وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السعودية تُطلق حملة تشويهٍ ضد نشطاء في مجال حقوق المرأة

بعد إلقاء القبض على العديد من النشطاء السعوديين البارزين الذين دافعوا عن حقوق المرأة، بما في ذلك الحق في قيادة السيارات، شنت حكومة المملكة ووسائل الإعلام حملة علاقاتٍ عامة لوسم النشطاء بالخونة.

فقد تم اعتقال ما لا يقل عن 17 شخصاً، ووفقاً لبيانٍ صادرٍ عن وكالة الأنباء الحكومية في 18 مايو 2018، فقد تجرأوا على “تجاوز الثوابت الدينية والوطنية، والتواصل المشبوه مع جهات خارجية فيما يدعم أنشطتهم، وتجنيد أشخاص يعملون بمواقع حكومية حساسة وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج بهدف النيل من أمن واستقرار المملكة.”

وفي 2 يونيو، أصدر مكتب المدعي العام بياناً آخر أعلن فيه الإفراج “المؤقت” عن ثمانية من النشطاء. وذكر البيان إن النساء الأربع والرجال الخمس الذين لا يزالون قيد الإعتقال قد اعترفوا بتهمٍ تتعلق “بتواصلهم وتعاونهم مع أفراد ومنظمات معادية للمملكة،” و”تجنيد أشخاص في جهة حكومية حساسة للحصول منهم على معلومات ووثائق رسمية سرية للإضرار بمصالح المملكة العليا،” و”تقديم الدعم المالي والمعنوي لعناصر معادية في الخارج.”

ترافق كل بيان بضجةٍ إعلامية من قِبل وسائل الإعلام السعودية التي عمدت إلى نشر مقالاتٍ ومقالات رأي تُدين النشطاء. كما تم تعميم صور المحتجزين التي طُبعت عليها كلمة “خائنة/ خائن” على نطاقٍ واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب وسم (هاشتاغ)# عملاء_السفارات، مما يعني ضمنياً أن النشطاء كانوا يحصلون على رواتب من حكوماتٍ أجنبية. كما نشر حساب أخبار السعودية على تويتر صوراً رافقتها عبارة “التاريخ يبصق في وجوه خونة الوطن.”

Saudi Arabia- Mohammed bin Salman
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. Photo AFP

وعلاوة على ذلك، نشرت صحيفة الجزيرة السعودية مقالاً في صفحتها الأولى بعنوان “خبتم وخابت خيانتكم،” تبعتها سلسلة من مقالات الرأي التي تتهم النشطاء بارتكابهم “جريمة لا تُغفر،” وأن “كل من يبيع الوطن مقابل حفنةٍ من المال ليس له مكان بيننا.”

كما أدلت وسائل الإعلام وشخصياتٌ إعلامية أخرى بتصريحاتٍ مماثلة، بل ذهب العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى أبعد من ذلك، مطالبين بإعدام النشطاء.

وعلى الرغم من أن الحكومة لم تفصح عن أسماء المعتقلين، إلا أن جماعات حقوق الإنسان قالت إنها تضم بعض من أبرز النشطاء الذين يناضلون من أجل حقوق المرأة في المملكة، بما في ذلك إيمان النفجان ولجين الهذلول، اللتان نظمتا حملاتٍ فعّالة لرفع الحظر المفروض على قيادة المرأة وإلغاء نظام ولاية الذكور على المرأة السعودية. فقد سبق أن تم القبض على السيدتين الآنف ذكرهما لانتهاكهما حظر القيادة. ومن بين المعتقلين أيضاً عزيزة اليوسف، البالغة من العمر 60 عاماً، والتي كانت واحدةً من أوائل النشطاء في البلاد للدفاع عن حقهم في قيادة السيارات. وأفادت منظمة هيومن رايتس ووتش أن النفجان والهذلول واليوسف من بين النشطاء الذين لا يزالون رهن الإعتقال ويتم حجزهم في الحبس الإنفرادي.

وقبل الاعتقالات، أي في 12 مايو، كانت الحكومة السعودية قد أثارت الجدل من خلال اعتقال الأمير نواف طلال الرشيد. فقد تم ترحيل الرشيد، الذي يحمل الجنسية القطرية والسعودية، إلى المملكة العربية السعودية من قبل السلطات الكويتية بعد أن سافر إلى الكويت لزيارة بعض الأصدقاء. وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها بشأن “احتجازه التعسفي،” حيث لم تصدر السلطات السعودية أي معلوماتٍ حول مصيره أو التهم الموجهة إليه.

