وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

شبك العراق: أقلية تدفع ثمن المتغيرات السياسية

شبك
صورة جماعية لمجموعة من الكشافة العراقيين في مدينة الموصل الشمالية في 25 فبراير 2018، وهم يرتددون قمصان كتب عليها باللغة العربية (من اليمين إلى اليسار): تركماني، يزيدي، صابئي (مندائي)، شيعي، سُني، شبكي (من مجتمع الشبك الشيعي في شمال العراق)، مسيحي، كردي، في إشارةٍ إلى الوحدة الوطنية بين مختلف الجماعات الدينية والعرقية. Photo AFP

الشبك هم أقلية عرقية متعددة اللغات لهم ممارسات دينية متميزة، يعيشون في بضع العشرات من القرى الواقعة شرق الموصل، في سهول نينوى في العراق. وقبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في عام 2014، عاشت مجموعة صغيرة من الشبك في مدينة الموصل أيضاً. يرجع اسم الشبك من الكلمة العربية الشبكة، والتي تعني باللغة العربية “المتداخلة والمتشابكة.” وهذا مؤشرٌ على حقيقة أن الشبك يتألفون من العديد من القبائل المختلفة.

يدين حوالي 70% منهم بالمذهب الشيعي من الدين الإسلامي في حين أن البقية يتبعون المذهب السُني. ومع ذلك، فإن الممارسات الدينية للشبك هي مزيجٌ من عناصر من مختلف الطوائف الإسلامية والمعتقدات المحلية. وبالتالي، تختلف طقوسهم عن غالبية جيرانهم من الشيعة والسُنة المتدينيين: يتضمن الدين الشباكي عناصر من المسيحية، مثل الإعتراف، وهو سمة هامة للكاثوليكية. علاوةً على ذلك، فإن دين الشبك يضم بعض العناصر اليزيدية، فعلى سبيل المثال، يقوم شعب الشبك بالحج إلى الأضرحة اليزيدية، التي تقع في نفس المنطقة.

يعيش الشبك على مقربة من اليزيديين. وتضم قرية لالش، وهي قرية صغيرة تقع عند سفح جبلٍ في منطقة شيخان في محافظة نينوى شمال العراق، أقدس معبدٍ لليزيديين، والذي يزوره أيضاً شعب الشبك. لكن شعائر حج شعب الشبك متعددة جداً: فهم يقومون بالحج أيضاً إلى الأماكن المقدسة الشيعية، في مدنٍ مثل النجف وكربلاء، كما يتبعون التعاليم الشيعية.

لدى الشبك، يُطلق على الشخص العادي المريد، الذي يتوجب عليه الإلتزام بالتوجيهات الروحية للبير أو المرشد، الذين يعتبرون من ذوي المعرفة الدينية. يوجد هيكل هرمي واضح، بما في ذلك العديد من الرتب للبير، حيث يتربع على رأس الهرم البابا، أو القائد الأعلى للترتيب. من الناحية النظرية، يمكن للأفراد اختيار البير الخاص بهم، ولكن فعلياً، غالباً ما ترتبط أسر البير مع الأسر العادية على مدى عدة أجيال. لذلك، من حيث الهيكل التنظيمي العام، لا يختلف الشبك كثيراً عن الترتيب الصوفي.

بالإضافة إلى الهياكل التنظيمية، تضم الشبكية أيضاً بعض العناصر العقائدية المشابهة للصوفية. فعلى سبيل المثال، بالنسبة إلى الشبك، تحل فكرة الحقيقة الإلهية محل التفسير الحرفي للقرآن، الشريعة. يفهم الشبك الحقيقة الإلهية من خلال وساطة البير أو المرشد الروحي، الذي يؤدي أيضاً طقوس الشبك.

شبك
المصادر: le_Carabinier, The Atlantic, Middle East Eye, minorityrights.org @Fanack.com

كتاب الشبك المقدس الرئيسي هو كتاب المناقب (أي كتاب الأعمال النموذجية)، والذي يُسمى أيضاً بويورق، المكتوب، بما يُثير الاهتمام، بالتركمانية العراقية، التي تعدّ أحد اللهجات التركية. وعلاوة على ذلك، يدرس الشبك أيضاً شعر إسماعيل الأول، شاه إيران من عام 1501 إلى 1524، الذي أسس السلالة الصفوية في إيران في القرن السادس عشر وحول البلاد من الإسلام السُني إلى الشيعي. وبالتالي، يقرأون في تجمعاتهم الدينية شعر الشاه إسماعيل ويحتفلون بالرجل الذي جعل المذهب الشيعي الدين الرسمي لإيران.

