وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النظام السوري والقوى الخارجية: الغرب وتركيا

استراتيجية النظام السوري
أرملة سورية نازحة تختبىء مع أطفالها تحت غطاء في مخيم بالقرب من قرية ترحين في منطقة خاضعة لسيطرة الفصائل المدعومة من تركيا في ريف حلب الشمالي في 5 أيلول 2021. تسبب تدهور الليرة التركية والتي أصبحت الآن العملة الرئيسية في الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا بمزيد من المعاناة للناس التي تعيش في هذه المنطقة الذي مزقتها الحرب وتحولت في السنوات الأخيرة إلى محمية تركية بحكم الأمر الواقع. Bakr ALKASEM / AFP

كتبه: نبيل محمد، صحفي وكاتب سوري
حرره وأشرف عليه: محمد كفينة، محرّر أوّل في فنك
إريك برينس، محرّر أوّل في فنك                           

المقدّمة

لم تكن علاقة سوريا مع الغرب جيّدة تاريخيًا، خاصةً في فترة حكم الرئيس الأسبق حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار الأسد. وكانت صورة الغرب تُقدَّم للشعب السوري بشكل دائم، سواء عن طريق الإعلام الرسمي أو مناهج التعليم، على أنّه “إمبريالي” و”استعماري”. وكان الغرب ممثّلاً بالولايات المتحدة وغالبية الدول الأوروبية، ويوصَف بأنه حليف لإسرائيل؛ العدو التاريخي للنظام السوري.

ونفّذ الغرب العقوبات الاقتصادية والحصار تجاه النظام السوري مرارًا وتكرارًا في أكثر من فترة عبر الزمن. وتختلف الأسباب حسب الحدث، بدءًا من دعم حافظ الأسد للثورة الإيرانية في إيران عام 1979، وصولًا إلى الدور الذي لعبه الجيش السوري في لبنان في ثمانينات القرن الماضي، بالإضافة إلى الأزمة السورية المندلعة منذ مارس عام 2011.

ولكن مرّت علاقة النظام السوري مع الغرب، خاصةً الولايات المتحدة، بمراحل جيّدة نسبيًا، إلّا أنها كانت مؤقتة وقصيرة. ومنها ما جاء بعد تأييد الأسد الأب للتحالف الدولي ضد نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عند غزوه الكويت عام 1990.

وفي عهد الأسد الابن، ورغم دعواته للانفتاح على الجميع في بداية فترة حكمه، إلّا أن العلاقة مع الولايات المتحدة والغرب لم تتحسّن. وبدأ التأزّم الحقيقي بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري في بيروت عام 2005، حيث وجَّهت الكثير من الأطراف الغربية حينها أصابع الاتّهام إلى النظام السوري وحلفائه في الجريمة، كما اتّهمته بتعطيل التحقيقات حولها.

الولايات المتحدة

في بداية الاحتجاجات ضد النظام السوري، لم تُظهِر الولايات المتحدة نيّة حقيقية للتدخّل في سوريا قبل مواجهة النظام للشوارع المنتفضة بالأسلحة النارية. وفي ذلك الوقت، كان الملف الليبي شاغلًا واشنطن والدول الغربية بشكل عام، حيث كانت حازمة في مسألة إسقاط نظام الزعيم الليبي السابق معمّر القذافي. أما نظرتها لنظام الأسد فكانت متروّية، خاصةً وأن الأسد كان قد اتّجه قبل بداية الاحتجاجات للانفتاح على الغرب، كما أنه أبدى بوادر سلام مع إسرائيل.

واقتصرت التصريحات الأمريكية خلال عام 2011 و2012 على القول “إن أيام الأسد معدودة“. وكان ذلك من دون سلوكٍ حقيقيّ يتصدى لعمليات الجيش السوري العسكرية في البلاد، والتي كانت تحصد أرواح العشرات يوميًا خلال تلك الفترة.

