كانت “الصحوة الإسلامية” – المعروفة باسم الصحوة – واحدةً من أقوى الحركات الاجتماعية والسياسية في المملكة العربية السعودية. تعود أصولها إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما فر الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من القمع العنيف في جميع أنحاء المنطقة، وخاصة مصر، وجاءوا إلى المملكة المحافظة.
تم منح العديد منهم مناصب بارزة في الجامعات والوزارات الحكومية وأنشأوا علاقاتٍ وثيقة مع الحكام السعوديين.
وبحلول السبعينيات، ضمت الصحوة العديد من الجماعات الدينية غير الرسمية، كان أكثرها شعبية السرورية- التي سُميت على اسم الشيخ السوري محمد سرور زين العابدين- وجماعة الإخوان المسلمين السعودية، التي لم تكن تابعة رسمياً قط للمنظمة الأم في مصر.
فقد أكد الدكتور سعد الفقيه، وهو سعودي يعيش في المنفى في المملكة المتحدة، والذي تأثر بالصحوة ويرأس اليوم حركة الإصلاح الإسلامي في الجزيرة العربية، أنه لا توجد أيديولوجية “صحوة” واحدة ذلك أنها حركة إحيائية تشمل جماعاتٍ مختلفة مع وجهات نظرٍ مختلفة قليلاً. ومن الأمور المشتركة بينهم جميعاً أنهم استلهموا من تعاليم الإخوان التقليدية، التي تنص على أن القوانين والأخلاق الإسلامية يجب أن تحكم البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
وبخلاف الإخوان، حافظت الصحوة على مبادئها الوهابية. فقد أشار الفقيه إلى أن صعودها متجذرٌ في ثلاث أحداثٍ محورية في التاريخ السعودي.
كان أولها عندما استولى عريفٌ سابقٌ في الجيش، جهيمان العتيبي، على المسجد الحرام في 4 نوفمبر 1979. في ذلك الوقت، كان ولي العهد الأمير فهد بن عبد العزيز يحاول الدفع لإجراء إصلاحاتٍ اجتماعية رئيسية، حيث أجبره الحادث على تقليص خططه لاسترضاء الإسلاميين السعوديين ورجال الدين المدعومين من الدولة.
كما كانت الثورة الإيرانية في نفس العام عاملاً رئيسياً آخر، إذ قال الفقيه إن أول مرشدٍ أعلى في إيران، روح الله الخميني، كان شخصيةً يتمتع بالجاذبية بالنسبة للكثير من السُنة في المملكة. وخوفاً من الهيمنة الإيرانية، شجعت المملكة ورعت العديد من رواد الصحوة لنشر صورة عن ملكية سعودية أخلاقية تهدف إلى نشر الخير.
العامل الثالث، بحسب الفقيه، هو أن هؤلاء الرواد تلقوا تعليماتٍ أيضاً لإقناع الآلاف من المسلمين إما بتمويل أو القتال إلى جانب المجاهدين في أفغانستان ضد الغزو السوفييتي.
بقي التعاون بين القيادة السعودية وبين هؤلاء الرواد قوياً إلى أن غزا العراق الكويت في عام 1991. وخوفاً من أن يهاجم العراق المملكة أيضاً، طلب الملك فهد نشر القوات الأمريكية على الأراضي السعودية. أثارت هذه الخطوة ضجةً بين شيوخ الصحوة البارزين، الذين كان جميعهم خارج دائرة رجال الدين المدعومين من الدولة.
إذ قال الفقيه، “لم يُصدم الناس أو [قادة الصحوة] بغزو صدام حسين للكويت. ما صدمهم كان قرار الملك السماح للقوات الأمريكية بالدخول إلى الجزيرة العربية، وأن رجال الدين الرسميين أصدروا فتوى لإضفاء الشرعية على الطلب السعودي.” وأضاف “يُهيمن الفكر الوهابي على المملكة، بمعنى أن طلب المساعدة من غير المسلمين [يجب] تحريمه حتى وإن كان دفاعاً عن النفس.”
فقد تم سجن شيوخ بارزين من الصحوة أمثال سلمان العودة وسفر الحوالي وناصر العمر بعد ذلك بثلاث سنوات لتحديهم العلني القيادة السعودية والدعوة إلى إصلاحاتٍ جذرية. وبعد سحق الحركة، احتفظ النظام السعودي بكراهيةٍ عميقة تجاه الإخوان المسلمين، التي ألقى باللائمة عليها في قيادة موجةٍ من المعارضة. وخلص النظام إلى أن الصحوة على علاقةٍ مباشرة مع الإخوان المسلمين.
