وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

زرع الانقسامات الطائفية في المملكة العربية السعودية

Saudis escort the body of Mansour Fateel, who died of his injuries to become the 22nd victim of a mosque bombing claimed by the Islamic State group, during his funeral Saturday, May 30, 2015, in Tarut, Saudi Arabia. Thousands of Shiites took to the streets of eastern Saudi Arabia to remember the latest victim of the country's deadliest terrorist bombing in years and denounce attacks on their community. (AP Photo/Hasan Jamali)
جنازة أحد ضحايا التفجير الانتحاري الذي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية المسؤولية عنه، والذي تعرض له مسجد شيعي سعودي في قرية القطيف، في تاروت، المملكة العربية السعودية, 30 مايو 2015. Photo Hasan Jamali

في شهر أيار من عام 2015، هز انفجاران مسجدين في المنطقة الشرقية، وهي مكان تمركز معظم الأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية. فقد استهدف الانفجار الأول قرية في القطيف، مما تسبب في مقتل 21 مصليا وإصابة عدد كبير وذلك عندما فجر انتحاري نفسه أثناء صلاة الجمعة، وهو الوقت الذي يتجمع فيه أكبر عدد من الناس في العادة. ووفقا لأحد الناجين من الانفجار، فقد دخل أحد الرجال المسجد وفجر مواد متفجرة كان يخفيها تحت ملابسه بينما كان الناس يستعدون للصلاة. حيث بلغ عدد المصلين في المسجد لحظة الانفجار 150 مصليا.

وبعد أسبوع واحد بالضبط في المنطقة الشرقية كذلك، أحبطت السلطات الأمنية محاولة أخرى لاستهداف المصلين أثناء صلاة الجمعة. حيث أثارت شكوك رجال الشرطة سيارة مشبوهة كانت متوقفة بالقرب من مسجد العنود في مدينة الدمام المكتضة بالسكان. وعندما اقترب رجال الشرطة من السيارة، قام السائق بتفجير قنبلة أدت إلى مقتله إضافة إلى ثلاثة آخرين. والمسجد يرتاده مصلون من الشيعة، حيث كانت حشود من المصلين داخل المسجد وقت التفجير. ولأن القنبلة كانت شديدة الانفجار ومصممة خصيصا لإحداث أكبر ضرر ممكن في الأماكن المغلقة، كان من حسن الحظ أن وقع الانفجار خارج المسجد.

يقول أحد شهود العيان، واسمه محمد، أنه كان بداخل المسجد الذي ضم ما يقرب من خمسة آلاف مصل. ويضيف قائلا: “كان الوقت قرابة الظهيرة وكانت خطبة الجمعة قد بدأت عندما سمعنا انفجارا مدويا هز جموع المصلين. أما إمام المسجد الشيخ علي ناصر فقد حث المصلين على الحفاظ على هدوئهم ومواصلة التكبير. وفعلا، حافظ المصلون على هدوئهم داخل المسجد، وبعد الصلاة، أشرفت قوات الأمن على إخراج المصلين من المسجد.” تبنى تنظيم الدولة السنية المتطرفة مسؤولية كل من الانفجارين.

مفتي المملكة العربية السعودية، وهو أرفع شخصية دينية سنية في البلاد، أدان خلال خطبته الأسبوعية الهجوم واعتبر بأنه محاولة لتقسيم البلاد. وأفاد المفتي قائلا: “يجب أن نفهم بأن أعداء بلادنا يريدون بث الفساد والفرقة في الأمة السعودية،” مضيفا أن على السعوديين أن يقفوا صفا واحدا وألا ينخدعوا بمخططات العدو. كما وصف المفتي الهجمات بأنها “مؤامرة دنيئة”، مشيرا إلى أهمية تكاتف وتعاون سكان البلاد فيما بينهم، طالبا منهم عدم إيواء أو دعم الإرهابيين “الذين عقدوا العزم على زعزعة استقرار المملكة”.

وبعد وقوع الانفجارين ، كثفت السلطات من وجودها الأمني في أكثر من 94 ألف مسجد في البلاد. أما وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وهي الجهة المسؤولة عن نشاطات دور العبادة، فقد ذكرت بأنها تتعاون مع الأجهزة الأمنية لحماية المصلين في جميع مساجد المملكة. حيث يفيد متحدث باسم الوزارة “بأننا اعتمدنا آليات جديدة لحماية المصلين،” دون أن يوضح ماهية تلك الآليات.