استراتيجية النظام السوري
سوريون يتجمعون بالقرب من عربة خبراء أسلحة تابعين للأمم المتحدة أثناء قيامهم بتفتيش موقع يشتبه في تعرضه لهجوم مميت بالأسلحة الكيماوية في 28 أغسطس / آب 2013 في منطقة الغوطة الشرقية في الضواحي الشمالية الشرقية لدمشق. قالت جماعة ناشطة في الهيئة العامة للثورة السورية نقلاً عن قوات المعارضة إن مفتشي الأمم المتحدة وصلوا إلى منطقة الغوطة الشرقية تحت حماية مقاتلي المعارضة. محمد عبدالله / وكالة الصحافة الفرنسية

واتّهمت سياسة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما سوريا بأنها “فاشلة ومتردّدة“، خاصّةً بعد التهديد الذي وجّهته الولايات المتحدة إلى نظام الأسد في حال استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. وقال أوباما أن تلك الأسلحة هي بمثابة “خط أحمر”، لكن لم يحدث شيئًا من كل ما قيل رغم استخدام الأسد لتلك الأسلحة عدّة مرات. وكان أوّلها وأوضحها في منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2013.

ومع بداية نشوء التنظيمات الجهادية في سوريا، وفي مقدّمتها تنظيم “الدولة الإسلامية“، كرّر النظام السوري تحذيره للغرب من مغبّة ما يحدث، لافتًا في أكثر من مرة إلى أنه يقاتل الجهاديين وأنهم سيحكمون البلاد في حال غيابه. وبالفعل، كان رد فعل الولايات المتحدة حاسمًا تجاه الانتشار الجهادي في سوريا. وكان التدخّل العسكري الأوّل لها هو ضد تنظيم الدولة الإسلامية، حيث بدأت بتوجيه ضرباتها في سوريا والعراق بالتعاون مع مجموعة من الدول الغربية والعربية. وكان ذلك في سياق ما عُرِف بـ “التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية”.

وفي خريف عام 2014، نشر الرئيس أوباما 2000 جندي في سوريا. وبدأت أسراب المقاتلات الأمريكية بقصف مواقع التنظيم، كما بدأت الولايات المتحدة بدعم قوات محلية كردية لمقاتلة تنظيم الدولة على الأرض، إلى أن تمّ القضاء عليه بشكل شبه تام خلال عام 2019.

ولم يكن موقف الأسد من التدخّل الغربي العسكري في سوريا جادًا، حيث اكتفى بالقول بأنه تدخّل “غير شرعي“. وأشار في أكثر من مناسبة إلى أن الدول التي تحارب تنظيم الدولة، هي نفسها الدول التي ساهمت بنشوء هذا التنظيم.

واتُّهِم النظام السوري الذي شنّ عملياته العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في البادية السورية ومناطق أخرى من البلاد، بأنّه يخوض في علاقات اقتصادية مع التنظيم ويشتري منه النفط، بل ويسهم في تسيير منشآت التنظيم النفطيّة. ولم يكن ذلك خافيًا عن الغرب، التي كانت من أوائل الجهات التي أصدِرت بحقّها عقوبات، هي وحلفاء النظام المتعاملين اقتصاديًا مع تنظيم الدولة الإسلامية.

ورصدت عدسات الإعلام في فترة الحرب ضد “تنظيم داعش” موقفًا واضحًا من قِبل الجيش السوري. فهذا الأخير يقوم باستهداف المدن والقرى السورية بشكل مركّز، لكنّه يتحاشى ضرب أهداف رئيسية لداعش داخل عاصمته الرقّة، على الرغم من سهولة رصد ومعرفة تلك المواقع بالنسبة للنظام. ويقول مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في بحث صادر عنه يرصد العلاقة بين تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد، أنه “لولا دعم النظام السوري وتسامحه، لما كان تنظيم الدولة الإسلامية ليتطوّر بين عامي 2012 و2015”. كما اتّهمَ البحث نظام الأسد بـ “تحرير الإرهابيين من السجون السورية والمساعدة في تمويل التنظيم من خلال شراء النفط والقمح منه”.

