وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مساعٍ حثيثة لاستصلاح معنى الجهاد

أصبح مصطلح الجهاد من أكثر المفاهيم المذكورة والتي يُساء فهمها في الصحافة الغربية منذ الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001. وغالباً ما يتم تفسير معناها بـ”الحرب المُقدسة،” إلا أنها تعني في الواقع الانخراط في “نضالٍ ما” أو الالتزام بقضيةٍ نبيلة.

هناك ثلاث تفسيرات رئيسية للجهاد، ولا يُشير أي منها إلى قتل الأبرياء أو يسمح به. المعنى الأول لا يتعدى كونه هدفاً يسعى شخصٌ ما لتحقيقه، حيث تُعرّف الكلمة التي يرجع أصلها إلى التقاليد الصوفية، بشكلٍ منتظم على أنها “الجهاد الأكبر،” أي جهاد النفس بمعنى تعميق روحانية الفرد.

المعنى الثاني للجهاد يُشير إلى واجب تعزيز الإسلام من خلال القرآن عن طريق الحوار أو المعرفة. والمعنى الثالث، الذي يعتبر أيضاً الأكثر اساءةً للاستعمال ويختلف حوله الكثيرون، يتضمن مجموعة واضحة من الحدود لتعريف من يقع ضمن خانة “العدو المُبين.”

فالجهاد ضد عدوٍ مُبين لا يكون إلا “للدفاع عن النفس،” أو لصون الحرية الدينية. يُفسر معظم العلماء والمحللين السياسيين الآية 40 من سورة الحج في القرآن الكريم بمعنى أن على المسلمين القتال للدفاع عن صوامع الرهبان وكنائس المسيحيين ومعابد اليهود والمساجد.

إلا أن بعض التعاليم ما قبل الحديثة- كتعاليم أحمد بن تيمية– تقول أنه ينبغي الجهاد لقتل المسلمين الذين لا يُطبقون الدين بالكامل، مما يُشكل أسساً لأيديولوجية للمتطرفين. ولكن بعض هذه التعاليم، كما يقول الدكتور عزام التميمي، وهو محللٌ سياسي ومضيف للعديد من البرامج السياسية والإسلامية على قناة الحوار، غالباً ما يُساء تفسيرها من قبل المجرمين الذين يستخدمون الدين لإضفاء الشرعية على أخطائهم.

وشدد التميمي على أن “الكثير مما قاله ابن تيمية عن الجهاد كان في زمن تعرض العالم الإسلامي لهجومٍ من المغول.” وتابع القول “في ذلك الوقت، دعا إلى [الجهاد] للدفاع عن النفس. ما يهم حقاً في [الجهاد] ألا تكون مستبداً وأن لا ترتكب تجاوزات.”

يحاول المسلمون أمثال التميمي، الذين ضاقوا ذرعاً بمثيري الذعر والمتطرفين، إعادة تعريف الكلمة. ففي أبريل 2015، أكدّ علماءٌ مسلمون شاركوا في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية أن قراءة القرآن الكريم على نحوٍ أكثر تعمقاً ضمن السياق أمرٌ ضروري لمكافحة الخطاب المتطرف وتعزيز المعنى الحقيقي للجهاد وكذلك المبادئ الإسلامية الأساسية الأخرى.

الجهاد
متظاهر مسلم يحمل لافتة كُتب عليها “الجهاد” خلال مظاهرةٍ رداً على العمل العسكري الفرنسي في مالي خارج السفارة الفرنسية في وسط لندن في 12 يناير 2013. Photo AFP

تحاول المجتمعات الإسلامية في أوروبا وأمريكا أيضاً إعادة تعريف الكلمة. فقد قام أحمد رحاب، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، بالتعاون مع مجموعةٍ صغيرة من الناشطين بإطلاق حملة MyJihad في شيكاغو في ديسمبر 2013، حيث قاموا بنشر 25 إعلاناً في حافلات المدينة قبل توسيع الحملة إلى سان فرانسيسكو وواشنطن العاصمة.

وأظهر أحد الإعلانات رجلاً يهودياً يقف بجوار رجل مسلم أسود يحمل عبارة: “جهادي هو بناء جسور لردم الهوة.” بينما ظهرت امرأة ترتدي الحجاب وتحمل كاميرا في إعلانٍ آخر وإلى جانبها عبارة “جهادي هو نقل الحقيقة حتى وإن كانت غير مستحبة.”

