وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ناطحات السحاب المذهلة في دبي، هل هي آمنة؟

UAE- Fire at Fountain Views Tower
رجال الإطفاء يكافحون حريقاً في موقع بناء برج فاونتين فيوز بجانب دبي مول، دبي، الإمارات العربية المتحدة، 2 ابريل 2017. Photo AP

منذ عام 2012، ضربت موجة من الحرائق المباني الشاهقة في دبي وغيرها من إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة. أثارت الحرائق، التي جذب بعضها اهتماماً عالمياً، مخاوف جدية بشأن قوانين السلامة في دبي، فضلاً عن مواد العزل الخارجية التي تستخدم عادةً في بناء ناطحات السحاب التي تُهيمن على أفق المدينة.

وكرد فعلٍ على الحرائق – بما في ذلك الحريق المذهل في ليلة رأس السنة لعام 2015 في فندق فخم بالقرب من أطول مبنى في العالم، برج خليفة – أعلنت دبي في يناير 2016 عن قوانين السلامة الجديدة التي تهدف إلى القضاء تقريباً على ارتفاع مخاطر اشتعال النيران في المباني الخارجية متعددة الطوابق. غير أن العمل الفعلي لتحديث الألواح المعرضة للحرائق قد تباطأ جزئياً بسبب المشادات القانونية حول من ينبغي له تحمّل التكاليف.

تحتل دبي المرتبة التالية بعد هونغ كونغ ونيويورك في العالم بالنسبة إلى أكبر عدد من ناطحات السحاب المكتملة التي يبلغ ارتفاعها 150 متراً أو أطول. وبالإضافة إلى تلك المباني الـ160، يوجد في دبي 40 مبنى آخر متعدد الطبقات تحت الإنشاء. بالمجمل، هذه المدينة الصحراوية الحديثة على الخليج العربي هي موطن لحوالي 900 مبنى شاهق.

تمت الكثير من أعمال البناء هذه خلال الازدهار الهائل الذي شهدته دبي في العقد الأول من القرن العشرين، خاصة بعد تعديل قوانين العقارات في عام 2002 مما سمح لغير الإماراتيين بشراء العقارات للمرة الأولى. أدى ذلك إلى تسريع انتشار المباني الشاهقة الجديدة، حيث غالباً ما تباع العقارات قبل اكتمال انشائها، مما يتيح للمتعهدين عدم الالتزام بالمعايير واللوائح.

وقد وثقت صحيفة جلف نيوز مؤخراً اثني عشر حريقاً اندلعت في الإمارات العربية المتحدة في الفترة ما بين 25 يناير 2012 و28 مارس 2016، الأمر الذي يعتبر رقماَ ضخماً. حدثت عدة حرائق أخرى منذ ذلك الحين، منها حريقان في صيف عام 2016 وآخر في ديسمبر 2016. وفي أبريل، اشتعلت النيران في برج مكون من 72 طابقاً في وسط مدينة دبي في الجهة المقابلة لأكبر مركز تجاري في المدينة. وقال المدير العام للدفاع المدني في دبي اللواء راشد ثاني المطروشي أن الحريق مجرد “حادث عرضي” بدأ عند طابق وقوف السيارات وانتشر من هناك.

وقع الحريق الاخير على بعد حي واحد من فندق العنوان المكون من 63 طابقاً، والذي تعرض لحريق ضخم وقع قبل ساعات قليلة من عرض الالعاب النارية لرأس السنة الجديدة عام 2016. اندلعت هذه النيران الضخمة بعد 10 أشهر فحسب من اندلاع النيران في ناطحة سحاب برج الشعلة في دبي، واحدة من أطول المباني السكنية في العالم.

ووفقاً لشرطة دبي، حدث الحريق في فندق العنوان بسبب تماس كهربائي في ضوء كشاف يقع على أحد الرفوف بين الطابقين الـ14 و15. ولم تحدد السلطات السبب الرئيسى لاندلاع النيران في برج الشعلة. وقال شهود العيان ان الحريق اندلع فى الطابق الـ51 وسرعان ما امتد الى الطابق الـ83 وحرق كل ما في طريقه. وقال ساجد رضا، المستشار ونائب الرئيس في شركة بتلر للهندسة، وهي شركة متخصصة في استشارات السلامة من الحرائق والسلامة في المباني في الإمارات العربية المتحدة، للخليج تايمز، أن ذلك كان “غير طبيعي،” لأن من المفترض أن تمنع مواد البناء الحريق من الانتشار.

إذاً، ما هو القاسم المشترك بين هذه الحرائق التي تشتعل في المباني الشاهقة في دبي؟

كان الجحيم المستعر ذاته في كل مرة، يلتهم جانبي المباني صعوداً ونزولاً، تغذيه الألواح الخارجية. وفي معظم الحالات، تم تحديد مادة بناء محددة باعتبارها الجاني الرئيسي. فمن أجل عزل الأسطح الخارجية من المباني الكبيرة مع الحفاظ على وزن منخفض بالمجمل، اختار العديد من المتعهدين ما يسمى بـ”البلاستيك الحراري المحوري،” والتي هي في الأساس طبقات من البولي يوريثين التي يتم حشوها في كسوة الألومنيوم. ولكن هذا البولي يوريثين هو مادة صلبة قابلة للاحتراق ويمكن إشعالها إذا تعرضت للهب مفتوح. وتغطي ألواح الكسوة هذه المصنوعة من الألمنيوم، والتي تعطي مظهراً جمالياً، ما يقدر بـ70% من المباني الشاهقة في الإمارات العربية المتحدة. إن إرتفاع سعر الألمنيوم الصلب يجعل الألواح المصنوعة من الألومنيوم ثنائي الألواح بالبولي يوريثين خياراً اقتصادياً بشكلٍ أكبر.

