صوفيا أكرم
أصبحت محاكمة الّلبناني مروان حبيب صاحب الاعتداءات الجنسية قضية دولية يُرجى منها تحقيق عدالة قد طال انتظارها. وذلك بعد أن أُلقي القبض عليه في فلوريدا مطلع هذا العام، أي بعد نحو سنتين من انتشار قضيته في بلده الأمّ لبنان.
منذ عام 2019، أفصحت عشرات النساء عن تحرش مروان بهن واعتدائه عليهن. لكنه ظلّ حرًا طليقًا حتى تمكّن من السفر إلى الولايات المتحدة حيث يقيم في مدينة ميامي.
وقد أُلقيَ القبض على حبيب في منزله في السابع من يناير وذلك بسبب واقعة تعود إلى نوفمبر من 2021، إذ تسلل الشاب البالغ من العمر 32 عامًا غرفة فندقية ليعتدي على سيدة قابلها في متجر للملابس في اليوم نفسه.
وقد تحايل مروان على موظفي الفندق وحصل على مفتاح غرفتها، ودخل دون إذنها، وقد تعدّى عليها محاولًا تقبيلها، ما يعني أنّه سيُحاكم بتهمة الاعتداء والسطو.
ولم تكن تلك الحادثة الأولى من نوعها لحبيب في الولايات المتحدة، فقد اشتكت نساء أخريات في المنطقة التي يسكنها من سلوكه ووصفنه “بالغريب والمثير للقلق”.
وذكر تقرير الشرطة، حسب القناة التلفزيونية المحلية WSVN 7 News Miami، أن المتهم معروف “بملاحقة النساء بغرض ممارسة الجنس أو المواعدة، رغم أنهن طلبن منه مرارًا التوقف عن مثل هذه الممارسات”.
انهالت الشّهادات ضد حبيب لأول مرة في وسائل التواصل الاجتماعي اللّبنانية في نوفمبر من عام 2019، وتتابعت التحذيرات منه نظرًا لشهرته بالاعتداءات الجنسية، وقد عمد الناشطون إلى فضح أمره خصوصًا بعد تداول صوره على أثر مشاركته في الانتفاضة اللّبنانية عام 2019.
Please share this photo, this is Marwan Habib. Memorize his face well. He's a rapist, and is harassing women in Lebanon. pic.twitter.com/MA1VV4Xw1z
— blank (@NotSoEligible) November 28, 2019
كان حساب Beirut by Dyke على انستغرام من أوائل المشاركين في نشر شهادات النساء عن اعتداءات حبيب في محاولة لفضحه مع حماية هوية الضحايا.
تقول إحدى الناجيات: “لقد تبعني إلى مكان الاستحمام بعد تمرين الملاكمة وحاول محاصرتي في إحدى الزوايا. فدفعته وقدمت شكوى ضده”.
ونقرأ في شهادة أخرى كما أوردها موقع بيروت دوت كوم: “إنه مغتصب. لقد أخفى مفاتيحي حتى لا أستطيع الخروج. هو ضخم الجثة، خنقني فصرخت ولم يحرّك ساكنًا. لديّ قصة كاملة لا أريد أن أعيدها فقد أُصبت بصدمة بسببه. كفاكم دفاعًا عن هذا المجرم الحقير”.
شملت الشهادات كذلك الناجيات من القُصّر. وكانت ماريا لطيف، ابنة الـ18 عامًا، واحدة من أوائل المُعلنات عن جرائمه، فقد وصفت كيف ضغط عليها حبيب لممارسة الجنس معه بعد لقائهما في أحد مطاعم بيروت، وأشارت في شهادتها إلى وجود نحو 50 شهادة أخرى.
وبحسب ما ورد فقد أقام حبيب دعوى قضائية ضد ماريا لطيف بتهمة التنمر الإلكتروني والقذف والتشهير، وضغط عليها للتقليل من الاتهامات والاعتذار.
ورغم خروج مظاهرات عدّة للتضامن مع الناجيات من التحرش والاعتداء الجنسي، فإنّ الدعوة إلى حقوق المرأة تزامنت مع المظاهرات الواسعة في 2019 ضد الفساد وسوء الإدارة والتهميش، وقد أدّى انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي إلى إهمال التهم القضائية الملحّة، بما فيها التهم الموجهة ضد حبيب.
وأوضح المحامي كريم مجبور، الذي أقام دعوى قضائية ضد حبيب في عام 2019، في سلسلة تغريدات على موقع تويتر أنّه تلقى شهادة أكثر من 100 امرأة، لكن حبيب لم يُحاكم في نظر بعض اللبنانيين وذلك بسبب علاقاته السياسية.
وأضاف مجبور: “هل يجب أن نأخذ حقوقنا بأيدينا كأننا في غابة، أم بإمكاننا الاعتماد على نظامنا القضائي للحصول على أبسط حقوقنا”.
الإعلام والقانون وثقافة لوم الضحية
أجرى حبيب مقابلة على شاشة التلفزيون المحلي “ام تي في” حتى ينكر ويتنكر للدعاوى الموجهة ضده، وهي خطوة أثارت استياء النشطاء والناجيات واعتبروا أنها إمعانًا في إيذاء الضحايا.
