غالباً ما يُطلب من أفيفيت (28 عاماً) وراشيل (26 عاماً) “العودة إلى افريقيا” إذ أنهما ليستا “يهود حقيقيين”. يخلط الاسرائليون بينهم وبين اللاجئين، ويشكون من أن طعامهم ذو رائحة كريهة. ووصل الأمر براشيل بأنها ما عادت تهتم إذا ما اعتبروها يهودية أم لا “ولدت هنا وجل ما أريده هو أن أعامل كباقي البشر”.
تعتبر هاتان الشقيقتان مجرد فردين من مئات الاسرائليين الأثيوبيين الذين حضروا إلى تل أبيب في مايو 2015، بعد أن فاض بهم الكيل، للتظاهر ضد العنصرية اللتي يعانون منها. اشتعلت شرارة غضبهم بعد مشاهدتهم مقطع فيديو انتشر كالنار في الهشيم ويُظهر ضابط شرطة يضرب بوحشية جندي عسكري إسرائيلي من أصول أثيوبية.
وقبل ثلاثة أيام على اندلاع الاحتجاجات، انطلقت أولى مظاهرات الاسرائليين الأثيوبيين وجلّهم من الشباب في القدس. وعلى الرغم من أن هذا التجمع قد انتهى في نهاية المطاف بنوعٍ من السلمية، إلا ان احتجاجات تل أبيب شهدت أعمال عنف بين كلٍ من المتظاهرين ورجال االشرطة. أصيب في هذه الاحتجاجات 7 متظاهرين و56 رجل شرطة في حين تم اعتقال 43 فرداً. ووفقاً للمتظاهرين، قامت الشرطة باستخدام “القوة المفرطة” لتفريقهم، بما في ذلك إرسال شرطة خيّالة نحو الحشود وإلقاء القنابل الصوتية. ومن جهة أخرى، قالت الشرطة أنه تم كبح التدخل لأطول فترة ممكنة.
ومع ذلك، كان الوقت قد حان لسماع صوت الاسرائليين الأثيوبيين تقول راشيل “جاء آباؤنا إلى اسرائيل قبل ثلاثة عقود ولطالما عانوا من التمييز ضدهم، إلا أنهم حافظوا على صمتهم، أما الآن فهذا جيلٌ جديد”. وبعد انطلاق المظاهرات في تل أبيب، نُظمت احتجاجات أيضاً في عسقلان وبئر السبع. “كشف المحتجون عن جرح مفتوح في قلب المجتمع الإسرائيلي” قال الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين. “المجتمع المتألم الذي يصرخ بسبب الشعور بالتمييز والعنصرية وعدم الرد عليه”.
في الواقع، تعود جذور التمييز ضد الأثيوبيين إلى بداية هجرتهم إلى اسرائيل. وفي عام 1950، نفذت إسرائيل “قانون العودة” والذي يسمح لجميع اليهود في جميع أنحاء العالم بالعودة والاستقرار في اسرائيل. ولكن، منذ البدية، لم يتم اعتبار اليهود الأثيوبيين “يهود حقيقيين”. وفي أواخر السبعينات، أنهى عوفاديا يوسف، وهو حاخام مزراحي حريدي هذا الخلاف لصالح الأثيوبيين. وفي عام 1984-1985 جاء حوالي ثمانية آلاف منهم من السودان، حيث أقاموا في مخيمات للاجئين. وبعد وصولهم أخيراً إلى اسرائيل، تعرضوا لأذى جسدي كبير، حيث أجبر الرجال على الخضوع لعملية ختان جماعي في حين قيل أن النساء تعرضن للتعقيم القسري.
واليوم، لا يزال يعاني 130,000 أثيوبي اسرائيلي من أعلى معدلات للفقر في المجتمعات اليهودية. ووفقاً للمشروع الوطني الأثيوبي ” تعاني ما نسبته 49% من العائلات الأثيوبية في اسرائيل من الفقر، وتكسب الأسر 63 سنتاً فقط”.
