وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العنف ضد المرأة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ازدياد

متظاهرات في مسيرة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في مدينة البصرة جنوب العراق..
AR: متظاهرات في مسيرة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في مدينة البصرة جنوب العراق في 8 مارس / آذار 2021.
(Photo by Hussein FALEH / AFP)

دانا حوراني

ذكر البنك الدولي أن العنف على أساس الجندر يصيب ما لا يقل عن 35% من النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لكن ما يحدث في الواقع يفوق هذا الرقم لقلة الإبلاغ عن هذه الجرائم. وفي منطقة تحابي فيها القوانين والتقاليد الاجتماعية الرجال على حساب النساء، أدت جائحة كورونا إلى زيادة اختلال ميزان القوى المائل أصلا فقد شهدت الخطوط الساخنة للإبلاغ عن الجرائم على أساس الجندر في لبنان و العراق و تونس و البحرين طفرةً في البلاغات منذ بداية الإغلاق بسبب الجائحة.

وقالت مريم ياغي الناشطة النسوية والصحفية في منصة “شريكة ولكن” الإخبارية النسوية، إن الاعتداءات النفسية والجسدية والعاطفية والجنسية قد تزايدت بشكل رهيب منذ بداية الإغلاق. حيث اصبحت المشكلة طبيعية بسبب القمع الحكومي الممنهج للمرأة بتجاهل المساواة في الحقوق. وأصبح الرجال اللاعبين الأقوياء في لعبة تخسرها النساء في ظل هذه الأطر المقيدة.

وتستند أغلب قوانين الأحوال الشخصية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، رغم أنها ليست موحدة، إلى النصوص الدينية. وتُعد قوانين الأحوال الشخصية في تونس الأكثر علمانية، أما اليمن فتزعم أن قوانينها كلها مستمدة من الشريعة الإسلامية التي تضبط الزواج والطلاق والحضانة والميراث، وتعتمد على معايير أبوية تكرس تبعية المرأة للرجل.

كما يشير النشطاء إلى أن غياب التشريعات الوقائية يزيد من التفاوت بين الجنسين ويترك النساء عرضة لآراء رجعية تعاديهن وتحرمهن حقهن في التعبير والتصرف. ومن هنا برزت جهود المنظمات غير الحكومية في القيام بدور الحكومات وتوفير الملاجئ والخطوط الساخنة وحتى الدعم المادي والنفسي لضحايا العنف الجندري.

وقالت مريم ياغي لفنك: “العنف موجود دائماً في مجتمعاتنا، لكن الإغلاق غير المحدود زمانياً أضاف عقبة جديدة للنساء، لا سيما من أردن الفرار من أماكن العنف. أما الأبوية فهي ترتكز على ثلاث ركائز للإبقاء على سلطتها وهي: التقاليد والدين والتشريعات”.

القتل بذريعة “الشرف”

في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ينتشر أحد أشكال العنف الجندري وهو ما يُعرف بالقتل من أجل الشرف ، أو قتل رجل امرأة أو فتاة من العائلة بدعوى الحفاظ على شرفها من العار الذي تجلبه لها. فعلى سبيل المثال، سجل مركز المعلومات والتوثيق حول حقوق الطفل والمرأة في الجزائر 39 حالة قتل أو “ضرب واعتداء متعمد” على الأقل خلال فترة الإغلاق إبان الجائحة الأخيرة.

ووفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية ، ما زالت تُسجل حالات مماثلة في العراق وإيران و الأردن والكويت وفلسطين، حيث لا يقتل الأقارب النساء فحسب، بل يقتلهن أفراد في المجتمع لا يمتون لهنّ بصلة لأسباب سياسية.

فقد اغتيلت حنان البرعصي المحامية الليبية في بنغازي عام 2020 بعد إدانتها أفراد فاسدين مقربين من الفصائل المسلحة في شرق ليبيا. وقد سبقتها في العراق الناشطة ريهام يعقوب المعروفة بتنظيمها للمظاهرات.

ويشير النشطاء إلى اختلال عميق في المعايير الاجتماعية في دول المنطقة، إذ تؤثر وتفضل العائلات عموما السمعة على العدالة، وتفضّل القتل على مواجهة الأحكام المجتمعية، كما حدث مع ليليان علاوة، الأكاديمية اللبنانية والكاتبة والشاعرة والأم لثلاثة أبناء، إذ قتلتها 30 رصاصة من رشاش من طراز PKM في 23 أغسطس 2021. ووفقاً لتقرير الطب الشرعي مزقت الرصاصات نصفها العلوى، وفصلت رجلها عن جذعها، لكن العدالة لم تتحقق. بل إن زوجها وصهرها وابن عمها وإخوانها الذين استدرجوها للقتل، ما يزالون أحراراً طلقاء.