وكان هذا الدعم ذا أهداف واضحة خلال تلك الفترة، وهي إطالة عمر الصراع ضد التنظيم على اعتبار أنّه يلفت الأنظار بعيدًا عن ممارسات نظام الأسد في سوريا، ويخلق قضية عالمية كُبرى تُتيح له التصرّف في الظلّ. تلك القضية تجعل الأخبار عاجلة على كل الشاشات، خاصّةً بممارسات تنظيم الدولة لا بممارسات النظام السوري.

ولعِب وقف الصواريخ العشوائية، الموجّهة من قِبل النظام السوري ضد إسرائيل، دورًا كبيرًا في نظر القوى الغربية وتل أبيب لهذا النظام بصفته أداة فاعلة يمكن الاعتماد عليها لإيقاف هذه الظاهرة. وعليه، فإن هذا الدور ساهم في بقاء النظام على رأس السلطة في سوريا.

النظام ليس هدفًا للولايات المتحدة

بقي النظام السوري بعيدًا عن مرمى النيران الأمريكية إلى أن وجّه الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب أوّل ضربة عسكرية استهدفت مواقع تابعة للجيش السوري في أبريل عام 2018، ردًا على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية. لكن، تلك الضربة كانت محدودة ولم يكن الهدف منها إسقاط النظام السوري حينها وفق التصريحات الأمريكية. فمن جهة، لم يكن يتجاوز رد النظام السوري على تلك الضربة حدود الشجب والانتقاد. لقد كان رد اعتاده هذا النظام تجاه العمليات العسكرية الأمريكية في سوريا، ما يدلّ على أنّه لا يريد فتح أي جبهة عسكرية مباشرة ضد الولايات المتحدة. ومن جهةٍ أخرى، استهدف النظام بعض الأهداف لحلفاء الولايات المتحدة داخل سوريا كما حدث عام 2016 مع الأكراد.

ومنذ عهد أوباما مرورًا بعهد ترامب ووصولًا إلى عهد بايدن، كانت العقوبات الاقتصادية هي السلاح الأوضح الذي تواجه به الولايات المتحدة الأمريكية النظام السوري. ولم يخل عام منذ 2011 وحتى عام 2022 من مرور قوانين وعقوبات استهدفت كيانات وشخصيات وشركات سورية، لتشمل بذلك كبار السياسيين والاقتصاديين وعائلة الأسد بتفرّعاتها، إضافةً إلى كُبرى الشركات والبنوك السورية. وتراوحت التهم بين علاقاتٍ مع إيران الخاضعة لحزمة عقوبات أمريكية وغربية كبيرة، وعلاقات اقتصادية مع تنظيمات مصنّفة إرهابية في الغرب، إضافةً إلى تنفيذ ودعم عمليات عسكرية ضدّ المدن والقرى السورية.

استراتيجية النظام السوري
جنود أمريكيون يقومون بدوريات في منطقة بالقرب من بلدة المالكية شمال شرق سوريا (ديريك باللغة الكردية) في 5 كانون الأول 2021. المصدر: Delil souleiman / AFP

وكانت ذروة قوانين العقوبات الأمريكية ضد النظام السوري حزمة العقوبات المسمّاة بـ “قيصر“، التي صدرت عام 2020. سُمِّي القانون بهذا الاسم نسبةً إلى مصوّر عسكري انشقّ عن النظام السوري في عام 2014، وسرّب عددًا كبيرًا من الصور التي توثّق سقوط آلاف القتلى تحت التعذيب في سجون النظام السوري. وأهم نقاط القانون كانت تلك التي فرضت عقوبات على أي شخص أجنبي يقدّم دعمًا ماليًا أو ماديًا أو تقنيًا للحكومة السورية، إضافةً إلى عقوبات على أي شخص أو مجموعة تلعب دورًا عسكريًا داعمًا للنظام السوري أو للقوات الإيرانية أو الروسية العاملة في سوريا. وشملت العقوبات أيضًا الكيانات التي تعمل تجاريًا مع النظام السوري، فتشتري منه أو تبيعه، وتلك التي تبرم عقودًا خاصةً بإعادة الإعمار في سوريا.