كما أقر متحدث باسم وزارة الداخلية بوجود تعاون بين وزارة الشؤون الإسلامية وإدارة الأمن العام، مضيفا بأن وزارته تهدف إلى “مضاعفة عدد دوريات الشرطة خلال شهر رمضان القادم لأن أعداد المصلين في المساجد تصل إلى عشرة أضعاف أعدادها في الأشهر العادية من السنة. قمنا باتخاذ تدابير أمنية مكثفة حول مساجد المملكة عقب الهجوم على المسجد في القطيف. ومن ضمن تلك التدابير استدعاء ضباط الأمن ونشرهم في دوريات لمراقبة أية نشاطات حول المساجد أثناء صلاة الجمعة. ومن أجل الحفاظ على سلامة المصلين، لن يسمح لهم بالصلاة في ساحات المساجد.”

وبعد أيام من وقوع التفجيرات، أعلنت وزارة الداخلية أسماء 16 شخصا يشتبه بتورطهم في الهجمات الأخيرة، جلهم ينتمون لعشائر سنية. كما حثت السلطات المواطنين والسكان على تمرير أية معلومات عن أفراد أو خلايا يشتبه بتورطها بأعمال إرهابية، إضافة إلى تقديمها وعود بمنح مكافآت تتراوح بين 300 ألف ومليوني دولار أمريكي للمتعاونين في هذا المجال.

وخلال شهر رمضان الماضي، فجر انتحاري نفسه في مسجد بالعاصمة الكويتية، مما أسفر عن مقتل 26 مصليا وجرح أكثر من 200 آخرين. وكانت طريقة التفجير مشابهة للتفجيرات التي وقعت في المملكة العربية السعودية. حيث تجمع المصلون لأداء صلاة الجمعة في مسجد الإمام الصادق الشيعي بمدينة الكويت عندما دوى انفجار قوي في باحة المبنى المزدحم بالمصلين. في هذا السياق، يذكر خطيب المسجد الشيخ عبد الله المزيدي لوكالة الانباء الوطنية ان “الانفجار استهدف الصفوف الخلفية للمصلين الذين بلغ عددهم حوالي 2000 مصل. وبالإضافة إلى الخسائر البشرية، فقد تسبب الانفجار بأضرار في الأجزاء الداخلية من المبنى وسقوط العديد من الثريات بداخله”.

أظهرت التحقيقات في وقت لاحق بأن الانتحاري سعودي الجنسية. حيث سافر الرجل الملتحي جوا من الرياض إلى الكويت فجر ذلك اليوم وقبل ساعات من حصده لأرواح المؤمنين وتسببه بالدمار الهائل. حيث أقام في منزل مواطن ذي توجهات أصولية تؤمن بعقيدة “التطرف والفكر الضال.” بعد ذلك، قام أحد المقيمين في الكويت بصورة غير قانونية باقتياد الانتحاري إلى المسجد لتنفيذ مخططه الشرير.

وقد أجمع كل من أمير الكويت والحكومة ورجال الدين وجميع الأطياف البرلمانية والسياسية بأن الهجوم على مسجد للشيعة كان المقصود منه إثارة الفتنة الطائفية في البلاد. ووصف بيان الهجوم بأنه أحد أشكال “الإرهاب الأسود،” وأضاف البيان قائلا: “أهداف العمل الإجرامي باءت بالفشل. نريد أن نوصل رسالة إلى داعش بأننا إخوة موحدون سنة وشيعة، وأن داعش لا يمكن أن تفرق بيننا “.

وفي ظل تركيز داعش على هدفها في إقامة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، سيكون مجرد افتراض لا أكثر أن ننسب جميع الأعمال الإرهابية إلى تلك الجماعة المتطرفة. فإذكاء الانقسامات الطائفية مستمر منذ فترة طويلة في المملكة العربية السعودية، ولطالما وصف رجال الدين المتشددون خلال خطبهم الأسبوعية الشيعة بأنهم زنادقة وكفار. وهو الأمر الذي أصبح أكثر وضوحا وجلاء مع الوقت في ظل تعاظم لغة الكراهية الدينية بين الطائفتين السنية والشيعية.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles