Chronicle of the Middle East and North Africa

آل الأسد: نهاية الهيمنة العلوية والحكم البعثي (الجزء 4-4)

مع سقوط نظام الأسد، انتهى عهد الهيمنة الطويلة التي مارسها العلويون. وقد انتقلت السلطة من جديد—وبالدرجة الأولى—إلى أعضاء من الأغلبية السُّنية، كما كان الحال قبل صعود حزب البعث إلى الحكم عام 1963.

نهاية الهيمنة العلوية
فسيفساء جدارية ضخمة للرئيس حافظ الأسد، أُقيمت عام ١٩٩٣ في حرستا، على الطريق السريع الرئيسي بين دمشق وحلب. (تصوير: © فرديناند سميت، ١٩٩٤).

نيقولاوس فان دام*

نهاية الهيمنة العلوية
الرئيس حافظ الأسد مع ولديه بشار (على اليسار) وباسل (على اليمين)، على ملصق في حلب يحمل عبارة: “قائدنا إلى الأبد، الوفي حافظ الأسد”. (الصورة: © نيكولاوس فان دام، 1995).

فرار بشار من سوريا

جاء سقوط نظام بشار الأسد عام 2024 بمثابة مفاجأة كبرى للجميع تقريبًا—بما في ذلك دول عربية مثل السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة، التي كانت قد تخلّت منذ زمن بعيد عن جهودها لإسقاطه. ونتيجة لذلك، كانت قد استعادت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، بل وتمت إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية كعضو كامل العضوية في عام 2023.

كما لم يكن متوقعًا أيضًا أن النظام لن يُبدي في أواخر عام 2024 أي مقاومة تذكر في وجه الهجوم الذي شنّته هيئة تحرير الشام، ذات التوجه الإسلامي السنّي، مع حلفائها العسكريين، والذين سيطروا لاحقًا على البلاد. وكانت مواجهة دموية بين الهيئة وقوات النخبة التابعة لنظام البعث تبدو أكثر ترجيحًا.

لكن، وبدلاً من ذلك، فرّ بشار الأسد سرًا من سوريا إلى موسكو في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. وقد كان جيشه، الذي أصابه الإحباط الشديد، شبه عاجز عن المقاومة، الأمر الذي جنّب البلاد المزيد من إراقة الدماء غير المجدية.

ومع ذلك، لم يكن في الإمكان محو الخراب الكارثي الذي خلّفه حكم بشار: فقد قُتل مئات الآلاف من السوريين، وتعرّض أكثر من اثني عشر مليونًا للتهجير من منازلهم، منهم أكثر من سبعة ملايين فرّوا إلى الخارج، بينما أصبحت أجزاء واسعة من سوريا في حالة دمار شامل. وسيحتاج المجتمع السوري إلى أجيال عديدة قبل أن يتمكن حتى من بدء عملية التعافي.

وقد قدّم نائب الرئيس السوري الأسبق ووزير الخارجية السابق، فاروق الشرع، في مذكراته—التي لم يكن بالإمكان نشرها لأسباب عملية إلا بعد رحيل الرئيس—حكمًا قاسيًا ونهائيًا على بشار الأسد:

أدركت، مع الأسف، متأخراً، وفي خضم الكارثة التي عصفت بسورية منذ 2011، أن لديه بعض الميول السيكوباتية، وهي حالة نفسية يفتقد أصحابها كليا للمشاعر؛ فلا خوف من العواقب، ولا شعور بالندم تجاه الخطأ، ولا تفاعل مع آلام الناس أو حتى هموم المحيطين به. قد تبدو بعض هذه الصفات، أول وهلة، صلابة أو جسارة، لكنها جسارة تفتقد بشدة للحكم عندما تصبح الأمور أشد تعقيداً والمواقف أكثر صعوبة.

وأشار فاروق الشرع إلى أن بشار، حتى قبل أن يصبح رئيساً بسنوات، حين كان لا يزال عقيداً صغيراً، قد أظهر بالفعل شيئاً من غطرسة السلطة، كونه ابن الرئيس:

كان العقيد بشار الاسد يقيس درجة الولاء له بمدى قبول الضابط الأعلى رتبة عسكرية منه السير إلى جانبه أو خلفه، وليس أمامه بأي حال من الأحوال حتى لو كان جنرالا. سمعت هذا الأمرمنه مباشرة؛ إذ اشتكى إليّ مرة أن اللواء إبراهيم صافي، قائد إحدى أبرز الفرق العسكرية، كان يتخطاه ويمشي أمامه حين يزور لبنان.

وأخيراً:

إن ما جرى فاق فعليا ما خلفته جحافل هولاكو [المنغولي] من قتل ودمار في بلاد الشام قبل مئات السنين… غير أن المفارقة أن عصر هولاكو في الماضي السحيق كان أكثر رحمة من هذا العصر الحديث…

]وكان[ بشار الأسد يحلم أن يحظى بما حظيت به المملكة العربية السعودية … ويحوّل الجمهورية الى مملكة عندما تقترب نهاية ولايته من استحقاقها لتصبح “المملكة العربية الأسدية.”…

لكن أحلامه غير الواقعية لم تتحقق بوضوح.

شكل جديد من “الحكم السُّني المُهيمن”

مع سقوط نظام الأسد، انتهى عهد الهيمنة الطويلة التي مارسها العلويون. وقد انتقلت السلطة من جديد—وبالدرجة الأولى—إلى أعضاء من الأغلبية السُّنية، كما كان الحال قبل صعود حزب البعث إلى الحكم عام 1963.

ومع ذلك، فإن الخلفيات والانتماءات الأيديولوجية للحكام السُّنة المحافظين الجدد تختلف اختلافًا كبيرًا عن أولئك الذين كانوا في السلطة قبل الحقبة البعثية.

علاوة على ذلك، فإن “الحكم السُّني المُهيمن” لا يعني بالضرورة أن من هم في السلطة يمثلون حقًا غالبية السكان السُّنة—تمامًا كما لم يكن الحكام العلويون يمثلون الأقلية العلوية بأكملها.

ومهما يكن، فإن الوضع الحالي لا يُشكل عودة إلى النظام القديم، بل هو بالأحرى بروز دينامية سياسية جديدة كليًا.

نيقولاوس فان دام هو السفير الهولندي السابق لدى كل من إندونيسيا وألمانيا وتركيا وأذربيجان ومصر والعراق، وكذلك المبعوث الخاص السابق لسوريا. وهو مؤلف كتاب “الصراع على السلطة في سوريا” وكتاب “تدمير وطن: الحرب الأهلية في سوريا” وكتاب “رحلاتي الدبلوماسية في العالم العربي والإسلامي”.الموقع الإلكتروني http://nikolaosvandam.academia.edu

Advertorial
Advertisement
Fanack Water Palestine