وساهم القانون، وغيره من قوانينٍ سابقة ولاحقة، بعزلة النظام السوري دوليًا. كذلك، تفاقمت الأزمة الاقتصادية والتضخّم الذي وصل إلى حدود كبرى رافقته أزمات متعدّدة بالموارد والقطع الأجنبي والخدمات، لتنهار العملة المحلية إلى مستويات لم تصل إليها تاريخيًا.

ولم يوفّر النظام السوري أي جهد للتهرّب من قوانين العقوبات التي تستهدفه، فقد اعتمد على طريقتين. الأولى هي دعم الدول الحليفة له من خلال قروض ماليةٍ ضخمةٍ تحصل عليها جهات سورية، وهي قروضٌ تضمن فيها استمرارية زمنية لنشاطها المالي والاقتصادي وحتى العسكري. والثانية، وهي الأهم، تتضمّن إنشاء شركات بأسماء وهمية، حيث تتجنّب بها الشركات والشخصيات الحقيقية قوانين العقوبات وتضمن سير أعمالها في سوريا.

أوروبا

يمكن اختصار الموقف الأوروبي مما يجري في سوريا منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا، بما يعلنه موقع بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، بالإيمان بالحلّ السياسي كمخرج من الأزمة. بالإضافة إلى ضرورة “اجتثاث داعش” وغيرها من الكيانات الإرهابية المدرجة على لوائح الأمم المتحدة. ويشير ذلك إلى أن التدخّل الأوروبي العسكري الوحيد تقريبًا هو ضمن سياق التحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة. أما في ما يخصّ بقية تفاصيل الصراع، فتراوحت دول الاتحاد الأوروبي بين ثلاث سلوكيات. أوّلها الإسهام بالدعم الإنساني، ثانيها الدعوة أو رعاية التفاوض، وثالثها المشاركة بالعقوبات الاقتصادية على النظام السوري وأطراف الصراع.

ولم يخفّ قلق غالبية الدول الأوروبية مما يجري في سوريا عند بداية مواجهة الاحتجاجات فيها بالرصاص. وتراوحت المواقف بين من دعا إلى وقف العنف وضرورة اللجوء إلى حلٍّ سياسيٍّ، ومن هاجم النظام السوري ودعا الأسد إلى الرحيل وفتح الأبواب للمعارضة السورية. وكانت فرنسا في مقدّمة تلك البلدان، ولعلّها كانت صاحبة الموقف الأوضح بهذا الخصوص.

وأوّل وأوضح ردود النظام السوري تجاه الدول الأوروبية، كان على لسان وزير الخارجية السوري السابق وليد المعلم الذي دعا حينها الشعب السوري إلى نسيان قارة أوروبا وتجاهُل وجودها على الخارطة.

كذلك استغلّ النظام السوري وجود فصائل إرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية وسواها لتوجيه أنظار الولايات المتحدة بعيدًا عنه. كما تم استخدام ورقة الإرهاب كوسيلة للتعامل مع الدول الأوروبية، ولعلّ الخطاب السوري الموجّه إلى أوروبا تضمّن تهديدًا مباشرًا بالإرهاب. وقد جاء على لسان مفتي سوريا السابق أحمد بدر الدين حسّون تهديد مباشر بإرسال الانتحاريين إلى الغرب في عام 2011.

استراتيجية النظام السوري
شوهد الآلاف من طالبي اللجوء ينتظرون في طوابير التسجيل ودخول مخيم اللاجئين المؤقت الجديد في جزيرة ليسبوس في اليونان بعد الحريق الذي دمر مخيم موريا للاجئين وينتظر هؤلاءالخضوع لاختبار فيروس كوفيد 19 بعد التسجيل حيث يتم عزل الأشخاص المصابين بالفيروس في منطقتين محددتين. 18 أيلول 2020. المصدر:Nicolas Economou / NurPhoto / NurPhoto via AFP

وبالفعل انشغلت أوروبا بمكافحة العمليات الإرهابية على أرضها، والتي تبنّى تنظيم الدولة الإسلامية تنفيذ غالبيتها، خاصةً خلال السنوات 2015 و2016 و2017. وطالت يد الإرهاب مواقع مدنيّة وحيوية في كل من هولندا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا والسويد وبلجيكا وألمانيا وغيرها.

