نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على الإشكاليات المتعددة التي يواجهها المجتمع الدولي على خلفية إفرازات ما طبقه تنظيم “الدولة الإسلامية” من منهاج دراسية على الأطفال في مناطق سيطرته السابقة في سوريا والعراق. ويرى صاحبا المقالة جيمس موريس، طالب الدكتوراه في الأمن الدولي وحقوق الأطفال بجامعة كوينزلاند، وتريستان دانينغ، المحاضر المختص في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر بكلية الاستفسارات التاريخية والفلسفية في نفس الجامعة، أن تنظيم الدولة الإسلامي صدم العالم خلال السنوات القليلة الماضية بما قدّمه من عروضٍ عامة مثيرة للاشمئزاز. وبحسب موريس ودانينغ، فإن استخدام تنظيم “الدولة الإسلامية” العلني للأطفال كمقاتلين في الصفوف الأمامية وكمنفذين للهجمات الانتحارية وكأدوات دعائية يتناقض مع حساسياتنا الأخلاقية.
ومن ممارسات “الاختفاء والبحث” المرعبة، والتي كان يقوم خلالها الأطفال باصطياد السجناء الأعداء وقتلهم في متاهاتٍ تم بنائها بشكلٍ خاص لهذا الغرض، ووصولاً إلى عمليات الإعدام الجماعي وقطع رؤوس البالغين، فقد تشرّب الشباب والأطفال الذين كانوا يعيشون في كنف تنظيم “الدولة الإسلامية” مبادئ وأفكار التنظيم بالتزامن مع تشجيعهم على المشاركة في هذا العنف.
وفي هذه الأثناء، شرعت الحكومة شبه النظامية لتنظيم “الدولة الإسلامية” بإقامة نظامٍ تعليمي يهدف بشكلٍ صريح إلى تلقين الأطفال الذين يعيشون تحت كنفهم مبادئ ومعتقدات التنظيم بالتزامن مع تسليحهم.
وبحسب موريس ودانينغ، فقد كانت طريقة تعليم الرياضيات تعتمد على حساب الزيادة العددية التي يتمتع بها تنظيم “الدولة الإسلامية” على مستوى المقاتلين في مواجهة القوى المناهضة له. كما كانت طريقة تعليم الكيمياء تعتمد على مناقشة طرق استنشاق الغاز. أما التربية البدنية، فقد ركزت على الوضعيات الصحيحة للجسم أثناء إطلاق النار من الأسلحة المختلفة.
وتم دعم ما يحصل عليه الأطفال من “تعليم” بممارسات العنف الانتقامي والمفرط في بعض الأحيان لمواجهة المجموعة الواسعة من القوى الملتزمة بتدمير تنظيم “الدولة الإسلامية”. ويتعرض الأطفال، أثناء ذلك، للعنف المروّع بصورةٍ يومية – ليؤدي ذلك دون أدنى شك إلى توليد الصدمات وخلق مظالم حقيقية طويلة الأمد.
تنظيم “الدولة الإسلامية” يستخدم الجنود الأطفال بطريقةٍ مختلفة
يرى صاحبا المقالة وجود فارق جوهري بين استخدام تنظيم “الدولة الإسلامية” للجنود الأطفال وما يتم تطبيقه من ممارسات أخرى في هذا المجال. ولم يقم التنظيم بتجنيد الجنود الأطفال فحسب، بل قام بعسكرة الأنظمة التعليمية بطريقةٍ ممنهجة في المناطق العراقية والسورية التي تم الاستيلاء عليها، ليحوّل بذلك أطفال المنطقة إلى قنابل أيديولوجية موقوتة.
وتم تدريب الأطفال على استخدام الأسلحة الخفيفة قبل سنوات مراهقتهم، حيث تم إشباع هؤلاء الأطفال بعلامة التنظيم الفارقة على مستوى التعليم “الديني” العنيف وغير المتعاون ابتداءً من عمر الخامسة. وبالطبع، فإن ذلك يعتبر تحدياً جديداً للمجتمع الدولي بحسب ما يراه موريس ودانينغ.
وفي الوقت الراهن، يبدو أن ما بذله التنظيم من جهودٍ لإقامة دولته باء بالفشل. إلا أن إنقاذ الأطفال المعرضين لعقيدته وأولئك الذين تشربوا هذه العقيدة يلعب دوراً محورياً في تجنب شن المزيد من الهجمات الإرهابية في الغرب، ومعالجة الأسباب الرئيسية للاضطرابات الإقليمية، والعمل نحو مستقبلٍ يستطيع فيه الأطفال اللعب عوضاً عن القتال، فضلاً عن توفير المدارس التي تقوم بدورها التعليمي عوضاً عن إجراء التدريبات.
ما تم تعليمه للأطفال
يعتبر النشاط العسكري، ونزعة التفوق التي تعتمد على فهم التنظيم للإسلام، والحاجة لإلحاق الهزيمة بالكفار جزءاً لا يتجزأ من كتبه التعليمية. وتقوم مقاطع الفيديو المختلفة، والتي تم إنتاجها عبر التحقيقات الصحفية وبواسطة تنظيم “الدولة الإسلامية” نفسهه، بإظهار الجانب العملي الأكبر للتعليم تحت حكم التنظيم. ويجري تعليم الأطفال كيفية إطلاق النار من الأسلحة الخفيفة واستخدام القنابل اليدوية.
