بعد ثلاثة أسابيع من تأكيد وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات الجزائرية رسمياً تفشي وباء الكوليرا في العديد من المحافظات، تشير التصريحات الأخيرة من قِبل السلطات المحلية إلى أن انتشار المرض شديد العدوى أصبح تحت السيطرة اليوم.
فقد انخفض عدد حالات الكوليرا المشتبهة بها في المستشفيات “بشكلٍ ملحوظ في الأيام الأربعة الماضية،” بحسب بيانٍ حكومي نقلته وكالة الأنباء الجزائرية المملوكة للدولة في 2 سبتمبر 2018. وبعد خمسة أيام، أعلنت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات عن خروج آخر مرضى وباء الكوليرا من مستشفى في ولاية البليدة، جنوب غرب العاصمة الجزائر.
وفي آخر تحديثٍ لها حول حجم الأزمة في 30 أغسطس، أكدت وزارة الصحة وجود 74 حالة إصابة بالكوليرا في ست ولايات- 39 حالة في البليدة، و15 حالة في العاصمة الجزائر، و15 في تيبازة، و3 في البويرة، وواحدة في كل من المدية وعين الدفلى. فقد توفي شخصان في البليدة في وقتٍ لاحق بسبب تفشي المرض الذي يقول النقاد إنه يمكن تجنبه إلى حدٍ كبير. وكان المريض الذي تأكد لاحقاً بأنه أول مريض مصاب قد تم نقله إلى المستشفى في البويرة في 7 أغسطس، إلا أن الحكومة اعترفت بأنها كانت تتعامل مع تفشي وباء الكوليرا في 23 أغسطس فحسب.
وفي الأسابيع التي تلت ذلك، تعرضت الحكومة لإنتقاداتٍ حادة بسبب سياساتها الصحية الفاشلة في السنوات الأخيرة، وتعاملها الفوضوي والمشوش مع الأزمة. وقال مدير مصلحة الأوبئة بمستشفى مصطفى باشا في العاصمة الجزائر، عبد الوهاب بن قونية، لصحيفة الوطن في مقابلة لفتت الانظار، “لقد كان حدوث تفشي الكوليرا متوقعاً منذ يناير.”
فقطاع الصحة العامة في الجزائر يعاني من نقص التمويل المستمر، مما أدى إلى عدم كفاية المعدات والبنية التحتية البالية إلى جانب الافتقار إلى المواد الأساسية مثل الأدوية. ويشكو الأطباء والممرضين أيضاً من سوء ظروف العمل، خاصةً في المرافق الصحية في المناطق النائية.
فقد علق بن قونية قائلاً، “يمكن تشخيص [الكوليرا] بسهولة وأي تأخير لا يغتفر. إذا ما أصبح هذا وباءً اليوم، فيعود ذلك إلى التأخير في الإبلاغ عن الحالة واتخاذ التدابير الوقائية،” وأضاف أنه يعتبر الحكومة مسؤولةً عن “التخفيف الواضح” لبرامج الوقاية الطبية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي.
وبالفعل، دعا الحزب المعارض، جبهة القوى الاشتراكية، إلى تشكيل لجنةٍ برلمانية للتحقيق في ظروف تفشي المرض.
في هذه الأثناء، غضب الناس في جميع أنحاء البلاد بسبب رد الفعل الفوضوي للحكومة تجاه تفشي الوباء، الذي تم تسجيل ظهوره آخر مرة في البلاد في عام 1996. ووصفت الصحافية زهراء رحموني “موجة الذعر” التي تجتاح الجزائر على أنها عدم يقينٍ وشائعاتٍ حول مصدر الوباء، التي سيطرت على الخطاب العام والشارع لأسابيع.
ففي 6 سبتمبر فحسب أكدت وزارة الصحة في نهاية المطاف أنها حددت مصدر تفشي المرض بوادٍ ملوث في البليدة. ووفقاً لبيانٍ حكومي، فقد قام والي الولاية المؤقت، رباح أيت حسين، فوراً بوضع سلسلة من الإجراءات الطارئة لتنظيف وتطهير الوادي.
كما أثار الاكتشاف المتأخر لمصدر تفشي المرض المزيد من الغضب العام. تضاعف هذا عندما أصدرت وزارة الزراعة تأكيداتٍ بأن تناول الفواكه والخضروات آمن، وهي رواية يناقضها معهد باستور بالجزائر العاصمة فيما وصفته صحيفة الوطن “حرب معلومات.” وفي بيانٍ له، قال المعهد إن الفواكه والخضروات – إذا ما استهلكت نيئة – قد تكون مصدراً للكوليرا. غير أنه في الأول من سبتمبر، استبعد المعهد أي صلةٍ بين استهلاك المنتجات الزراعية المحلية وانتشار المرض.
كما حدث خلافٌ مماثل حول شائعاتٍ تقول بأن مياه الري أو الينابيع لربما تكون مسؤولة عن انتشار المرض. وبعد أن أشارت وزارة الصحة العامة إلى أن منبع سيدي لكبير في تيبازة ملوث ببكتيريا الكوليرا، أنكر توفيق عمراني، مدير الصحة بولاية تيبازة، إدعاء الحكومة في مقابلةٍ أجراها في 30 أغسطس مع قناة النهار الخاصة. كما ناقض عبد القادر بوعزقي، وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، تصريحات الحكومة، مؤكداً للعامة أن مياه الري لم تكن مصدراً للوباء.
في غضون ذلك، أفادت التقارير أن السلطات ألقت القبض على أكثر من 1700 مزارع في 15 ولاية بتهمة “ري المحاصيل بالمياه الملوثة، ودفن مواد غير صحية من شأنها تلويث المياه، وحفر الآبار لاستخراج المياه الجوفية دون ترخيص.”
من جهته، أشار المنفذ الإخباري TSA Algérie، إلى أن إمكانية تعقب المنتجات الزراعية في الجزائر سيئة. فالقطاع الزراعي غير رسمي إلى حدٍ كبير، مما يجعل من المستحيل تقريباً تتبع المنتجات الملوثة في السوق. وليس من المستغرب أن حالة عدم اليقين المستمرة بشأن منشأ تفشي المرض قد أثر على الصادرات الزراعية، حيث ورد أن روسيا وقطر وكندا أعادوا شحنات من البطاطا والتمر إلى البلاد.
وعلى الرغم من أن وزير الصحة، مختار حسبلاوي، قد أعلن أن الأزمة باتت تحت السيطرة، إلا أن العديد من الدول المجاورة اتخذت إجراءاتٍ وقائية. فالمغرب، على سبيل المثال، عزز الضوابط في مطاراته ومعابره الحدودية. وعلاوةً على ذلك، قامت الحكومة الفرنسية بتحديث معلومات السفر إلى الجزائر ووضعت خططاً لإجراءات تطهير الطائرات القادمة من المطارات الجزائرية.
وفي غضون ذلك، عقدت التنسيقية المستقلة للأطباء المقيمين الجزائريين (كامرا) مظاهرةً أمام مبنى وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات في الجزائر العاصمة في 2 سبتمبر. جاء ذلك في أعقاب تعليقٍ مؤقت لحملةٍ مدتها 8 أشهر بدأت منذ شهر يونيو من الإضرابات والاعتصامات. وعلى الرغم من أن التنسيقية المستقلة للأطباء المقيمين لم تتناول تفشي وباء الكوليرا بشكلٍ مباشر، إلا أنها طالبت وزير الصحة بالعودة إلى طاولة المفاوضات لمعالجة نقص التمويل بالمستشفيات ومشاكل أخرى تواجه قطاع الصحة العامة.