وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الانتقال الديمقراطي في تونس 2014-2019

بين عامي 2014 و2019، عادت تونس إلى نقطة الصفر. فرغم التحول الديمقراطي وبشائر التغيير التي شهدتها البلاد بعد ثورة 2010، تدهور الوضع الاقتصادي في تونس وتواصلت الفوضى السياسية. ومع عودة الاحتجاجات والتظاهرات، تبيّن أنّ مكاسب الثورة أصبحت في خطر.

الانتقال الديمقراطي في تونس
الأمن التونسي يمنع المتظاهرين العاطلين من اقتحام مبنى حكومي في أثناء احتجاجات شعبية في ولاية القصرين في 22 يناير 2016.Yassine Gaidi / ANADOLU AGENCY / Anadolu via AFP

كتبه: C.R. Pennell أستاذ سابق في تاريخ الإسلام والشرق الأوسط, جامعة ملبورن أستراليا

حرره: إريك برينس

المقدمة

فقد اندلعت الثورة عام 2010 بعد إشعال محمد البوعزيزي النار في نفسه في ولاية سيدي بوزيد الفقيرة جنوبي البلاد. وفي ديسمبر عام 2018، أقدم تونسي آخر على الفعل نفسه في ولاية القصرين الجنوبية الفقيرة أيضاً، وذلك احتجاجاً على الحرمان الاقتصادي والاجتماعي نفسيهما، فضلاً عن فشل الحكومة ذاته في الإتيان بأي حل يُذكر. وكان ذلك مؤشراً على فشل الثورة في الفترة ما بين 2014 و2019.

لكن ذلك كان مخالفاً للتحول الديمقراطي الذي بدا واعداً عقب ثورة 2010. إذ أُجريت الانتخابات التشريعية والرئاسية وفق الدستور الجديد على التوالي في أكتوبر ونوفمبر 2014.

رئاسة الباجي قايد السبسي

في الانتخابات التشريعية التي أُجريت عام 2014، حصد السبسي (بدعم من نداء تونس) 86 مقعداً مقابل 69 مقعداً للمنصف المرزوقي (بدعم من حزب النهضة)، وذلك من أصل 217 مقعداً في مجلس نواب الشعب (خليفة المجلس الوطني التأسيسي).

وكان ذلك انتصاراً للحزب العلماني، فقد خسرت حركة النهضة ما كان في الواقع استفتاء على تاريخها بصفتها حركة أيديولوجية وحكومة بين عامي 2011 و2014. ولكن نداء تونس لم يفز بالأغلبية المطلقة، إذ اقتسم الحزبان الكبيران أصوات المقترعين بينهما. وكان شمال تونس بوجه عام مؤيداً للسبسي ونداء تونس، بينما أيّد الجنوب حركة النهضة.

وفي الانتخابات الرئاسية التي أعقبتها في نوفمبر 2014، فاز السبسي، الذي شغل منصب رئيس الحكومة المؤقتة عام 2011، بالرئاسة ممثلاً عن حزب نداء تونس، ليصبح أول رئيس منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد.

تقسيم الأصوات بين المرشحين في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التونسية في كل البلاد. الولايات باللون الأحمر صوّتت لصالح الباجي قايد السبسي، بينما صوّتت الولايات باللون الأخضر لصالح المنصف المرزوقي.

(المصدر: ويكيبيديا)

مثّل انقسام الأصوات إشكالية أمام السبسي وطرحت عليه السؤال الأهم: كيف يمكن منع حالة انعدام الثقة من التدهور إلى مواجهات عنيفة تمزّق البلاد؟

في عهد بن علي وبورقيبة، سعت مؤسسة الرئاسة إلى الاستئثار بسلطة مطلقة، في حين كان الصراع الأيديولوجي بين المؤسسة العلمانية المهيمنة والتيار الإسلام السياسي طاغياً على المشهد. وكان ذلك الصراع إقليمياً بقدر ما كان دينياً. إذ بدأت ثورة عام 2010 في جنوب تونس ووسطها، أي في مناطق مثل سيدي بوزيد والقصرين ثم امتدت إلى العاصمة. وهكذا بدأت الثورة بصفتها حركة تعبّر عن الفقراء قبل أن تجتذب الطبقة الوسطى في العاصمة. إذ أفضى بروز مراكز قوى جديدة في الجنوب والمناطق النائية إلى تقويض النخب القديمة في تونس العاصمة والمدن الساحلية في شرق البلاد.