وقالت حياة مرشاد، _المدير المشارك للحركة النسوية المدنية Fe-Male_ لفنك: “مثل هذه المواقف تساهم في تشكيل رأي عام يصبُّ في مصلحة الرجال، ودائمًا هي في صالح المعتدين، ودائمًا ما تخرس أصوات الضحايا والناجيات”.
وفي كثير من حالات التحرش الجنسي والعنف الأسري في لبنان، يُمنح المتهمون بالاعتداء مساحة على شاشات التلفاز للدفاع عن أنفسهم. ففي العام الماضي وحده، استضافت قنوات محلية مثل “الجديد” و”إم تي في” زوج عارضة الأزياء زينة كنجو المتهم بقتلها حتى يروي ويسرد “روايته لما حدث” بعدما أن هرب إلى تركيا.
وكذلك في عام 2018، استضافت “إم تي في” المتهم المدان بالقتل في قضية منال عاصي ضحية العنف الأسري. وفيها استُخدمت تقنيات الغرافيك لبعث الضحية من موتها أمام زوجها محمد نحيلي، وهو نفسه الرجل المدان بقتلها، ثم تمنحه العفو من قبرها. وكانت منال قد تعرضت للتعذيب الوحشي لعدة ساعات على يد نحيلي، إلى أن توفيت متأثرة بجراحها حسبما أفادت التقارير.
وما تزال النساء اللّبنانيات يواجهن التمييز في القانون وفي وسائل الإعلام، لا سيما في قضايا العنف والاعتداء الجنسي. إذ تسيطر على البلاد ثقافة لوم الضحية المدعومة بإطار قانوني، ويقع عبء الإثبات على الضحايا لا المعتدين.
ونتيجةً لذلك، تشعر الضحايا بقلة الحيلة عند الحديث عن إقامة الدعاوى ضد المعتدين، إذ لا تُرجى نتيجة مرضية من ذلك.
وما يزال العنف ضد المرأة قضية خطيرة في لبنان؛ فقد سجلت دراسة استقصائية عام 2016 أن 31% من النساء تعرضن لعنف من أزواجهن، وأن 24% من الرجال قد اعترفوا بذلك. وتقول مجموعة أبعاد للمحاماة أن واحدة من كل أربع نساء في لبنان قد تعرضت لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي في حياتها.
كما أدت الأزمة الاقتصادية في لبنان، بالإضافة إلى جائحة كورونا، إلى تفاقم المشكلة، وتضاعفت حالات العنف الأسري في العامين الماضيين بشكلٍ ملحوظ.
الأبوية:
بات الإصلاح المطلوب للقوانين التي تحكم حياة المرأة معقدًا بسبب المشهد السياسي؛ فالنظام الطائفي في لبنان يعني تمثيل المصالح الدينية المختلفة وضرورة توازنها في البنيان التشريعي. وهو ما يعني أن الإصلاح يتطلب تغيرات جذرية في تشريعات طوائف البلاد ومذاهبها الدينية البالغ عددها 18 طائفة ومذهبًا.
فعلي سبيل المثال، لم يُمرّر قانون 2014 عن العنف الأسري الذي شمل حظر الاغتصاب الزوجي، إلا بعد أن حُذفت المادة المتعلقة بالاغتصاب الزوجي بضغط من السلطات الدينية.
كما أن قوانين الأحوال الشخصية التي تتحكم فيها المحاكم الدينية ما تزال متحيزة للرجال في شؤون الأسرة مثل الطلاق وحضانة الأطفال.
لكن مُرّر قانون التحرش الجنسي في ديسمبر من عام 2020 واستبشر به الناس خيرًا لعله يكون قانونًا فارقًا. وتوقّع كثيرون أن يشجع ذلك القانون المزيد من الضحايا على الإفصاح عما اصابهم، وأن يبدّل وجهات النظر السائدة عن التحرش. لكن القانون ظل معيبًا برأي بعض الجهات الحقوقية المعنية، لا سيما فيما يتعلق بالتحرش الجنسي في أماكن العمل.
وتُعد قضية المخرج والصحفي جعفر العطار الذي اتهمته عدة نساء بالتحرش “اختبارًا” للقانون، وتنتظر لبنان نتيجة تلك المحاكمة التي بدأت في نوفمبر من عام 2021.
وقالت حياة مرشاد: “لدينا في لبنان عقلية أبوية متجذرة في ثقافتنا وتقاليدنا وتصوراتنا ويدعمها نظام فاسد”.
وأردفت قائلةً: “إن أي تقدم في قضايا المرأة مثل زواج القاصرات أو الحضانة أو الزواج أو الطلاق، لم يتحقق إلا بعد مضي سنوات من نضال الحركة النسوية. وليس بسبب رغبة هذا النظام الفاسد في الإصلاح”.
وبيّنت مرشاد أن هناك تحيز لتطبيق هذه القوانين بطريقة تحول دون توفير الحماية الكاملة للمرأة، ولذلك تفقد النساء الثقة في النظام ولا يبلغن عن الجرائم التي يتعرضن لها.
وبينما ينتظر النشطاء نتيجة قضيتي العطار وحبيب، ما زالوا يطالبون بمحاسبة المؤسسات التي تسمح بمرور هذه الفظائع بلا عقاب، وينادون بتطبيق قوانين وُضعت لتحقيق العدالة.