العنصرية في المجتمع الإسرائيلي
وباعتبارها طالبة في علم الجريمة، والتي ترتدي ملابس معاصرة، تعلم راشيل الاحصاءات جيداً. إذ تقول أن أربعة من أصل 10 سجناء في السجون الاسرائيلية للشباب من أصول أثيوبية، على الرغم من أنهم لا يشكلون سوى 2% فقط من مجموع السكان. “لا أقول أن جميع الأثيوبيين ملائكة” تقول شقيقتها أفيفيت التي تعيش في مدينة نتانيا الساحلية وتعمل في مستشفى للأمراض العقلية. “ولكن الأفراط في أعداد المسجونين أمر مثير للسخرية”.
ووفقاً لراشيل التي تُقيم في رمات غان، إحدى ضواحي تل أبيب، يُلقى القبض على الأثيوبي بسهولة أكبر لنفس الجرم من الاسرائيلي اليهودي الأبيض. وتقول أن هذا يعني أنه يمكن مقارنة الأثيوبيين بالعرب في اسرائيل. في النهاية، يُعاقب العرب أشد العقوبات على ذات الجرم التي يرتكبه اليهودي.
تعتقد أفيفيت أن المجتمع الاسرائيلي “مريض”. “لسنا الوحيدين الذين يتعرضون للتمييز، وكذلك الأمر بالنسبة للروس والمزراحيم، فعلى سبيل المثال يتم استبعادهم أيضاً”. “والمزراحيم هو مصطلحمعروف لليهود من أصول عربية، حيث حضر غالبيتهم إلى اسرائيل في الأعوام التي تلت عام 1948 عند إنشاء دولة إسرائيل. ورداً على إنشاء دولة إسرائيلية في وسط البلاد العربية، عمدت الدول لعربية على اضطهاد وطرد الجماعات اليهودية”.
أما الأشكناز، اليهود الذين كانوا يعيشون أصلاً في أوروبا الوسطى والشرقية، فلا زالوا يعتبرون الجماعات السكانية المفترضة في اسرائيل. وتقول أفيفيت أن هذا يتجلى في دراسة التاريخ ” يتعلم الأطفال الاسرائليين الكثير عن المحرقة (الهولوكوست)، حيث عاني غالبية الأشكناز. إلا أنهم لا يعرفون شيئاً عن تاريخ الأثيوبيين اليهود أو حتى عن المزراحيم”.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد في تل أبيب، وضعت مجموعة من النشطاء الاسرائليين الأثيوبيين مطالب معينة إتجاه السلطات الإسرائيلية. أولاً وقبل كل شيء، طالبوا بإحالة ضابط الشرطة الذي ضرب الجندي إلى المحاكمة. وعلاوة على ذلك، طالبوا أيضاً بإسقاط جميع التهم الموجهة ضد المتظاهرين الذين اعتقلوا خلال الاحتجاجات العنيفة في تل أبيب. وإن لم يحصل هذا، سيواصل الأثيوبيون الإسرائليون احتجاجاتهم، صرّح النشطاء. وعلى المدى الطويل، يريدون أيضاً أن يروا تحسينات في التعليم والإسكان والرعاية الاجتماعية للمجتمع الإسرائيلي الإثيوبي.
في هذه الأثناء، بدى أن السياسيين قد بدأوا فجأة بالاهتمام كثيراً حول مصير الاسرائليين الأثيوبيين. حيث التقى رئيس الوزراء بنيامن نتنياهو مع قادة المجتمع والجندي الذي تعرّض للضرب، داماس باكادا. أما في مظاهرة تل أبيب، فقد ظهرت نفتالي بينيت، زعيم الحزب السياسي اليميني المتطرف- البيت اليهودي، تتحدث الى المحتجين.
الشقيقتان أفيفت وراشيل غير مهتمتان حقاً بالسياسة. ففي 17 مارس، عندما أجريت انتخابات الكنيست لم تشارك أي منهما في التصويت. فهما لا تملكان أي أمل في أن نتنياهو، الذي شكّل حكومة يمينية في مايو، سيكون قادراً على فعل أي شيء لهم.
وتقول راشيل أنه ربما يتوجب عليها الانضمام إلى الشرطة بعد إنهاء دراستها. ” بصراحة أنا أكرههم، وبخاصة بعدما حصل الليلة. الشرطة عنصرية للغاية، ولكن ربما يتوجب علينا البدء بالتغيير من الجذور، هذه هي الطريقة الوحيدة”.