مع أن هذه الحادثة جاءت بعد إلغاء البرلمان اللبناني قبلها المادة 562 من قانون العقوبات التي كانت تخفف العقوبة على من يقتلون قريباتهن للدفاع عن “شرف” العائلة، لكن تأثير الإلغاء على الواقع كان ضئيلا.

أما في سوريا، فلا يستعمل القانون عبارة “القتل من أجل الشرف” لكنه ينص على استثناء الرجال المدانين بقتل قريباتهم بسبب قيامهن “بتصرف جنسي غير شرعي”.

أزمة مركبة

ترى الناشطة النسوية مايا عمار أن زيادة العنف ضد المرأة ضاعفته الأزمة الاقتصادية التي حلّت على كثير من دول المنطقة. فالتقاليد الأبوية تضيف ضغوطاً لأنها تخص الرجل بدور الإنفاق.

وأردفت: “عندما تهدد هذا الدور معدلات البطالة المرتفعة أو عدم استقرار البلاد مادياً، فإن بعض الرجال سيشعرون بأنهم مجبورون على تنفيس غضبهم على من يمثل لهم “صداعاً” أو مسؤولية ثقيلة، وعادةً ما تمثل ذلك زوجاتهم وبناتهم”.

وأضافت أن المجتمع يستبقي هذا السلوك عندما لا يُنزل بمرتكبي العنف ضد النساء أشد العقوبات.

وقالت: “ثمة العديد من القوانين التي وُضعت لحماية المرأة لكن الحكومات لا تطبقها لأنه من مصلحتها ألا تتمكن المرأة وتبقى ضعيفة. فالأبوية مبنية على تمكين الرجل وإخضاع المرأة، فلم يغيرون ذلك؟”.

وبحسب منظمة “ كفى اللبنانية لحقوق المرأة، يحكم بعض القضاة بخلاف القانون ولصالح المنتهكين لتجنب إيقاع الأسر في صعوبات اقتصادية. وهذه الأحكام صالحة اقتصادياً في ظل غياب أنظمة تدعم المرأة مادياً، رغم ما تلحقه من ضرر على ضحايا الانتهاكات.

المهمشات أكثر عرضة للخطر

ترى مريم ياغي أن بعض النساء لسن على دراية بحقوقهن، ومن ثمّ لا يرين الإبلاغ عن الجرائم التي تُرتكب بحقهن خياراً يمكن تنفيذه. وقالت: “إذا لم يُعرّف العنف علنا، فإننا نخاطر بتمرير المجتمع له وقبوله إياه”.

وتواجه نساء الكوير، واللاجئات، والمهاجرات العاملات في الخدمة المنزلية معاملة بالغة السوء نتيجة تغافل الحكومات عن حقوقهن.

فعلى سبيل المثال، تعاني النساء والفتيات في مخيمات اللاجئين شمالي العراق من القواعد المجتمعية التي تعتبر شهادتهن على العنف “عاراً”. أما النساء العاملات المهاجرات، فإن مصيرهن مرتبط بنظام “الكفالة” المطبق في كثير من الدول العربية. ويتيح نظام الكفالة للكفيل التحكم بالعمال تماماً، ما يجعلهن عرضة لاستغلال العمل، والترحيل، وتزايد حالات العنف بشكل عام.

وعلى الجانب الآخر، تعاني مجتمعات الكوير من التمييز في التوظيف، وتعتمد بشكل كبير على المنظمات غير الحكومية والتبرعات لتوفير مأوى مؤقت ودعم مالي.

وتتفق مايا عمار ومريم ياغي على الحاجة إلى المزيد من الجهود للتغلب على التوجهات الأبوية. والتغيير، كما تقول مايا، عملية تراكمية يمكن للأجيال الشابة أن تسرّعها وتعمل على تفعيلها لأنها أكثر عرضة لمزيد من المعلومات عن حقوق المرأة وأقل مواجهةً للمعايير الجندرية التقليدية عن ذي قبل. وترى مريم أن على الرجال أن يستخدموا حضورهم الشخصي لحضور الدورات والندوات التي تؤكد على ضرورة المساواة الجندرية.

وقالت مايا: “ربما تتقبل الأجيال الكبيرة بعض المفردات النسوية، لكن مدى التغيير عندهم يظل محدوداً. أما أملنا فيصب على الأجيال الشابة العتيدة. لكن ما زلنا لا ندري إذا كان ذلك سيُحدث الأثر المرجوّ أم لا”.