كما ساهمت في ذلك السياسات الأيديولوجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إذ مثّلت تونس المصدر الأكبر، مقارنةً بحجم السكان، للمقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية منذ الإعلان عن إقامة “دولة الخلافة في العراق وسوريا”. إذ يتراوح عدد المقاتلين الذين ذهبوا إلى العراق وسوريا ما بين 3000 إلى 5000 تونسي، ثم توجهت بوصلتهم إلى ليبيا عام 2014 مع الإعلان عن تأسيس ولاية للتنظيم هناك. ولم تنجح خطة التنظيم في تأسيس ولاية في تونس، وذلك رغم تنفيذ الوحدات التابعة له عدة هجمات كبرى عامي 2015 و2016. وقد حظي القتال في صفوف تنظيم الدولة بمكانة عظيمة بين صفوف الجماعات الجهادية التونسية مثل “جند الخلافة”.

أمّا على الصعيد الداخلي، فقد حاول السبسي دمج المنافسين السياسيين بطريقة أو بأخرى أملاً في تكوين شراكة معهم تساهم في معالجة الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية الإقليمية. وبصفته زعيماً لحزب نداء تونس، عرض على حركة النهضة تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة بعض الأحزاب الصغيرة. وبذلك استهدفت سياسة الحكومة الحفاظ على تماسك الائتلاف. ولكن ذلك عقّد من إمكانية معالجة المشكلات الثلاث الأصعب التي واجهت البلاد: نمو التطرف الإسلامي، وتدهور الاقتصاد، وإعداد برنامج العدالة الانتقالية الذي من شأنه إعادة بناء ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة.

أوكل دستور عام 2014 مهمة تحقيق العدالة الانتقالية إلى هيئة الحقيقة والكرامة. ولكن سرعان ما تراجع دورها بعد الانتخابات. ويرجع ذلك لأسباب مختلفة أبرزها عدم استعداد الحزبين الكبيرين للتعامل مع الفساد المالي للنظام القديم. واتبع السبسي اتجاهاً يهدف إلى التركيز على أهمية المصالحة الاقتصادية وإعفاء نظام بن علي من الملاحقة القضائية بتهمة الفساد.

ومن جهتها، ركزت حركة النهضة على انتهاكات حقوق الإنسان بدلاً من الفساد. ولكن ذلك أخلّ بجانب مهم من العدالة الانتقالية. وعرض قانون المصالحة العفو من الملاحقة القضائية بتهم الفساد على رجال الأعمال والموظفين الذين دعموا نظام بن علي. لكن ذلك كان معناه مكافأة المستفيدين من نظام بن علي بدلاً من معاقبتهم. وعلاوة على ذلك، قوّض ذلك الإجراء شرعية الجمهورية الجديدة التي خرجت من رحم الاحتجاجات ضد جرائم النظام السابق.

تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية

تسبب تآكل شرعية الحكومة التونسية في نمو الجريمة والفساد في المناطق النائية والمحرومة من البلاد. فجمع التجار في المناطق المتاخمة للجزائر وليبيا ثروات كبيرة من أعمال التهريب، وحصنوا أنفسهم من خلال دعم الأحزاب السياسية الجديدة التي تتمركز في تلك المناطق المحرومة. وبذلك استغلوا هذه الأحزاب لبناء قواعد إقليمية ساعدتهم على الاستفادة من السلطات المركزية. وأدى ذلك إلى تفاقم التوترات بين ولايات الساحل وتونس العاصمة من جهة، والمناطق الداخلية والجنوبية من جهة أخرى.

