وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اضراب المعلمين في الأردن يدخل أسبوعه الرابع مع تعثر المفاوضات

Jordan- Teachers strike jordan
مدرسون أردنيون يشتبكون مع قوات الأمن خلال مظاهرات الاحتجاج في عمان. Photo: Khalil MAZRAAWI / AFP

منذ 8 سبتمبر 2019، دخل معظم المعلمين البالغ عددهم 87 ألف معلم في قطاع التعليم الحكومي في الأردن في اضرابٍ من أجل أن يحظوا بظروف معيشية أفضل واحترامٍ أكبر من الحكومة. تتمحور مطالبهم حول رواتبهم، القريبة من خط الفقر.

يعدّ الاضراب، الذي دخل اليوم أسبوعه الرابع، واحداً من الأطول في تاريخ المنطقة والذي يؤثر على حوالي 4 آلاف مدرسة حكومية تخدم أكثر من 1,4 ملايين طالب.

جاء الإضراب في أعقاب احتجاجٍ نظمته نقابة المعلمين الأردنيين في 5 سبتمبر للمطالبة بعلاوة قدرها 50%، وهو ما يزعم أنه تم الإتفاق عليه مع الحكومة في عام 2014، بيد أن الأخيرة فشلت في تنفيذه.

قوبل الاحتجاج برد فعلٍ قاسٍ من قبل الشرطة، وبحسب التقارير، تم استخدام الغاز المسيل للدموع للسيطرة على المتظاهرين، حيث انتشرت لقطات وصور تظهر عنف الشرطة على وسائل التواصل الاجتماعي. كما تم اعتقال ما مجموعه 50 معلماً، ولكن تم إطلاق سراحهم فيما بعد.

فقد كتبت إحدى المستخدمات على تويتر، “ما حدث في [العاصمة] عمّان اليوم يمكن أن يكون أحد أسوأ الأزمات التي شهدتها البلاد في التاريخ الحديث.” في حين قال منشور آخر، “الدولة البوليسية الأردنية تنتهك اليوم حق الناس في الاحتجاج بأمان، وتهدد بالقبض عليهم، [وتهاجمهم] بالغاز المسيل للدموع (سلاح كيماوي) وشلت حركة المرور في وسط المدينة بأكمله.”

نفت الشرطة هذه المزاعم، ووفقاً لوكالة الأنباء الأردنية، أنكرت مديرية الأمن العام الأنباء التي تفيد بوقوع انتهاكاتٍ ضد المحتجين. وبدلاً من ذلك، أكدت أن قوات الأمن أبدت “أقصى درجات ضبط النفس” تجاه المعلمين وألقت باللوم على الأخير لسخريتهم منهم و”شق طريقهم” بالقوة عبر حواجز الطرق.

مطالب المعلمين

في بيان نُشر على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك في بداية الاحتجاجات، أعلنت نقابة المعلمين الأردنيين أن الإضراب “المفتوح” سيستمر إلى أن تمنح الحكومة زيادة الرواتب المطلوبة.

وتدعي النقابة أن هذه الزيادة وعِد بها المعلمون قبل خمس سنوات وتأخرت كثيراً. فقبل بداية العام الدراسي 2014/2015، كانت نقابة المعلمين تخطط لإضرابٍ للمطالبة بهذه الزيادة على الراتب الأساسي. ومع ذلك، تم تعليق الإضراب بعد تأييد الحكومة الواضح لمطالبهم.

وبحسب الناطق الإعلامي باسم النقابة، نور الدين نديم، “بعد خمس سنوات، نكثت كل من الحكومة والبرلمان بوعدهما وخذلت المعلمين الذين يعلمون البلاد بأكملها.”

كما يجادل المعلمون أيضاً أنهم من أقل موظفي الخدمة المدنية أجراً. ووفقاً لصحيفة ذا ناشونال، يحظى عمّال النظافة في شوارع عمّان برواتب أعلى من المعلمين عند التعيين.

في الوقت الحالي، رفضت الحكومة تلبية مطالب المعلمين، معتبرة أن علاوة الـ50% ستكلف البلاد حوالي 158 مليون دولار.

فقد أعلنت الناطقة باسم الحكومة جمانة غنيمات في 17 سبتمبر أن الحل بالنسبة لنقابة المعلمين الأردنيين هو بـ”الجلوس مع الوفد الوزاري دون أي شروط مسبقة والدفع من أجل عودة الطلاب إلى مقاعدهم.”