وكانت قضيّة اللاجئين هي الأخرى واحدة من الضغوطات التي تعرّضت لها أوروبا جراء ما يجري في سوريا، حيث تدفّق وما زال يتدفّق آلاف اللاجئين من سوريا نحو دول أوروبية عدّة، في رحلةِ لجوءٍ اختلفت طرقها وأساليبها. أما ألمانيا والسويد وهولندا وبلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية، وجدت نفسها أمام موجات لاجئين هاربين من الحرب في بلدهم. ووجّهت بعض الدول الأوروبية حينها اتّهامات شتّى للنظام السوري وحليفه الروسي، بأنهما يستخدمان قضية اللاجئين للضغط على الغرب ولزعزعة استقرار الدول الأوروبية. وقد جاء على لسان وزير الخارجية الروسي عام 2018 قول: “أصغر خطأ في الحسابات في سوريا قد يؤدي إلى موجات جديدة من المهاجرين”.

وبدأ الاتحاد الأوروبي منذ عام 2011 بفرض أشكالٍ من العقوبات على كيانات سورية مختلفة، تراوحت بين منع شخصيات محدّدة من دخول دوله، وفرض عقوبات اقتصادية تستهدف أشخاص وشركات سوريّة أو متعاونة مع النظام السوري، بشكل يشابه السلوك الأمريكي. وكان موقف الاتحاد الأوروبي واضحًا بأنّه “لا يمكن التطبيع أو رفع العقوبات أو إعادة الإعمار قبل أن ينخرط النظام السوري في عملية انتقالٍ سياسيّ والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254″.

وكانت الحكومة السورية تنتقد باستمرار عقوبات الاتحاد الأوروبي، حيث حمّلها النظام السوري مرارًا مسؤولية تردّي أوضاع السوريين، بل وطالب الاتحاد الأوروبي بدفع تعويضات للشعب السوري جراء هذه العقوبات.

تركيا

تقلّبت العلاقات السورية التركية تاريخيًا بين توطيد ونزاع، إلّا أنها شهدت فترة ذهبيّة امتدّت خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وكانت بداية تحسّن العلاقات مع توقيع اتفاق أضنة عام 1998، وهو اتفاق أمني، ثم جاءت قمّة التحوّل إلى علاقات وديّة مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة عام 2004. وبدأ تبادل الزيارات بين الأسد ورئيس الحكومة التركية آنذاك رجب طيب أردوغان.

ومع بداية تأزّم الأوضاع في سوريا، بدأت الحكومة التركية تدعو النظام السوري لإجراء “حوار وطني”. وبعد عام من بداية الأحداث السورية، أغلقت سفارتها في دمشق وأعلنت تعليق العلاقات الدبلوماسية. وسريعًا ما بدأت باستضافة مؤتمرات وجلسات التكتلّات السياسية السورية المعارضة، ودعا أردوغان الأسد إلى التنحي عن الحكم.

وتحوّلت تركيا بسرعة من صديق للحكومة السورية إلى عدوٍّ لها. وعبّر الأسد في حوار أجرته معه جريدة “جموريت” التركية في يوليو عام 2012 عن استيائه من الموقف التركي، متّهمًا تركيا بالتورّط في “الأحداث الدموية” و”تأمين الدعم اللوجستي للإرهابيين”.

وأصبحت تركيا خلال عام 2012 وما بعده واحدة من المتّهمين الأوائل في كل ما يجري، إلى جانب دول عربية وأجنبية أخرى. ولم يكد يخلو خطاب أو حوار صحفي يجريه مسؤول أو محلّل سياسي داعم للأسد، من اتهامٍ لتركيا بدعم المجموعات المسلحة المعارضة، وبالتآمر “لإسقاط الدولة السورية”.

