وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المنهاج التعليمي الإماراتي: بين التسامح مع إسرائيل والمصالح مع الصين

 

المنهاج التعليمي الإماراتي
صورة تم التقاطها يوم ٨ إبريل ٢٠١٨ لتلميذات إماراتيات أثناء تواجدهنّ في مدرسة تقليدية تتواجد بالمنطقة الثقافية من إمارة الشارقة الإماراتية، وذلك على هامش فعاليات مهرجان أيام الشارقة للتراث. المصدر: KARIM SAHIB / AFP.

نشر الصحفي البارز جيمس دورسي على مدونته الخاصة مقالة سلط فيها المنهاج التعليمي الإماراتي وكيفية تلقينه للطلاب لما يتوافق مع المصالح السياسية لدولة الإمارات التي تتقاطع في الوقت الراهن مع إسرائيل والصين.

ويبدأ دورسي، وهو عضو بارز في الهيئة التدريسية الخاصة بمعهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، بالإشارة إلى إصدار إحدى المؤسسات الإسرائيلية غير الحكومية لدراسة مدحت فيها الإمارات على كتبها التعليمية التي تعّلم التسامح والتعايش والتفاعل مع غير المسلمين.

وبحسب الدراسة التي أجراها معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي (IMPACT-se)، فإن المناهج الدراسية الإماراتية “تتوافق مع المعايير الدولية للسلام والتسامح”. وتشير الدراسة الواقعة في 128 صفحة إلى خلو هذه الكتب المدرسية من “الكراهية والتحريض ضد الآخرين، حيث يعلم المنهج الطلاب تقدير مبدأ احترام الثقافات الأخرى ويحث على الفضول والحوار، ويشيد بالحب والعاطفة والروابط الأسرية مع غير المسلمين”.

ومع ذلك، فإن التقرير ظهر في تقييمه للكتب المدرسية الإماراتية ليتناسب بشكل وثيق مع السياسة الإسرائيلية تجاه الإمارات، وبشكل أعم، تجاه معظم دول منطقة الشرق الأوسط.

ونتيجة لذلك، فقد تجاهل التقرير مسألة حياكة مبدأ الطاعة غير النقدية للسلطة في نسيج التعليم الإماراتي، ليحاكي بذلك إسرائيل التي تنظر للاستبداد كعامل استقرار في الشرق الأوسط أكثر من الحريات.

وبحسب دورسي، فإن هذا المبدأ راسخ ويظهر في تدريس “حب الوطن” و “الالتزام بالدفاع عن الوطن”، وهما مفهومان أبرزهما التقرير. هذا المبدأ أساسي أيضًا في مفهوم القيادة، الذي عرفه التقرير بأنه أحد أعمدة الهوية الوطنية.

ويرد في الدراسة اسم المدرس الأمريكي رايان بوهل، وهو أحد المدرسين الغربيين الذين استقدمتهم الإمارات ليحلوا محل المعلمين العرب المشتبه بتعاطفهم مع جماعة الإخوان المسلمين. ويرى دورسي أنه كان بإمكان بوهل، الذي درّس في إحدى المدارس الحكومية الإماراتية قبل عقدٍ من الزمن، إطلاع المهد عن المبادئ الاستبدادية المتضمنة بشكلٍ غير مكتوب في نظام التعليم الخاص بدولة الإمارات.

وبحسب صاحب المقالة، فإن لا شيء يدفعنا للاعتقاد بأن الكثير قد تغيّر منذ انتهاء تجربة بوهل التدريسية في الإمارات، بل على العكس من ذلك، فإن كل الأسباب تقودنا للاعتقاد بأن هذه المبادئ ترسخت بشكلٍ أكبر منذ ذلك الحين.

وفي إحدى المقابلات، سبق لبوهل وصف التدريس في الفصول الدراسية الإماراتية بأنه “يتبع الأسلوب الاستبدادي، ومشابه بشكلٍ كبير للعلاقة التي تجمع بين الحاكم والمحكوم”.

وبحسب بوهل، فإن “هذه المواقف السياسية تتشكّل، وتُعزز، وتُفرض في بعض الحالات إذا قرر الأطفال الانحراف عن الخط. فهم يفهمون العواقب قبل أن يصبحوا تهديدًا سياسيًا بوقت طويل أو نشطاء يهددون النظام. الأمر كله يتعلق بخلق سياسة ترهيب“.

وفي محاولةٍ لتجنّب الخوض في نقاش حول مفهوم التفكير النقدي، يشير تقرير معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي إلى أن الطلاب “يستعدون لعالم شديد التنافسية؛ ويتعلمون التفكير الإيجابي والرفاه”.

التقرير فشل، بحسب دورسي، في مناقشة حدود التفكير النقدي والمواقف تجاه السلطة، التي قد تكون متضمنة في عملية وضع أطر لنظام التعليم بدلاً من الكتب المدرسية نفسها. وهو ما يثير السؤال عمّا إذا كان تحليل الكتاب المدرسي كافياً لتقييم التوجهات التي ترعاها أنظمة التعليم في تعليمها للأجيال المتعاقبة.

كما يفتح هذا النقاش حول ما إذا كان يمكن عزل مفاهيم السلام والتسامح الثقافي عن درجات التسامح الاجتماعي والسياسي والتعددية.