Saudi Arabia- Riyadh
الرياض، المملكة العربية السعودية. Photo AFP

وفي 26 سبتمبر 2017، صدر مرسومٌ ملكي برفع الحظر على قيادة النساء للسيارات، اعتباراً من 24 يونيو 2018. كما تستعد المملكة أيضاً، لأول مرة في تاريخها، لإصدار قانونٍ يحظر التحرش الجنسي. ويبدو أن هذه الإجراءات جزء من الهجوم الساحر الذي قام به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ليؤكد للداعمين الغربيين أنه مصلحٌ يمتلك خططاً لتحديث البلاد.

ومع ذلك، يرى البعض في هذه الإعتقالات وحملة التشويه التي طالت النشطاء محاولةً لطمس تاريخٍ من النضال الشعبي المتأصل من قِبل النساء المطالبات بالإصلاح.

وقال كريم شهيب، وهو باحثٌ في شؤون المملكة العربية السعودية في منظمة العفو الدولية، لفَنَك: “الرواية التي يحاولون عرضها هي أن ولي العهد الإصلاحي منح النساء الحق في القيادة وكأن الأمر أتى من العدم.”

وفي الوقت نفسه، بحسب شهيب، تهدف كل من الاعتقالات وحملة التشهير إلى إرسال رسالةٍ إلى أولئك الآخرين ممن قد يحاولون الدفع نحو الإصلاح. وأضاف “يُساهم هذا بالخوف المستمر من المعارضة والعمل في مجال حقوق الإنسان، حتى في أكثر أشكالها سلمية.”

في حين اقترح آخرون أن الاعتقالات ما هي إلا تكتيكٌ من جانب ولي العهد لاسترضاء المزيد من العناصر المحافظة في المجتمع السعودي، الذين قد يشعرون بالضيق بسبب تآكل السلطة الدينية، بما في ذلك كبح جماح الشرطة الدينية.

ووصف شهيب رد الفعل الدولي تجاه اعتقال النشطاء بالصامت، بالرغم من تعبير الأمم المتحدة عن قلقها جراء هذه الإعتقالات وقرار البرلمان الأوروبي الذي يدعو إلى إطلاق سراح النشطاء. وعلى الرغم من هذه التصريحات، فإن بعض حلفاء السعودية الأكثر نفوذاً – بما في ذلك الولايات المتحدة – ظلوا صامتين بشكلٍ ملحوظ.

وكرد فعلٍ على ذلك، أطلقت جماعات حقوق الإنسان وبعض الداعمين حملتهم العلنية الخاصة لتسليط الضوء على سجل النشطاء في الدفع نحو المزيد من الإصلاحات، فضلاً عن المطالبة بإطلاق سراحهم. وباستخدام وسم #Beep4Freedom، نشر المؤيدون صور النشطاء المطبوع عليها كلمة “حر/حرة.”

وبالنسبة لأولئك الذين كانوا يأملون ببزوغ فجرٍ جديد في المملكة العربية السعودية، شكلت الإعتقالات صدمةً بالنسبة لهم. فقد كتبت منال الشريف، وهي ناشطة سعودية تعيش في أستراليا والتي ساعدت في إطلاق حملة حق المرأة في القيادة في عام 2011، على تويتر عندما تم الإعلان عن إنهاء حظر القيادة، “السعودية لن تكون كما كانت في السابق،” و”أول الغيث قطرة.”

في حين كتبت بعد حملة الإعتقالات: “خاب تفاؤلي بسبب حملة التشويه العلنية التي تقودها الدولة ضد النشطاء المعتقلين. اتهامهم بالخيانة ليس أقل شناعة. تتمثل “جريمتهم” الوحيدة برفضهم نظام الوصاية الذكوري اللاإنساني في المملكة العربية السعودية، ووقوفهم ضد التمييز المؤسسي الذي نعاني منه في كلٍ يومٍ في حياتنا. في الحقيقة، “خيانتهم” هي حبهم لوطنهم أكثر من اللازم.”