وبدلاً من العلاوة الشاملة، اقترحت الحكومة في البداية ربط الرواتب بمؤشرات أداء المعلمين، إلا أن النقابة انتقدت ذلك بشدة بالقول أن المقترح يضع معايير مرتفعة دون أي وسائل ملموسة لتحقيقها.

وبالإضافة إلى زيادة الرواتب، يُطالب المعلمون باعتذارٍ رسمي عن الأذى الجسدي الذي سببته الشرطة خلال الاحتجاجات، فضلاً عن رغبتهم إجراء حوارٍ جاد ومثمر مع الحكومة.

هناك سببان رئيسيان قد يُفسران عدم رغبة الحكومة في تلبية مطالب المضربين، فأولاً، عانت البلاد، التي تعتمد بالفعل اعتماداً كبيراً على المساعدات الخارجية، من تباطؤ عجلة الاقتصاد وتشهد تدابير تقشفية قاسية يدعمها صندوق النقد الدولي والتي تمتد إلى الميزانية الوطنية. وثانياً، تخشى الحكومة من الآثار المحتملة على قطاعات الخدمات العامة الأخرى.

كما يواجه المعلمون المضربون أيضاً تراجعاً في الدعم الشعبي، وكمثالٍ على ذلك، مثُل أحد أعضاء نقابة المعلمين أمام محكمة غرب عمّان في 19 سبتمبر للدفاع عنها في الشكوى التي قدمها أولياء أمور بعض الطلبة القلقين من العواقب المترتبة على تعليم أطفالهم.

فالدعم الشعبي مستمرٌ في التراجع مع تعثر المفاوضات مع الحكومة، ومع عدم وجود أي أملٍ يلوح بالأفق لعودة الـ1,4 مليون طالب إلى مقاعد الدراسة لبدء العام الدراسي الجديد.

وبالنسبة لتقى نصيرات، نائب مدير برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي، فإن عناد المعلمين أمرٌ مفهوم عندما يأخذ المرء بعين الاعتبار معدلات الفقر في البلاد، بالرغم من أن المطالبة بعلاوة بنسبة 50% قد تبدو للبعض بعيدة كل البعد عن الواقعية في ظل السياق الاقتصادي الحالي.

ومن الجدير بالذكر أن رواتب معلمي القطاع الحكومي تتراوح ما بين 550 دولاراً و700 دولار شهرياً، وهو أعلى بقليل من خط الفقر الذي وضعته الحكومة في عام 2010 والبالغ 515 دولاراً شهرياً للعائلة المكونة من خمسة أفراد. فالسلطات نفسها تشكك اليوم في هذه العتبة، بالنظر إلى التغيرات الاقتصادية التي لوحظت في السنوات الماضية.

وبحسب مسحٍ أخير أجرته شبكة الباروميتر العربي، يعتبر 71% من السكان أن الاقتصاد هو التحدي الأكبر الذي يواجه الأردن، ويعتقد حوالي 90% من المجيبين أن الفساد منتشر في مؤسسات الدولة.

وبالرغم من تصاعد حركة الاحتجاجات في الأردن في العام الماضي حول قضايا الفساد وقانون ضريبة الدخل الذي انتقد على نطاقٍ واسع، إلا أن أياً منها لم تهدد الملكية على نحو خطير. مع ذلك، دفع هذا الاستياء نحو إجراء العديد من التعديلات الحكومية في محاولةٍ لتهدئة الغضب الشعبي.

وفي محاولةٍ لإنهاء الإضراب الحالي، اقترحت الحكومة في 28 سبتمبر زيادة الرواتب بنسبٍ تتراوح بين 6 و18%، إلا أن النقابة رفضت الاقتراح. وفي بيانٍ لها، أعلن نائب رئيس النقابة ناصر النواصرة أن هذا حلٌ من جهة واحدة، إذ قال “هذا ما يسمى بالاستبداد. نحن نتبرع بهذا الفتات للحكومة الأردنية.”

وعليه، أصدرت المحكمة الإدارية في الأردن في اليوم التالي قراراً بوقف الإضراب بعد أن رفضت النقابة العرض الجديد.

ووفقاً لبعض المحللين، يعد الصراع الاجتماعي المستمر رمزاً لتنامي عدم المساواة على مدار الثلاثين عاماً الماضية.

وفي مقالٍ للرأي نشرته صحيفة جوردن تايمز، كتب الدكتور فارس بريزات، مدير مركز نماء للدراسات، “منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، كان العقد الاجتماعي التقليدي يتغير وتزايدت عدم المساواة على الرغم من نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى أعلى المستويات منذ نشأة المملكة. يُمثل إضراب المعلمين اليوم عدم المساواة بطريقة عملية.”