لغة الشبك هي مزيجٌ من التركية والفارسية والكردية والعربية، فالشبك موجودون في منطقة نينوى بالعراق منذ عام 1502. واليوم، يعملون بشكلٍ أساسي بالزراعة، ويُقدر عددهم بنحو 300 ألف نسمة. وفي العقود الأخيرة، كان موضوع الجذور العرقية لشعب الشبك محل جدلٍ كبير، حيث أن معظم الشبك يرون أنفسهم كجماعةٍ عرقية مميزة، لا كردية ولا عربية.

ومع ذلك، لأسباب سياسية، ادعى كلٌ من العرب وحتى التركمان أن شعب الشبك ينتمون إليهم. وخلال عهد البعثيين، اتخذت حكومة صدام حسين تدابير “لتعريب” الشبك من أجل تعزيز سيطرته على الشمال الغني بالنفط في البلاد، حيث توجد أعداد كبيرة من السكان غير العرب مثل الأكراد. ومع ذلك، لم يغير سقوط النظام البعثي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة هذه المشكلة. فقد بدأ أهالي الشبك في سهل نينوى بالتعرض لمضايقات بعض النشطاء الأكراد. ولا يخفى على أحد أن الأكراد كانوا يهدفون إلى توسيع نطاق سيطرتهم في سهول نينوى، وعليه، فهم يرون في ضم الشبك للأكراد بمثابة الفرصة السياسية لتوسيع اختصاص السلطات الكردية في المناطق الإستراتيجية والنفطية في شمال العراق. لذلك، يجد الشبك أنفسهم في وسط لعبةٍ سياسية بين الحكومة المركزية العراقية والسلطات الكردية.

شبك
جثث الضحايا الذين قُتلوا في هجومٍ انتحاري وقع في منطقة سكنية في قرية الموفقية، وهي قرية تقع شرقي الموصل، ليتم التعرف عليهم في مستشفى في شمال العراق في 17 أكتوبر 2013، وذلك بعد أن فجر انتحاري نفسه في سيارة مفخخة في القرية التي يسكنها بشكلٍ رئيسي أفراد من أقلية الشبك، مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً، وفقاً للشرطة العراقية ومصدر طبي. Photo AFP

بيد أن مشاكل الشبك لا تقتصر على المنافسة السياسية بين العرب والكرد، ذلك أنهم يخضعون أيضاً للتمييز الديني. ففي السنوات الأخيرة، تعرض أغلبية الشبك من الشيعة للاضطهاد من قبل المقاتلين السنة. فعلى سبيل المثال، كان الشبك ضحيةً للعديد من حوادث العنف الجارفة بعد وفاة صدام حسين. ويقدر أن حوالي 1300 من الشبك قتلوا بين عامي 2003 و2014. كما يتعرض أولئك الذين يعيشون في المناطق المتنازع عليها في محافظة نينوى، وخاصة في الموصل، للاضطهاد من قبل الجماعات المتشددة التي اتخذت إجراءاتٍ فعالة لتهجير الأقليات، بمن فيهم الشبك من المنطقة. فقد اضطر العديد من الشبك الذين كانوا يعيشون في مدينة الموصل للمغادرة واللجوء إلى القرى المجاورة بسبب الترهيب والتهديد.

وكحال اليزيديين، عانى الشبك من سيطرة داعش على الموصل وسهول نينوى في عام 2014. وعلى الرغم من وجود العديد من الجرائم غير المبلغ عنها ضد الشبك، إلا أن مسلحين من داعش اختطفوا ما لا يقل عن 21 من الشبك من حي كوجالي شرقي الموصل، في يونيو 2014.

وعلاوة على ذلك، كان يتم وضع علامة حرف “ر” على منازل الشبك في مدينة الموصل، لدلالة على “الروافض،” وهو مصطلحٌ يستخدمه المتشددون في داعش لوصف المسلمين الشيعة وغيرهم ممن لا يتفقون مع وجهات نظرهم الدينية والعقائدية. وبحلول أغسطس من عام 2014، خضع ما يقدر بـ60 قرية من قرى الشبك لسيطرة مقاتلي تنظيم داعش. كما وردت تقاريرٌ عن انتهاكاتٍ ممنهجة لحقوق الإنسان حيث أصبح العديد من الشبك ضحايا للمذابح وعمليات الخطف، إذ تم قتل ما يقدر بـ117 أسرة. وعلاوةً على ذلك، خسر الآلاف من عائلات الشبك منازلهم ونزوحوا قسراً نتيجةً للأعمال المروعة التي قامت بها الجماعة، كما فرّ كثيرون آخرون من منازلهم. لجأت الغالبية العظمى من هؤلاء الأشخاص إلى المناطق ذات الأغلبية الشيعية في وسط وجنوب العراق.

وفي أعقاب تحرير نينوى عام 2017، بدأ العديد من أفراد الشبك بالعودة إلى قراهم ومناطقهم مجدداً، حيث شرعوا في إعادة إعمار مناطقهم ومجتمعهم مرةً أخرى.