وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

“الكوير” العرب يكافحون من أجل الحرية الرقمية

الكوير العرب
أنصار مجتمع المثليين اللبنانيين يرفعون علم قوس قزح خلال مسيرة في العاصمة بيروت في مارس 2020. انور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

أن تنشأ كشخص “كوير” أو حرًا في هويتك الجنسيّة -مصطلح يستخدم كمظلة عامة للتعبيرعن الأشخاص ممن لديهم ميول جنسية تختلف عن المغايرة الجنسية مثل المثليين، وعابري الجنس، ومزدوجي الميول- في لبنان في أوائل 2010 يعني أن تخوض معركة ضدّ رهاب المثلية الجنسية، والتحيزات – التحيزات التي عززتها فقط وسائل الإعلام المحلية. وفي ظل وجود البرامج الحوارية الليلية التي تحرض أعضاء على مجتمع الميم من قبل المسؤولين الدينيين أو ما يسمى بالإسكتشات الكوميدية التي تتباهى بالتصورات النمطية الخاطئة عن الرجال المثليين، والتي تستخدم للترويح الكوميدي و لتقييم هؤلاء الأشخاص، لا عجب أن العديد من الأشخاص الكويريين يلجأون للتستر وراء الاستعارات النمطية التي تحدّدُ هويّتهم لكي يبقوا  آمنين في عالم يعاني من رهاب المثلية الجنسية.

ومع ذلك، في العصر الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، يكافح مجتمع الميم في لبنان الصور النمطية ويقدم تمثيلًا  متنوعًا لمختلف التوجهات الجنسية والجندرية. هذا ما خلق مساحة آمنة للعديد من العرب الكويريين للانضمام إلى ما أصبح يشكلُ  دعوةً جماعية لحرية التعبير، وبشكل متزايد.

قالت شادن، فنانة كوميدية مقيمة في لبنان وناشطة في مجتمع الميم، لموقع فنك: “عائلتي متسامحة وهذا امتياز أعترف به؛ امتياز لا يتمتع به كثير من الناس. لهذا السبب، أشعر أنه من المهم أن أعبر عن نفسي علنًا وبصراحة حتى لا يشعر الآخرون بالوحدة، وحتى يشعروا أن هناك شخصًا يشاركهم أحلامهم وتطلعاتهم وكذلك كفاحهم ومظالمهم”.

شادن ليست غريبة عن قيود لبنان. فالفنانة الكوميدية، التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها كمنصة للتحدث بصراحة ودون اعتذار عن القضايا المتعلقة بمجتمع الكويرعامةً، والمثليات والنساء بشكل عام، اُستُدعيت للتحقيق معها من قبل وحدة الجرائم الإلكترونية بأمن الدولة عدة مرات.

على الرغم من هذا، يظل لبنان من بين أكثر البلدان العربية المتسامحة اجتماعيًا بالنسبة لمجتمع الميم. ورغم حقيقة عدم وجود قوانين تمنح الأشخاص من مجتمع الميم نفس حقوق الأفراد المغايرين جنسيًا، تضم بيروت مجموعة متنوعة من الأحياء والمساحات الصديقة للكوير.

لا يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة للمساحات الإلكترونية، حيث يتعرض الأفراد للعديد من الانتهاكات وخطابات الكراهية وحملات التشهير ومحاولات الاغتيال الرقمي. ومنشئو المحتوى الكويريون جميععًا على دراية بهذه القصة.

الكفاح من أجل حرية التعبير

الكوير العرب
سلطانة، ملكة الدراج في إحدى العروض في بيروت. تصوير سامر نون

أثبت فيروس كوفيد-19 وعمليات الإغلاق التي لا نهاية لها في لبنان أنها ضارة بالمجتمعات البديلة الصاعدة التي عملت لسنوات بلا كلل على خلق مساحة لها ليس فقط لعرض فنها بل لمواصلة العيش أيضًا. ثم حدث انفجار مرفأ بيروت الهائل، الذي أودى بحياة أكثر من 250 شخصًا في عام 2020،  وأدّى إلى تدمير المراكز الداعمة لمجتمع الميم والمساحات الصديقة للمثليين، والتي كانت بمثابة شريان حياة رئيس لمجتمع هشٍّ بالفعل.

إن مجتمع “الدراج” أو ما بات يعرف بفن الجر، الذي يرتدي أفراده ثياب النساء بغرض الترفيه، في بيروت هو أحد الأمثلة على ذلك. تعد كوكب زحل، وهي أحد أفراد مجتمع الدراج المشهورين وتستخدم الفكاهة والفن لتثقيف الناس بشأن موضوعات الكوير وقضايا الصحة العقلية، من بين العديد من أقرانها الذين اتخذوا وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للوصول إلى الجماهير وكسب العيش في أعقاب الدمار. ومثلما نما عدد متابعي زحل على منصات التواصل الاجتماعي، زاد أيضًا عدد المتحرشين وحملات التبليغ الجماهيرية عن حسابها لوقف نشاطه. أُغلقت حساباتها وقُيدت أنشطتها على عدة منصات بدعوى انتهاك معايير المجتمع.

في الشهر الماضي، حُظر حساب زحل على موقع إنستغرام. منذ ذلك الحين، أُطلقت حملة على الإنترنت لدعمها، واستعادت حسابها لاحقًا.

أخطر موقع إنستغرام سلطانة، 25 عامًا، وهي صديقة لزحل وزميلتها في مجتمع الدراج، بأن حسابها ينقصه بلاغ واحد فقط للوصول إلى الحد الأقصى لحالات البلاغات المقدمة ضد منشوراتها، ليُزال حسابها تباعاً من الموقع.

قالت سلطانة لموقع فنك: “تعد وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة أرشيف بالنسبة لنا [أفراد مجتمع الدراج]. هو ملفٌ لكل أعمالك. إن التفكير في إمكانية أن يمحى كل هذا يومًا ما لهو أمرٌ محبط للغاية، لكن علينا أن نكون مستعدين إذا ما حدث هذا”.

تستخدم سلطانة موقعها للترويج لفكرة أنه لا يوجد تعارض بين كون المرء عربيًا وكويريًا في نفس الوقت، خلافًا للمعايير الثقافية العربية المحافظة السائدة. نتيجةً لذلك، تواصل عدد كبير من أفراد مجتمع الميم في الخليج مع سلطانة، للتعبير عن سعادتهم بالعثور على نموذج يحتذى به.

وقالت سلطانة: “يرسلون لي صورًا لأنفسهم وهم يرتدون أزياء النساء لأول مرة، مبدين مساحيق التجميل الخاصة بهم أو بملابسهم المصنوعة حسب الطلب، وأحاول الرد عليهم جميعًا لأنه، في نهاية المطاف، هذا ما جئت لفعله”.

شعرت سلطانة، مثل غيرها من الشباب العربي المنتمي لمجتمع الميم، بالوحدة عندما كانت صغيرة. انضمت إلى موقع تويتر في سن المراهقة للتعبير عن نفسها بحرية لأنها لم تستطع فعل ذلك في عائلتها المحافظة. قالت لموقع فنك إنها شعرت بالاغتراب عن المجتمع وألقت باللوم، جزئيًا ، على نقص تمثيل مجتمع الميم والتحريف في وسائل الإعلام، لا سيما التمثيل الذي يسخر علنًا من الأشخاص غير الخاضعين للرؤية السائدة التي تعتبر المغايرة الجنسية هي التوجه الطبيعي والمفضل، والذي يصنفهم وفقًا  لصورة نمطية أو مجاز معين.

قالت ليا زريكا، امرأة عابرة جنسيًا تبلغ من العمر 32 عامًا، لموقع فنك: “نظرًا لعدم توفر أي بديل آخر، أعرف أفرادًا  من المجتمع تبنوا مثل هذه الصور النمطية رغم الضرر الواقع عليهم. لم يعرفوا أي احتمال آخر، لذلك قاموا بتقليد ما رأوه”.

آليات التكيّف

لقد عمل أعضاء مجتمع الميم في لبنان منذ سنوات على كسر الحواجز التقليدية من أجل منح الأفراد التمثيل الذي افتقدوه أثناء نشأتهم. كان هذا بالطبع يعني مواجهة عدد كبير من اللقاءات والتجارب المحملة برهاب المثلية.