تراجعت حدة هذا الاستياء عندما تم الإفراج عن معظم الشخصيات البارزة من الصحوة في عام 1999، مما أشار إلى إحتمالية تقاربٍ ممكن. فقد كتب ستيفان لاكروا، وهو عالمٍ سياسي وخبيرٌ في حركة الصحوة، إن وفاة شيوخ محترمين من رجال الدين المدعومين من الدولة أوجدت حاجةً لدى العائلة المالكة للتحالف مع الصحوة. ومن خلال القيام بذلك، كان يأمل آل سعود بأن يحظوا بشرعيةٍ دينية بينما يساندون حملةً ضد الجهاديين.
وعليه، اغتنمت العديد من شخصيات الصحوة الفرصة لمحاربة التهديد المتزايد للجهادية، في حين انشغل البعض الآخر بالوعظ ضد مخاطر المجتمعات الليبرالية.
في الغالب، لم يكن لدى النظام أي سببٍ للتخوف من الصحوة إلى أن اندلع الربيع العربي في عام 2011. فقد أجبر سقوط الأنظمة في تونس ومصر العشرات من شخصيات الصحوة على توقيع التماسات تدعو إلى إصلاحاتٍ سريعة في المملكة. كان هناك عريضة واحدة بعنوان “نحو دولة الحقوق والمؤسسات” بينما حملت عريضة أخرى عنوان “دعوةٌ للإصلاح.”
فقد ذهب العودة، الذي كان قد غيّر من صورته ليصبح أكثر اعتدالاً، أبعد من ذلك. ففي عام 2013، نشر رسالةً مفتوحة إلى الملك عبد الله يدعوه فيها إلى إجراء إصلاحات.
وعلى الرغم من أن أياً من قادة الصحوة دعم دعوةً للتظاهر، إلا أن حشدهم السياسي كان يرعب النظام. فقد فاقم صعود حكومات الإسلاميين في تونس ومصر من مخاوفهم، خاصة بعد أن زار محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر وعضو جماعة الإخوان المسلمين، العاصمة الإيرانية طهران في أغسطس 2012. وفي ظل الخوف من التحالف بين الإخوان وإيران، دعمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بحماس انقلاباً عسكرياً في مصر، مما أسفر عن رد فعلٍ عنيف في المملكة.
وكتب لاكروا: “وقعّت جميع الشخصيات الرئيسية في الصحوة على عرائض وبياناتٍ تدين الانقلاب، وبمصطلحاتٍ أكثر أو أقل وضوحاً، إدانة دعم الحكومة السعودية له.”
وعلى الرغم من انتشار معارضة الانقلاب، إلا أن أسباب هذه المعارضة تفاوتت، حيث جادل بعض رجال الدين أنه يُحظر الإطاحة بحاكمٍ مسلم، في حين رفض آخرون الانقلاب على أساس الدفاع عن الديمقراطية الانتخابية.
وفي ظل عزمه على سحق المعارضة، كثف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حملة القمع ضد الإسلاميين السعوديين، وبخاصة رجال الدين الذين لطالما كانوا ينتسبون لحركة الصحوة.
وبالتالي، ألقي القبض على العودة مرةً أخرى في سبتمبر 2017، بعد وقتٍ قصير من نشر تغريدة كان يبدو أنها تدعو إلى المصالحة مع قطر. فقد حاصرت المملكة العربية السعودية الدولة الخليجية الصغيرة في يونيو 2017 بسبب مزاعم دعمها للإرهاب. ومنذ ذلك الحين، وجهت النيابة العامة السعودية للعودة 37 تهمة وتطالب بإعدامه.
وتعليقاً على اعتقال العودة، قال لاكروا لرويترز إن حملة القمع تمثل محاولةً أوسع لسحق الإسلاميين في المملكة، بغض النظر عما إذا كانوا يعارضون النظام أم لا. وإذا ما فترضنا أن هذا صحيح، إلا أن سجن النشطاء العلمانيين أيضاً يجعل من الواضح أن محمد بن سلمان يحاول سحق جميع أشكال المعارضة، لربما خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى اضطراباتٍ أوسع.
وكتب لاكروا في مجلة فورين بوليسي: “الصحوة مثل الإخوان المسلمين في مصر: قد لا يكونوا من يبدأ الاحتجاجات، إلا أنها لن تنجح دونهم.”