

ووسط التغيير السريع والتصريحات التي لا نهاية لها على ما يبدو عن المشاريع المستقبلية الضخمة، قالت امرأة شابة لتومسون إن كل شيء “أصبح ضبابياً” لدرجة أنها لم تعد تتعرف على البلد الذي نشأت فيه. وقالت المرأة إنها تجاهد بعناء لإعداد أطفالها للتعامل مع “عالم قليل أو معدوم الوضوح”.

وحذر عالم الاجتماع من أن معظم المراقبين الأجانب للشأن السعودي قد أسسوا تحليلاتهم واستنتاجاتهم على التفاعلات مع أعضاء النخبة السعودية الذين سيكونون أكبر الخاسرين إذا تعثر التغيير الاجتماعي.

ونقل تومسون عن مستشار سعودي تلقى تعليمه في الغرب قوله إن معظم السعوديين “لن يتأثروا بشكل كبير” إذا فشل قطاع الترفيه.

وتعني حقيقة أن النخب السعودية هي أكبر المستفيدين من إصلاحات بن سلمان أن معظم السعوديين، المهتمين بشكل أساسي بالوظائف، وتكلفة المعيشة، والإسكان ميسور التكلفة، والرعاية الصحية، يستفيدون في أحسن الأحوال جزئياً فقط. وللاستفادة بشكل أكبر، يجب أن يكون لديهم ما تمتلكه النخبة: الواسطة أو النفوذ والعلاقات.

ويكمن الخطر بالنسبة لبن سلمان في أن تزيد الإصلاحات من فجوة الدخل المتسعة بالفعل في المملكة، وهو ما سيلقي بمزيد من الشك على نزاهة حملة ولي العهد لمكافحة الفساد، وسيقوض الدعم الواسع لرؤيته.

وتشعر الشركات الصغيرة والمتوسطة وموظفوها أنهم غالباً مستبعدون من المشاركة في المشاريع المتعلقة بالرؤية التي تفضل شركات كبيرة تعود ملكيتها للعائلات المعروفة. وعلى هذا النحو، ينتهي الأمر بالشباب السعودي، الذين هم أقل حظاً في الخلفيات الأسرية والتعليم، للعمل كسائقين عندما يهاجرون من المحافظات إلى المدن.

وفي موجة نادرة من الاحتجاجات في وقت سابق من هذا العام، عبّر سكان الأحياء، التي سويت مؤخراً بالأرض لتوفير مساحة لتطوير مشروع بمليارات الدولارات في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر، عن غضبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

واشتكى السكان من أنهم لم يتلقوا تحذيرات أو تعويضات كافية عندما هُدمت منازلهم وأحيائهم. وشعروا بغضب أكثر من محاولات الحكومة لشيطنتهم كتجار مخدرات ومجرمين وعاهرات ومعاملتهم بدونية كحي فقير يحتاج إلى إعادة تطوير.

ويحظى بن سلمان حالياً بزخم يدعمه للمضي قدماً في تنفيذ خطته. وبصفةٍ عامة، يبدو أن السعوديين قد تبنوا رؤيته رغم ما قد يعتريهم من مخاوف تجاهها. ويكمن السؤال المطروح فيما إذا كانت حملات القمع ضد حرية التعبير ورفض التعامل مع الشكاوى علناً هي السياسة التي ستضمن استمرار الزخم الداعم لولي العهد.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://jamesmdorsey.substack.com/ في 20 آذار 2022