وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الوضع المؤسف للخدمات الصحية في مصر

Egypt- Egyptian public hospital
إمرأة تجلس على الأرض مع ابنها في مشفىً حكومي عام في محافظة الشرقية، مصر. Photo Nasser Nouri

اتخذت الحكومة المصرية خطواتٍ لتحسين قطاع الخدمات الصحية في البلاد، إلا أنّ بعض المسؤولين يعترفون أنّ التدابير المتخذة لا تزال غير كافية. ففي عام 2015، زار رئيس الوزراء السابق، إبراهيم محلب، مستشفيين ممولين من قِبل الحكومة، حيث أفيد أنه صعق من الأوضاع المتردية.

وتُظهر الصور التي نشرها أطباء على موقع فيسبوك من مستشفيات حكومية أخرى في أعقاب الزيارة، معداتٍ قذرة، وضمادات مغطاة بالدماء ملقاة على الأرض، ومياه المجاري تفيض داخل القاعات، والمرضى محاطون بالحيوانات الضالة.

حتى أنّ هناك نقصٌ في أسرّة المستشفى. ففي عام 2012، وجد البنك الدولي أن مصر لديها 0,5 سرير فقط لكل 1000 شخص. وفي المقابل، تمتلك إسرائيل 3,3 والمكسيك 1,5. وتُلقى باللائمة على قلة الإنفاق الحكومي، وعدم كفاية الموارد البشرية، والوصول غير المتكافىء. وعليه، أنفقت الدولة 2,2% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية عام 2014. وتنفق تركيا، التي لديها عدد سكان مشابه وقطاع رعاية صحية أكثر تفوقاً بكثير، ما بين 5 و6%.

ويتفق المهنيون في المجال الطبي والمنظمات غير الحكومية المحلية أنّ جودة الرعاية مريعة. لذلك، يعتمد العديد من المصريين على العيادات الخاصة مكلفة. وعلى الرغم من أن 54% من السكان مشمولون ببرنامج الصحة الحكومي، إلا أن 8% منهم فقط يزورون العيادات التي تمولها الدولة بصورة روتينية. وفي الواقع، يدفع 72% من السكان تكاليف الرعاية الصحية من جيوبهم. بينما لا يستطيع أفقر 27% من السكان، الذين يعيشون تحت خط الفقر، تحمل تكاليفها.

وقد حث دعاة الرعاية الصحية، مثل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ونقابة الأطباء، الحكومة على إنفاق المزيد على الرعاية الصحية. وتدعي الدولة أن القيام بذلك يتعارض مع تدابير التقشف الضرورية. وقبل ستة أشهر حصلت مصر على قرضٍ من صندوق النقد الدولي بشرط أن تنفذ عدداً لا يحصى من الإصلاحات المالية، إذ كان قطع الإعانات احداها. وفي الوقت نفسه، تواصل الحكومة تبذير الأموال على مشاريع التنمية رفيعة المستوى. وكما أشارت الإيكونوميست، أنفقت مصر ما يعادل ميزانية الصحة لسنة واحدة على بناء عاصمةٍ جديدة.

ولكن على الرغم من عقودٍ من إعانات الرعاية الصحية، لم يستفد منها الفقراء دائماً، إذ تحصل المستشفيات الجامعية لعُلية القوم على نصيب الأسد من الإعانات، في حين أن أفقر الكليات الجامعية الطبية تحصل على 11% فقط من الحصة السنوية، وفقاً لدراسة أكاديمية نشرت في مجلة العلوم الاجتماعية لعام 2015. وبالرغم مما ذكر، فقد أدخلت بعض التحسينات على قطاع الصحة العامة في السنوات الأخيرة. وذكرت منظمة الصحة العالمية أن معدلات وفيات الأطفال والأمهات في مصر قد انخفضت. ويعزى هذا النجاح إلى زيادة فرص الحصول على التطعيم وتحسن مهارات المساعدة أثناء الولادة.

ومع ذلك، لا يزال يتعين فعل المزيد. فعلى سبيل المثال، تظل الممارسات الخاطئة والفساد من القضايا الرئيسية. واستعرضت النيابة الإدارية المصرية 594 حالة فساد في عام 2014. وفي معظم الحالات، كان العاملون في المجال الطبي يترددون في مساعدة المرضى الجدد الذين يحتاجون إلى علاج طارىء. كما رفضوا في كثيرٍ من الأحيان الحضور أو استكمال مناوباتهم. وبعض الأطباء، اليائسون لإعالة أسرهم، وصفوا كميات أكبر من الأدوية أو قاموا بتشخصٍ خاطىء للمرضى لتوفير المزيد من المال، كما توفي العديد من الأطفال بعد حقنهم باللقاح الخاطئ.