امرأة تونسية تنبش في أكوام من القمامة في منطقة فقيرة بمدينة القصرين بوسط تونس في 25 أبريل 2018. HATEM SALHI / AFP

استمرت الظروف الاقتصادية المتدهورة التي شهدها مطلع الألفية بعد الثورة حتى أثارت غضب كثير من الشعب، إذ شعروا بأنّهم لم يجنوا فائدة تُذكر من ثورة 2010 وسقوط النظام السابق. كان الاقتصاد يتدهور بوتيرة متسارعة، وشهدت تكاليف المعيشة ارتفاعاً حاداً. وبحسب مجموعة الأزمات الدولية، كانت الاضطرابات السياسية مسؤولة إلى حد ما عن توقف 17% من المنشآت الصناعية التي تضم أكثر من 10 موظفين بين عامي 2010 و2022. كما انخفض متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2011 و2019 إلى 1.6% بعدما بلغ 4.4% خلال السنوات العشر السابقة. فتزايدت الاحتجاجات، بدءاً بالعاملين في القطاع العام.

وفي ظل هذه التوترات، بدأ اتحاد نداء تونس والنهضة في الحكومة الائتلافية يتفكك. إذ كان نداء تونس يفتقر إلى أيديولوجية مشتركة يتميز بها سوى معارضة عدو مشترك. وكذلك كان انقسام قادة الحزب يعكس الخلافات الشخصية والعائلية بينهم، ما أدى إلى سعي الأعضاء إلى الانفصال تدريجياً. وبين أواخر عام 2015 وبداية عام 2016، كان أكثر من نصف نواب نداء تونس قد استقالوا من الحزب، ومن ثمّ فقد الحزب الأكثرية التي كان يتمتع بها في مجلس نواب الشعب. وفي أغسطس 2016، سحب مجلس النواب الثقة من الحكومة المتعثرة، ورشح نداء تونس يوسف الشاهد ليكون رئيس الحكومة الجديدة. لكن ذلك تزامن مع بروز خطر جديد.

الإرهاب الجماعات الإسلامية

في عام 2015، نفذ عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية عدة هجمات إرهابية على أهداف تونسية. إذ هاجم ثلاثة مسلحون متحف باردو في تونس العاصمة في شهر مارس وقتلوا 21 شخصاً معظمهم من السياح الأجانب. وفي يونيو، قتل مسلح بمفرده 38 شخصاً معظمهم من السياح على شاطئ سوسة. وكان ذلك الهجوم الإرهابي الأسوأ على الإطلاق في تاريخ تونس، وارتفعت التساؤلات على المستوى الدولي لتشكك في إمكانية نجاح عملية التحول الديمقراطي. وأدى الهجوم إلى استقطاب بين الإسلاميين ومعارضيهم.

وكان أول قرارات الحكومة هو إغلاق المساجد التي تعدّها مراكز للجماعات الإرهابية. ولكن ذلك لم يكن سوى خطوة صغيرة على طريق حل تلك الإشكالية، فالإسلاميون المتطرفون في تونس كانوا يتلقّون شرعيتهم وتمويلهم من الخارج، وبالتحديد من تنظيم الدولة والقاعدة. وأدركت الحكومة أنّ القمع ليس كافياً وأنّها بحاجة إلى استراتيجية شاملة جديدة من أجل القضاء على الإرهاب.

الانتقال الديمقراطي في تونس
مجموعة من التونسيين يحملون لافتات ويهتفون في أثناء مظاهرة أمام المسرح الوطني التونسي في تونس العاصمة عقب الهجوم الإرهابي في متحف باردو في 18 مارس 2015. وكان مسلحون إرهابيون قد اقتحموا المتحف وقتلوا 21 شخصاً، من بينهم مسلحيْن، وأصابوا ما لا يقل عن 22 آخرين من بينهم سياح أجانب. وظهرت على اللافتات عبارات مثل “كلنا باردو” و “لا عاش في تونس من خانها”. Yassine Gaidi / ANADOLU AGENCY / Anadolu via AFP

وتطلبت هذه المهمة معالجة الأسباب الجذرية للعنف، بالتوازي مع إعادة هيكلة قوات الأمن لتصبح أقوى وأكثر مرونة. كما تعالت بعض الأصوات التي طالبت بتحسين التعاون الأمني ​​بين الحكومة التونسية والحكومات الأخرى في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

وفي مارس عام 2016، أنشأت الحكومة اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب لتنسيق الجهود المبذولة استجابةً للعنف الإسلاموي. إلا أنّها لم تكن بالمهمة السهلة، فالتنافس بين مختلف الهيئات الحكومية كان أحد العقبات، ناهيك عن الخلافات الأيديولوجية بين أعضاء اللجنة حول كيفية الرد على التهديدات الأمنية ومستوى القمع اللائق.