تستخدم شادن الفكاهة للتحدث بصراحة عن حقوق المثليين وقضايا مجتمع الميم. ورغم ما تقابله من كراهية ونقد، تؤكد أن لديها القوة الداخلية للمثابرة. كما أن دعم قاعدة مشجعيها عبر الإنترنت وأصدقائها وعائلتها يمثل درعًا  إضافيًا.

تستخدم زينة * (اسم مستعار)، وهي منسقة “دي جيه” مثلية تعبر عن ميولها علنًا،  حسابها على موقع إنستغرام لعرض مهاراتها  ودعم حقوق المثليين. ومع ذلك، فهي تتوخى الحذر وتكون انتقائية عندما يتعلق الأمر بقاعدة متابعيها، ولا تتردد في حظر أولئك الذين يعبرون عن مشاعر الرهاب من المثليين.

قالت فيكتوريا مفرج، صانعة محتوى محايد جنسانيًا، إنها تحذف جميع التعليقات التي تحض على الكراهية وتحظر المستخدمين الذين يعانون من رهاب المثلية. إنها آلية حماية طوّرتها في أعقاب سنوات من التنمر على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقالت فكتوريا لموقع فنك: “لا أسمح بتراكم تعليقات الكراهية، لأنه إذا حدث هذا، فقد انزلق إلى مكان مظلم”.

أخبرتنا فكتوريا عن صديق عُرف على منصة التواصل الاجتماعي الرقمية تيك توك باسم borderline_enby أو Sam (سام) وكان صانع محتوى عابر جنسيًا – وقد كشف عنه شخص مجهول أمام أفراد عائلته مستخدمًا مقاطع فيديو تيك توك الخاصة به كدليل. نتيجة لذلك، انتحر سام في ديسمبر العام الماضي.

لا توجد حاليًا أي تدابير حماية تشريعية في العالم العربي لحماية الأفراد الكويريين من المضايقات والتنمر، وحتى التهديدات بالقتل، سواء عبر الإنترنت أو في الواقع الفعلي.

العثور على الأمان مرة أخرى

الكوير العرب
سلطانة في جلسة تصوير. تصوير لويس سمراني

ألقت الأزمات الطويلة الأمد في لبنان بثقلها على مجتمع الكوير المهمش بالفعل. أدى تداعي الاقتصاد، وانهيار العملة، وانفجار بيروت، والجائحة إلى تدمير المشهد الذي كان مزدهرًا في يوم من الأيام. لكن الناس يقاومون.

تمكنت سلطانة من نقل فنها من المسرح إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تظل على اتصال بمعجبيها، وتنشر بانتظام مقاطع فيديو لها وهي تقوم بمزامنة الشفاه والاستعراض. أعادت زينة وصديقاتها إنشاء مساحة آمنة خاصة بهم في إحدى ضواحي بيروت بعيدًا عن مكان الانفجار؛ مكان حيث يمكنهم المتابعة من حيث توقفوا، وإقامة حفلات الكوير واستضافة أفراد المجتمع الذين يحتاجون إلى مأوى مؤقت.

ولكن بالنسبة للمجتمع الأوسع، تظل الأمور أكثر صعوبة، إذ لا يزال مشهد الحياة الليلية الصاخب في لبنان -الذي وفر ملاذًا آمنًا للأشخاص العابرين جنسيًا والكويريين ولحظات للراحة من الحياة اليومية – بعيدًا عن التعافي بشكل كامل.

قضت الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة المحلية على حياة كل ما تبقى. في نوفمبر من العام الماضي، على سبيل المثال، أغلقت باردو – وهي واحدة من أقدم حانات المثليين في البلاد – أبوابها إلى أجل غير مسمى بسبب الوضع الاقتصادي والمشاكل المالية.

لكن سلطانة لا تستسلم. في الواقع ، إنها تستعد لأدائها القادم المقرر نهاية الشهر الجاري. بالنسبة لها، فإن العودة إلى المسرح بعد توقف دام عامين يستحق كل المضايقات التي قد تتعرض لها على الإنترنت وفي الحياة الواقعية.

وقالت: “يعني العيش أن تقاتل، والقتال يعني أن تعيش. أعتقد أنه من واجبنا أن نظهر لجيل الكوير الأصغر أنهم قادرون على البقاء على قيد الحياة رغم كل الكراهية والعنف الذي قد يواجهونه. نحن هنا، عرب وكويريون. نحن هنا لنبقى”.