وتُقدر منظمة الصحة العالمية أنّ مصر تُعطي ما يُقدر بـ281 مليون حقنة في العام. ويُشتبه في أنّ ما لا يقل عن 23 مليون منها غير آمن، مما يزيد من خطر العدوى. وقال هندريك بيكيدام، ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر، أنه على الرغم من وجود العديد من المستشفيات في البلاد، إلا أن معظمها يديرها طاقم طبي بتدريبٍ سيء. وقالت إحدى الطبيبات للمونيتور أنها شاهدت زملائها يقومون بإجراء عملياتٍ جراحية على مرضى مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (الأيدز) دون ارتداء القفازات، في حين أجرى آخرون عمليات ولادة دون قفازاتٍ أيضاً. ويتعرض العاملون في المجال الطبي لخطر الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي سي، وهو مرض لا يزال يؤثر على أعداد كبيرة من السكان.

وعلاوة على ذلك، لا يوجد تشريعٌ مُفصل يُجرّم الأخطاء الطبية. وهذا يعني أن المستشفيات والموظفين يتمتعون عموماً بالحصانة من الملاحقة القضائية. وقد ضغط النقاد على الحكومة لتأسيس لجنة أحادية لإصلاح ومراقبة القطاع الصحي. وفي الوقت الحاضر، تقع الرعاية الصحية تحت سلطة وزارات الصحة، والتعليم، والداخلية، والدفاع. كما تتمتع منشآت الرعاية الصحية الخاصة بهيمنةٍ كبيرة.

وقال أيمن السباعي، وهو باحث في مجال الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، للمنصة الإخبارية المحلية الناطقة باللغة الانجليزية، مدى مصر، أن هناك حاجة ماسة إلى هيئة مستقلة مكونة من وزراء وجهات فاعلة في المجتمع المدني وممثلي الرعاية الصحية الخاصة لتحسين نوعية الخدمات الصحية. ويمكن لمثل هذه اللجنة أيضاً معالجة مظالم العاملين في المجال الطبي. فعلى سبيل المثال، تُجبر رواتب الدولة المتدنية للغاية، العديد من الأطباء على فتح عياداتهم الخاصة. في الحقيقة، يمكن أن تصل رواتب الأطباء إلى حدود 890 جنيه مصري في الشهر، أي 49 دولاراً.

إن عدم وجود حافزٍ للعمل في القطاع الصحي العام يعني تعرّض المستشفيات المدعومة من قِبل الحكومة للإهمال. كما أن المستشفيات في المناطق الريفية أسوأ حالاً لأن العاملين في المجال الطبي يُفضلون العمل في المناطق الحضرية. ويظهر هذا التفاوت بوضوحٍ أكبر في صعيد مصر، حيث لا تتلقى سوى ما نسبته 49% من النساء في المناطق الريفية الرعاية السابقة للولادة، مقارنةً بما نسبته 75% في المدن.

ويشير النمو السكاني المتزايد بسرعة في مصر إلى أن الأزمة الصحية ستزداد سوءاً، وسيخلق العدد الكبير من الشباب تحدياتٍ مع تقدمهم في السن. وبالفعل، فإن القطاع الصحي غير مؤهلٍ لتلبية احتياجات 93 مليون نسمة. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى ما يقرب من 150 مليون نسمة.

وتشكل تدابير التقشف التي تلوح في الأفق تهديداً مباشراً. ففي عام 2016، رفعت الحكومة بشكل ملحوظ سعر 2,010 من الأدوية الصيدلانية، حيث أن أكثر من 600 من هذه الأدوية تستخدم لعلاج الأمراض المزمنة. وقالت الدكتورة منى مينا، أمين عام النقابة العامة للأطباء، أن البلاد كانت تواجه “خياراً فظيعاً،” والذي يتمثل إما في وقف توفير الأدوية التي تُنقذ الحياة أو جعلها مُكلفة لغالبية المواطنين. وترى مينا أنّ الوضع المؤسف للرعاية الصحية المصرية يرجع إلى إهمال الحكومة والخصخصة المندفعة للقطاع منذ السبعينيات.