ولكن خطر التطرّف الإسلامي أصبح أقل خطورة عام 2017 بفضل عوامل خارجية لم يكن للحكومة التونسية يد فيها. إذ خفت نجم تنظيم الدولة الإسلامية، المصدر الرئيسي للتطرّف في المنطقة، بعد أن برزت إلى الذروة عام 2015. ومنذ عام 2017 فصاعداً، تراجعت قوته ونفوذه بشكل ملحوظ حيث فقد كثيراً من مناطق سيطرته فضلاً عن تجارة النفط المربحة في العراق وسوريا، ما أدّى إلى تراجع تمويل المنظمات الإرهابية التونسية بالتبعية.

تمكنت الحكومة التونسية بعد استخدام القمع الشديد من السيطرة على الإرهاب الإسلاموي، حتى انخفضت وتيرته بوضوح في تونس في ذلك العام، إذ فرّ كثير من الجهاديين التونسيين قاصدين أوروبا (وتحديداً فرنسا وألمانيا).

تصاعد الاحتجاج السياسي

بعيداً عن العوامل الخارجية، واجهت حكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد تحديات كثيرة في حل الأزمات الاقتصادية والسياسية داخل تونس. وزادت الاحتجاجات المطالبة بتوفير فرص العمل، والتنمية الاقتصادية في المناطق الداخلية الفقيرة، وتحسين الأجور، وإتاحة التعليم المجاني، ووضع حد لبطش الشرطة، ومكافحة الفقر.

وفي مايو ويونيو 2017، أغلق المتظاهرون محطة للنفط وجزءاً كبيراً من شبكة توزيع الطاقة في تونس. وبحلول سبتمبر، تأزم موقف الشاهد، ووصل خلافه مع أعضاء آخرين في قيادة الحزب إلى تجميد عضويته، ما جعله يتعاون مع حزب النهضة.

وبحلول نهاية العام، بدا أنّ جميع المؤشرات الاقتصادية لا تبشر بخير. فوفقاً لمنظمة العمل الدولية، وصلت معدلات البطالة بين الشباب إلى أكثر من 35%، ولم تتعاف السياحة بعد الهجمات الإرهابية، كما انخفضت العملة بنسبة 60% منذ عام 2011. ووصل التضخم إلى 7.3% عام 2018، مقارنة بنحو 3.2% عام 2011، وارتفعت أسعار اللحوم والمواد الغذائية الأخرى بنسبة أكبر من 10% عن العام السابق. وفي ديسمبر 2017، أبلغ صندوق النقد الدولي الحكومة التونسية بضرورة اتخاذ إجراءات لخفض العجز الحكومي.

التضخم في تونس في العقد التالي لثورة 2010. المصدر: البنك الدولي

وفي يناير 2018، رضخت حكومة السبسي والشاهد لضغوط الدائنين الدوليين للتعامل مع أزمة الديون. وفُرضت إجراءات تقشفية تمثلت في زيادة الضرائب على بعض المواد الغذائية (الفواكه والخضروات)، وكذلك فُرضت ضرائب على الإسكان ووقود المركبات وبعض الخدمات الضرورية مثل الإنترنت وبطاقات الهاتف. وسرعان ما اندلعت الاحتجاجات بعد ذلك.

بدأت المظاهرات الحاشدة في تونس العاصمة في 7 يناير، وسرعان ما انتشرت في جميع أنحاء البلاد. وفي غضون أيام، اعتقلت السلطات أكثر من 900 متظاهر، بينما أقدمت الحشود على إحراق مراكز الشرطة والهجوم على مسؤولين ورجال شرطة. ونشرت الحكومة الجيش لحماية المصارف والمباني الحكومية في المدن الرئيسية. وقال أحد المتظاهرين في مقابلة مع بي بي سي: “إذا لم يستجيبوا لمطالبنا، فسوف نطالب بحل مجلس النواب”.