استراتيجية النظام السوري
رجال يحفرون قبرًا خلال جنازة مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية في مدينة القامشلي ذات الأغلبية الكردية شمال شرق سوريا في 10 آب 2022 وذلك بعد يوم من مقتله إلى جانب ثلاثة آخرين في غارة جوية نفذتها طائرة تركية بدون طيار.. وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أفاد بأن الهجوم وقع بالقرب من مستشفى في القامشلي، العاصمة الفعلية لإدارة كردية ذاتية شبه مستقلة تدير أجزاء كبيرة من شمال شرق البلاد. وقال المرصد إن الضحايا الأربعة قتلوا أثناء قيامهم بحفر خنادق بالقرب من الحدود التركية تحسبا لهجوم جديد هددت أنقرة بشنه منذ أيار. المصدر: Delil SOULEIMAN / AFP

وفي الجانب العملي، كان أوضح سلوك قام به النظام السوري في سياق عدائه لتركيا، هو التغاضي عن نشوء قوى مسلّحة كردية في مناطق من الشمال الشرقي والغربي السوري، أي على الحدود التركية. واعتبرت تركيا تلك القوى جزءًا من حزب العمل الكردستاني الذي تصنّفه كحزبٍ إرهابيٍّ وتواجهه عسكريًا في مختلف مناطق انتشاره. وعلى الرغم من تسمية النظام السوري للقوى الكردية بأنّها “خائنة” ومدعومة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، إلّا أنه تجنّب المواجهة العسكريّة معها، مع العلم أن هناك الكثير من مواقع الالتماس الجغرافي بين الجيش السوري والقوى الكردية في مدن وأرياف الشمال الشرقي.

وفي كثيرٍ من الأحيان، وُصِفت العلاقة بين القوى الكردية والجيش السوري بأنها “علاقة تحالف“، على الرغم من النفي الكردي المتواصل لذلك والتعبير عن أن مسألة بقاء الأسد أو عدمها ليست قضيتها. واعتُبِر السلوك البارد من قِبل الحكومة السورية تجاه انتشار القوى الكردية ونشوء الإدارات الذاتية الكردية، بمثابة ورقة ضغط يرفعها نظام الأسد في وجه تركيا.

وكانت القضية الثانية التي حكمت العلاقة بين النظام السوري وتركيا هي مسألة المناطق الخارجة عن النظام السوري، والتي تحكم أغلبها مجموعات متحالفة مع تركيا. وفي الواقع، يمكن القول أن علاقة النظام السوري مع تركيا في مناطق إدلب وريفها كانت محكومة من قِبل روسيا الحليفة للنظام السوري. وكان الجيشان التركي والروسي يسيّران دوريات مشتركة لضمان وقف إطلاق النار، بعد اتفاق بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ولكن بين فترة وأخرى، تخلّل الاتفاق معارك بين القوى التركية والقوى المعارضة السورية المدعومة منها ضد الجيش السوري.

وكانت بلا شك قضية اللاجئين – التي تمّت الإشارة إليها كوسيلة ضغط استخدمتها الحكومة السورية في وجه أوروبا – قضية ضغط أيضًا استُخدِمت في وجه تركيا التي ينتشر في مدنها العدد الأكبر من اللاجئين السوريين. وتُحدّد إدارة الهجرة التابعة لوزارة الخارجية التركية عددهم بـ 3,762,686 لاجئ سوري حتى نهاية أبريل عام 2022.

وفي ربيع عام 2022 تم تداول أخبار ومقالات صحفية تشير إلى بداية تقارُب بين الحكومة السورية والتركيّة، إلّا أن تلك الأخبار كانت مجرَّد تكهّنات إلى أن بدأت مصادر رسميّة تركية بالحديث عن بوادر تفاهمات جديدة مع دمشق. كلّ ذلك بالتوازي مع الحديث المتواصل للمسؤولين الأتراك عن اقتراب عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، الذين يُعتبر الاتفاق حولهم نقطة من بين عدّة نقاط مطروحة في سياق العلاقات بين دمشق وأنقرة. وبلا شك، يأتي في مقدّمتها نشاط القوى الكردية في الشمال السوري.

Advertisement
Fanack Water Palestine