يقول نهاد عوض، وهو أحد المدراء التنفيذيين من مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية: “[الجهاد] هو مفهوم، مفهومٌ نبيل، في الإسلام يؤكد على الصراع داخل النفس ليصبح المرء شخصاً أفضل، أو زوجاً أفضل، أو زوجة أفضل، أو عاملاً أفضل، أو جاراً أفضل.”

وفي أكتوبر 2014، أطلقت الناشطة البريطانية سارة خان حملتها الخاصة التي حملت عنوان الجهاد ضد العنف. تمثلت رسالتها في تعزيز المعنى الحقيقي للجهاد لمحاربة الإيديولوجية الوحشية لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” الذي ساهم في تطرف العديد من الشبان المسلمين والنساء في بريطانيا.

فقد كتبت خان في صحيفة الغارديان البريطانية، “يعلم المسلمون أن لدينا مبادىء في ديننا لتحدي النظرة المتطرفة؛ إلا أننا نحتاج إلى استعادة ديننا من هؤلاء الوحوش.” وأضافت “من خلال النجاح في حرب الأيديولوجيات هذه، يمكننا في نهاية المطاف إيقاف تدفق الجهاديين البريطانيين الذين يغادرون المملكة المتحدة للانضمام إلى [داعش].”

ناشطون مسلمون آخرون استخدموا المصطلح للإعلان عن كفاحهم لمحاربة التمييز والعنصرية في الغرب. ففي يوليو 2017، أشارت الناشطة المسلمة الأمريكية ليندا صرصور في إحدى المحاضرات إلى الجهاد لتعرب عن أملها في أن يقبل الله نضالها ضد التعصب الأعمى للرئيس دونالد ترمب.

أثار استخدامها للكلمة ضجةً على الإنترنت، حيث انتقد العديد من الأشخاص ليندا لدعوتها المسلمين شن “حملةٍ إرهابية” أو حرباً” ضد ترمب. فقد كشفت ردود الفعل بوضوح أن العديد من الأمريكيين لا يزالون لا يملكون أدنى فكرة عن معنى الجهاد.

دفاعاً عن ليندا صرصور في صحيفة الواشنطن بوست، كتب المفكر الأمريكي المسلم، قاسم رشيد، أن جماعات مثل داعش والكارهين للمسلمين يشوهون المعنى الحقيقي للجهاد، وبالتالي فهم يخدمون بعضهم البعض.

بينما حاول نشطاء آخرون الجهاد ضد المحرمات في البلدان ذات الأغلبية المسلمة. ففي عام 2007، قام المخرج الهندي برفيز شارما بصنع فيلمٍ وثائقي بعنوان “جهادٌ من أجل الحب،” الذي يحكي قصة مسلمين متدينين يناضلون للتوفيق بين أركان عقيدتهم وبين مثليتهم الجنسية.

وفي استعراضٍ للفيلم لصحيفة الغارديان، كتب جيريمي كاي أن الكرامة واليأس نسيجٌ محاكٌ بإحكام. جميع هؤلاء الأشخاص يقاتلون من أجل الحق في أن يعاملوا كمسلمين في مجتمعاتهم، وليس كمرتدين بسبب ميولهم الجنسية.

وفي هذا الصدد، قال شارما، “جميع الأشخاص في فيلمي مسلمون،” وأضاف “يُشكل الإسلام محور هذا الفيلم. [الجميع فيه] فخورون بكونهم شاذين، إلا أنهم في المقام الأول مسلمون ويقولون إنهم مسلمون كحال أي شخصٍ آخر، وأن إسلامهم حقيقي وجوهري مثل أي شخصٍ آخر.”

على الرغم من الابتكارات في تفسير الجهاد، إلا أن المصطلح لا يزال موضع جدلٍ شديدٍ اليوم كما كان في الماضي. فقد قال مايكل جاي كايناب، المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط في الجيش الأمريكي، إنه في حين يدعي بعض العلماء المسلمين أن الجهاد ضد عدوٍ مُبين هو مشروعٌ فحسب عند القتال ضد غير المسلمين الذين يبدأون العدوان، إلا أن تعاليم أخرى لا تزال تنسب العدوان والعنف للمصطلح.

ويُضيف كايناب أن بعض هذه التفسيرات المتطرفة خرجت من المقاومة الإسلامية للإستعمار الأوروبي. واليوم، المسلمون هم الأكثر معاناةً عندما يُسيء المتطرفون للجهاد.