غالباً ما تجتاز الألواح الأقل تكلفة الاختبارات المعيارية لقابلية الاشتعال، ولا تشتعل أبداً بفعل حرارة الشمس. ومع ذلك، إذا ما تعرضت الألواح لنيران مفتوحة من موقد الغاز، أو فحم الأرجيلة، أو سيجارة مشتعلة، أو مصدر آخر للنيران، تشتعل النيران بها بسرعة.

وقال توم بيل رايت، مؤسس شركة استشارية دولية في مجال السلامة من الحرائق في دبي، لمجلة إفيسيك العالمية أن الألواح اكتسحت سوق الإمارات فجأة قبل نحو 10 أو 12 عاماً. وأضاف “أعتقد أن لا أحد هنا يعرف شيئاً عن هذه المشكلة – باستثناء الشركات المصنعة، بما في ذلك بعض الشركات الضخمة جداً في الشرق الاقصى، التي اختارت على ما يبدو الحفاظ على الصمت حيال هذا الأمر.”

يكمن الخطر الذي تشكله هذه الكسوة الجديدة أنه في حال اشتعال النيران، ستنتشر النيران بسرعة صعوداً وهبوطاً في المباني الشاهقة. وثم تتساقط شظايا اللهب، وبمساعدة من الرياح، ينتشر الحريق إلى المباني القريبة والأجسام على الأرض. وبالتالي فإن مشكلة السلامة من الحرائق هي قضية جمالية أيضاً، إذ يبدو أن دبي مولعة بالمباني المعدنية البراقة.

ولحسن الحظ، فإن الحرائق التي تصدرت العناوين الرئيسية في دبي لم تسفر عن أي وفيات. فعادةً ما تلتهم النيران واجهات المباني، في حين تبقى المناطق الداخلية آمنة نسبياً، وذلك بفضل قوانين السلامة الخاصة بالحريق في دبي، والتدابير الإلزامية مثل الرشاشات والألواح المقاومة للحريق.

وفي معرضٍ خاص بالسلامة أقيم في 22 يناير 2017، أعلن الملازم أول في الدفاع المدني، طاهر حسن الطاهر، قواعد وأنظمة جديدة للسلامة من الحرائق في الإمارة. وقال طاهر لصحيفة آراب نيوز أن القوانين الأكثر صرامة تهدف إلى الحد من خطر نشوب الحرائق و”تقليلها إلى صفر.” من بين أمور أخرى، ستطلب دبي من المتعهدين استبدال الكسوة القديمة المعرضة للحريق أو دفع غرامات تصل إلى 50 ألف درهم (13,623 دولار). وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على جميع المباني التي اشتعلت فيها النيران بالسابق إزالة جميع ألواح الكسوة القديمة، وليس فقط تلك التي تضررت من الحريق.

وقال باري غرينبرغ، أحد كبار الشركاء في شركة بي إس أي أحمد بن حازم وشركاه، وهي شركة محاماة في دبي، أنّ التعديلات تكلف ملايين الدولارات لكل مبنى. وقال غرينبرغ أن المعركة القانونية الجارية حول من يجب أن يدفع تكاليف هذه التعديلات على المباني، ساعدت في تأخير الاصلاحات. ومن الأسباب الأخرى المحتملة للتقدم البطيء هو أن الحرائق لم تسفر بعد عن إصابات جماعية، على الرغم من إصابة بعض الأشخاص.

وقال فيل باري، وهو خبير في السلامة من الحرائق لدى شركة CWB Fire Safety ، ومقرها غلوسستر، والذي عمل على نطاق واسع في قطر والإمارات العربية المتحدة، لصحيفة تيلغراف أن عمليات التفتيش على السلامة من الحرائق في هذه البلدان متهاونة لسببين. الأول هو أن العمال الوافدين الذين يقومون بعمليات التفتيش يفتقرون إلى التعليم والخبرة المناسبين. والسبب الآخر هو أن أصحاب المباني عادة ما يتمتعون بعلاقات رفيعة المستوى، مما قد يسهل عليهم تجنب القوانين. وأشار باري إلى أن دبي قامت بتحديث معاييرها الخاصة بالنيران للمباني من الخارج في عام 2013، بينما اعتمدت هذه المعايير في المملكة المتحدة، في عام 1973.

وبالتالي، يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت المباني الشاهقة في دبي ستصبح أكثر أمناً في المستقبل القريب. يبدو أن الإجابة على هذا السؤال، في الوقت الراهن، هي “لا.” أحد البراهين على هذا التشاؤم هو استمرار اتهام الإمارات العربية المتحدة بتغذية طفرة البناء في البلاد بالعمال الوافدين غير النظاميين، الذين يحتجزون في مواقع البناء فيما يعتبر بشكلٍ أساسي معسكرات عبودية الأجر.