وعلى الرغم من إجبار تنظيم “الدولة الإسلامية” للأطفال على الانضمام بصورةٍ واسعة إلى صفوفه، فقد انضم العديد من الأطفال طواعيةً – بمباركة عائلاتهم أو بدونها. ويرى صاحبا المقالة أن تجنيد الأطفال بالقوة من عدمه لا يحظى بأهمية على المدى الطويل، وهو ما يثير القلق على أوسع نطاق.
ويتمثل شغل تنظيم “الدولة الإسلامية” الشاغل في بناء ولاء الأطفال والحفاظ عليه. وتعتبر عبارة “أشبال الخلافة” بمثابة صورةٍ مصغرة لكيفية تصوره لهم. فالأشبال يتسمون بالجموح وضعف التنظيم وبالاعتماد على الإرشاد القوي (وفي بعض الأحيان) العنيف من قبل شيوخهم.
وبمزيدٍ من الوقت والموارد والصبر، قد يتحوّل هؤلاء إلى جيلٍ من المقاتلين وأصحاب المثاليات، حيث سيقومون برعاية الأيديولوجيا الخاصة بتنظيم “الدولة الإسلامية”، حتى في حال كانت النكسات العسكرية الحالية التي يواجهها التنظيم قاضية.
البرامج بحاجة إلى منهجية جديدة
أحرزت برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة التأهيل التي تم تصميمها لإعادة دمج الجنود الأطفال في المجتمع بعد انتهاء الصراع تقدماً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية. ويأتي ذلك نتيجة التطور المتواصل للشراكة العسكرية والمدنية في إطار السعي لإيجاد عالم خالٍ من النزاعات. إلا أن المنهجية المنظمة والدقيقة التي يعتمد عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” في تعامله مع كافة أطفال المنطقة تشكّل تحدياً جديداً.
ويقول موريس ودانينغ: “من الممكن استيعاب تفسير التراجع السريع للتنظيم مع اقتراب زواله، وهو ما يستدعي التعامل مع تقنيات إعادة التأهيل التقليدية بوصفها علاجاً مناسباً لمنطقةٍ أخرى تتعافى من العنف الذي نتج عن التمرّد الراديكالي المسلح. إلا أن هذا الصراع كان غير معتاداً بشكلٍ كبير في وتيرته وتكتيكاته وآثاره – سواءً أكان ذلك في الوقت الراهن أو في المستقبل”.
وعلى هذا النحو، يتوجب علينا، بحسب ما يراه صاحبا المقالة، إعادة النظر في الفرضيات الأساسية لما يعنيه تحفيز السلام في المجتمع. ويبدأ هذا مع الأطفال الذين يعتبرون عرضةً للتطرف الأيديولوجي لتنظيم “الدولة الإسلامية” وغيره من المجموعات المسلحة.
وإذا ما كان هناك سلام دائم في المناطق التي تم تحريرها من براثن تنظيم “الدولة الإسلامية”، فإنه ينبغي النظر إلى البرامج باعتبارها عملية مجتمعية واسعة النطاق. وحتى في عدم مشاركة الأطفال بشكلٍ مباشر في نشاطات تنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا أن ذلك لا يعني عدم قيام التنظيم بقولبة نظرتهم نحو العالم ودعم فلسفتهم الخاصة تجاه الحياة. وقد يكون هذا النوع من الفلسفات منتجاً بشكلٍ خاص في منطقةٍ يسود فيها الاستياء من التدخل والاستغلال الأجنبي – الغربي ويأخذ فيها وجوهاً متعددة.
ما يمكن القيام به
يرى الكاتبان أنه من الضرورة بمكان تنفيذ العمليات المنتظمة لتحديد المقاتلين الأطفال، ونزع سلاحهم وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم عبر إعادة التأهيل (كضمان قدرتهم البدنية والعقلية على الاندماج في مجتمعاتهم) والمصالحة (تطوير السلام، والثقة والعدالة بين الأطفال ومجتمعاتهم). إلا أنها غير كافية إلى حدٍّ كبير في هذه الحالة.
ويندر وجود مثل هذا النوع الممنهج من التطرّف والعسكرة للشباب. ولذلك، ينبغي على الاستجابة الدولية أن تكون بعيدة المدى ومنهجية على حدٍّ سواء. وتأتي العملية السريعة لإعادة التأهيل والنظر في المناهج الدراسية التي كانت تطبقها مدارس تنظيم “الدولة الإسلامية” السابقة على رأس قائمة الأولويات. وينبغي على الحكومات الوطنية والمحلية ضمان حماية الأطفال من عمليات التجنيد الإضافية عبر وضع منهاجٍ دراسي مستمد من مبادئ التسامح والاندماج.
ومن الضروري تطوير المبادرات محلية التنفيذ لقياس مستوى التطرف بين أطفال المجتمع ولإنشاء أماكن ملائمة للشباب يتاح لهم فيها التواصل مع المجتمع والارتباط من جديد بالمجتمع الأوسع و”نسيان” ما تبنوه في عهد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويختم موريس ودانينغ مقالتهما بالتالي: “سيساعد هذا النوع من الممارسات على مداواة جراح احتلال تنظيم “الدولة الإسلامية” بالتزامن مع ضمان التخلّص من موجة العنف الدورية. وإذا ما تم تنفيذ ذلك بالطريقة الصحيحة، فإنه سيعيق قدرة التنظيم على النهوض من جديد”.