سارعت الحكومة لاحتواء الاحتجاجات، فذهب السبسي لزيارة المناطق الفقيرة في تونس العاصمة وأكّد لهم على تعاطفه. كما وعد وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي بأنّ الحكومة سوف ترفع معاشات الرعاية الاجتماعية بنحو 70 مليون دولار. ومن جهته وعد الشاهد بأنّ ذلك “العام هو آخر الأعوام السيئة للتونسيين”. وشرعت الحكومة في تنفيذ مشروع لتطبيق اللامركزية كان يُفترض أن يساهم في تطوير اقتصاديات المجتمعات المحلية ومعالجة التفاوت المادي بين مختلف المناطق والأقاليم التونسية.

ومع ذلك، عجزت المجالس البلدية عن تلبية احتياجات الطبقات الفقيرة مع تدهور الوضع الاقتصادي والغياب شبه الكامل لأي خدمات حكومية. وادّعى معارضون أنّ خطة اللامركزية لم تكن أكثر من مجرد حجة استعملتها الحكومة المركزية للتخلي عن مسؤوليتها تجاه المجتمعات المحلية.

وبحلول نهاية 2018، الذي كان من المفترض أن يكون “آخر الأعوام السيئة للتونسيين”، لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية. بل وقعت اشتباكات في شمال تونس وشرقها في ديسمبر. وفي القصرين بوسط البلاد، أضرم الصحفي عبد الرزاق الزرقي النار في نفسه احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية. وقال الزرقي في مقطع مصور نشره قبل وفاته، “من أجل أبناء القصرين الذين لا يملكون مورد رزق، اليوم أبدأ ثورة وحدي”. فعل الزرقي ذلك تأسياً بمحمد البوعزيزي في سيدي بوزيد القريبة من القصرين عام 2010، والذي أشعل شرارة الثورة التونسية والربيع العربي. وفي 14 يناير 2019، دعت النقابة الوطنية للصحفيين إلى إضراب عام بمناسبة الذكرى الثامنة للثورة.

وفاة السبسي والانتخابات الجديدة

في يونيو 2019، شكل الشاهد وهو ما يزال في منصب رئيس الوزراء حزباً جديداً للمنافسة في الانتخابات التي كان من المقرر إقامتها في نوفمبر. وبعد وفاة السبسي عن عمر يناهز 92 عاماً في يوليو من ذلك العام، تقرر تقديم موعد الانتخابات لتُعقد في سبتمبر. وأعقب ذلك مباشرةً إجراء انتخابات تشريعية في شهر أكتوبر.

انتُخب قيس سعيّد، أستاذ القانون سابقاً والمرشح المستقل الذي لم يكن عضواً في أي حزب سياسي، رئيساً للبلاد ببرنامج يهدف إلى محاربة الفساد. فاز سعيّد بأغلبية كبيرة تجاوزت 70% من إجمالي الأصوات، وحصد 90% من أصوات الناخبين الشباب. لكن نسبة الإقبال كانت ضعيفة في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، إذ لم تتجاوز 54%. وفي الانتخابات التشريعية، انخفضت نسبة الإقبال من 68% عام 2014 إلى أقل من 42% عام 2019، وصوّت المقترعون بكثرة للقوائم الصغيرة، وهو ما أفضى إلى حالة من التشرذم في مجلس النواب.

وخسرت حركة النهضة 25% من المقاعد، لكنها ظلت صاحبة النسبة الأكبر من مقاعد مجلس النواب بسبب حالة الانقسام. وحقق الأعضاء السابقون في التجمع الدستوري الديمقراطي، حزب بن علي، نتيجة جيدة وحصدوا 17 مقعداً، وذلك بعدما أعادوا تنظيم صفوفهم تحت اسم الحزب الدستوري الحر، مستغلين حنين البعض إلى “الاستقرار” الذي روّج له النظام القديم.

كانت نتائج الانتخابات بمثابة شهادة على انهيار التوافق السياسي. إذ تراجعت الثقة في المؤسسات والأحزاب السياسية. وكان ذلك دليلاً على فشل الدولة في تحقيق التغييرات السياسية والدستورية في المجتمع بأسره، والتي كانت من مكتسبات الثورة.