يشير التقرير بشكل إيجابي إلى أن الكتب المدرسية “تقدم نهجاً واقعياً للسلام والأمن”، في إشارة إلى اعتراف الإمارات بإسرائيل عام 2020، وتقليلها من الجهود المبذولة لمعالجة التطلعات الفلسطينية، ومعارضتها العميقة لأي شكل من أشكال الإسلام السياسي وما صاحب هذا من تداعيات مُنهِكة في دول مثل مصر وليبيا واليمن.

ومن الصعب قول إن تدخّل الإمارات وغيرها من الدول، كالمملكة العربية السعودية وتركيا وفرنسا وروسيا، قد ساهم بأي شكل من الأشكال في تعزيز السلام والأمن.

ويشير التقرير إلى استمرارية “دعم القضية الفلسطينية”، لكن هذا الدعم لم يعد يُنظر إليه على أنه “مفتاح لحل التحديات الإقليمية الأوسع”، سيّما وأن التهديد الرئيسي يكمن في “الراديكالية والكراهية”. كما تم اعتبار “التوسع الإيراني من بين التهديدات”.

ويقول دورسي: “لا يعني هذا أن يتحوّل تقييم المعهد للكتب المدرسية إلى حكم على السياسات الإماراتية، بل أجادل بأنه، بدلاً من إضفاء الشرعية عليها بشكل غير نقدي، يجب أن يُقر صراحةً، بدلاً من الاعتراف ضمناً، أن الجيل القادم في البلاد تشكله تفسيرات حكومية، تأتي من أعلى لأسفل، لما تعنيه المبادئ السامية التي ينادي بها القادة الإماراتيون”.

ويضيف دورسي: “انصافاً للتقرير، لا بد لنا من ذكر أنه ينص ضمنيًا على أن المفاهيم الإماراتية للتسامح ليست عالمية بل تخضع لما يُعرّفه حكام الدولة بأنه يمثل مصالحها الوطنية”.

ونتيجة لذلك، يشير التقرير إلى أن “جمهورية الصين الشعبية تُوصف، على نحو مثير للدهشة، بأنها مجتمع متسامح ومتعدد الثقافات ويحترم الأديان”، على الرغم من القمع الوحشي للتعبير الديني والعرقي لهوية مسلمي الأويغور المنتمين عرقياً إلى الشعوب التركية في مقاطعة شينغيانغ الشمالية الغربية.

كما يشير المعهد إلى فشل الكتب المدرسية في تدريس تاريخ العبودية في الشرق الأوسط. ويصر التقرير على وجوب تدريس الهولوكوست وتاريخ اليهود، وخاصة في الشرق الأوسط، لكنه لا يطرح مطالب مماثلة لأقليات أخرى متعددة، بما في ذلك المتهمين بالهرطقة.

وتقترح المعهد غير الحكومي إمكانية أن تحسّن الإمارات من إشارتها لإسرائيل في مناهجها الدراسية. ويشير التقرير إلى أن “المواد المعادية لإسرائيل قد خفت حدتها وأصبحت أكثر اعتدالاً” في الكتب المدرسية التي تعلم “التعاون مع الحلفاء” و”صنع السلام” كأولويات.

وهنا يقول دوسي: “مع ذلك، فإن اعتراف الإمارات بإسرائيل لا يعني إدراج خريطة إسرائيل ضمن تعليم تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع الدولة اليهودية”.

ويضيف: “لكي نكون منصفين، قد لا تظهر إسرائيل بعد في الخرائط الإماراتية، لكن الحياة اليهودية أصبحت، بشكل متزايد، جزءاً من الحياة العامة في الإمارات. وباتت مطاعم الكوشر تعمل كمركز ثقافي يهودي. وتمت في ديسمبر الماضي إضاءة الشمعدانات الكبيرة في ساحات المدينة للاحتفال بعيد الأنوار اليهودي ‘حانوكا’. كما من المقرر افتتاح معبد يهودي تموله الحكومة في وقت لاحق من هذا العام”.

وفي الوقت نفسه، يستقر اليهود العرب، الذين فروا ذات يوم إلى إسرائيل والغرب، في الإمارات حالياً، منجذبين بصورةٍ جزئية إلى الحوافز المالية الموجودة في هذا البلد.

وفي معرض تقديم ملاحظة نقدية معتدلة، أشار إلداد باردو، مدير الأبحاث في معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي، إلى أن الطلاب الإماراتيين، الذين استفادوا جيدًا من المناهج الدراسية “الساعية للسلام والتسامح”، سيستفيدون من الدورات الدراسية “العازمة بقوة أيضاً” على تزويد “الطلاب بمعلومات غير متحيزة في جميع المجالات”.

وهنا، يختم دورسي مقالته بالتالي: “كان باردو لا يشير فقط إلى الصين، بل أيضاً إلى تأييد المناهج للأدوار التقليدية للنوع الاجتماعي حتى لو كانت تتوقع دمج المرأة في الاقتصاد والحياة العامة، وما وصفه التقرير بأنه تصوير ‘غير متوازن’ لتاريخ الإمبراطورية العثمانية”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://jamesmdorsey.substack.com/ في 22 يناير 2022