وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تركيا بعد أتاتورك

تم نقل جثمان أتاتورك إلى أنقرة بالقطار
تم نقل جثمان أتاتورك إلى أنقرة بالقطار

أدّى التحوّل إلى التعددية السياسية الذي كان محتّماً، على غرار السياسة “الألمانية” لنظام عصمت إينونو الذي خلف مصطفى كمال أتاتورك بعد موته عام 1938، إلى تغيير سياسي عام 1950. بين العامين 1950 و 1960، واجهت حكومة عدنان مِندرِس (1899-1961) من الحزب الديمقراطي – التي أصبحت دكتاتورية إلى حد كبير، وخصوصاً بعد انتخابات عام 1957 – اعتراض أفراد من الجيش والطلاب الشباب. وأطاح انقلاب عام 1960 بمِندِرِس وتم إعدامه مع اثنين من وزرائه. وأظهر الانقلابان العسكريان في 1971 و 1980، واللذان استهدفا بشكل خاص اليسار المتطرف، مدى عدم الاستقرار السياسي في البلاد التي تحالفت مع الدول الغربية في الحرب الباردة.

1983 – 1997

حدث التدخل العسكري الأخير بعد فترة من العنف تمثلت في مواجهات بين الأحزاب المتطرفة اليسارية واليمينية والعديد من المذابح المنظمة، بشكل خاص ضد العلويين، والتي نجم عنها حوالي 6000 ضحية؛ وتم اعتماد عقيدة كمالية إسلامية قومية متطرفة بهدف عسكرة الأجواء السياسية والمجتمع. ورغم نهايتها رسمياً، الذي اتسم عام 1983 بانتصار حزب الوطن الأم بزعامة تورغوت أوزال (1927-1993) – سياسي محافظ آثر الحلول الليبرالية لحل القضية الكردية قبل اختفائه بفترة وجيزة، والذي يعزوه الكثيرون إلى اغتياله – إلا أنّ البلاد لم تستطع التخلص من الحكم الاستبدادي الذي فرضه عليها دستور عام 1982، والذي تم إعداده برعاية الجيش.

كما اتّسمت الحقبة الجديدة بظهور الميليشيات الكردية لحزب العمال الكردستاني، والتي أزهقت أرواح أكثر من 40,000 شخص منذ عام 1984 وحتى يومنا هذا، وبروز الإسلام السياسي الممثل بحزب الرفاه الذي أسسه نجم الدين أربكان (1926-2011). وشهدت التسعينيات تشكّل حكومات ائتلافية عديدة ضعيفة سلمت للجيش القضية الكردية والإسلام السياسي. فنشرت فرق الموت الرعب في كردستان وخاضت حرباً دامية مع الدولة، إلى أن نجح الجيش في 30 حزيران/يونيو عام 1997 من إرغام أربكان على التنحي بعد مرور سنة على تعيينه رئيساً للوزراء.

منذ 2002

لكن على الرغم من معارضة الجيش الشديدة، إلا أنه لم يفلح في منع فوز حزب العدالة والتنمية – فصيل من الحزب الإسلامي الذي كان يرأسه نجم الدين أربكان – الذي يرأسه رجب طيب أردوغان في انتخابات عام 2002. ومن خلال مناصرة التحول الديمقراطي والتعصب الاجتماعي والتحرر الاقتصادي الحديث وعظمة التاريخ التركي العثماني ومعارضة إسرائيل والبراغماتية في العلاقات مع واشنطن، تحدّى أردوغان جميع الصعاب وأصبح “الرجل الوحيد” في الساحة السياسية التركية.

وفاز حزبه بـ 50% من الأصوات في انتخابات عام 2011. وعلى الرغم من استمرار الجيش بلعب دور مباشر في القضية الكردية، إلا أنه تعرض للتهميش بشكل كبير بعد الكشف عن محاولات الانقلاب الفاشلة. وفي الفترة الممتدة بين العامين 2009 و 2012، تم اعتقال واتهام أكثر من مئة من كبار الضباط.

يعزى نجاح أردوغان السياسي واستمراريته جزئياً إلى دعم البرجوازيين والطبقات الوسطى المتزمتة التي تعتبره مدافعاً عن النظام الاجتماعي المحافظ وزعيماً يعيد للدولة أمجادها. والعامل الآخر هو الدعم الذي حظي به حزب العدالة والتنمية من “جماعة فتح الله” التي أسسها العالم والواعظ الإسلامي فتح الله كولن (المنفي إلى الولايات المتحدة الأمريكية)، والمتهمة بالتغلغل في الكثير من أجهزة الدولة. في الواقع، حلت هذه الجماعة محل الجماعات الدينية القادرية والنقشبندية كدعامة أساسية للحركة المحافظة والدينية في تركيا. ويعرّف أردوغان الفقر بأنه مسألة غير سياسية يجب التعامل معها بالأعمال الخيرية، وبهذا حظي بدعم الكثير من الأتراك ذوي الدخل المنخفض. بدأت حكومة أردوغان، التي نالت استحسان بعض المراقبين كنموذج “للديمقراطية الإسلامية”، مفاوضات بشأن انضمام تركيا إلى

الاتحاد الأوروبي في كانون الأول/ديسمبر 2004. كان من المفترض اكتمال الانضمام عام 2014، إلا أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود لأسباب عديدة، منها: معارضة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل؛ ورفض أنقرة الاعتراف بقبرص (التي يحتل الجيش التركي نسبة 40% من أراضيها منذ عام 1974) كدولة متحدة مستقلة؛ وتحوّل حزب العدالة والتنمية نحو الاستبداد والتحفظ منذ نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على الرغم من الانفتاح الديمقراطي الذي أبداه خلال سنوات حكمه الأولى.

Advertisement
Fanack Water Palestine