على مر السنين، قامت إسرائيل بتصعيدات متكررة ومكثفة وقصيرة المدى. كان أكثرها دموية في آذار/مارس 2012 عندما شنت القوات الإسرائيلية هجوما لأربعة أيام على قطاع غزة، أسفر عن 25 قتيلاً و 100 جريح. وردت حماس بإطلاق صواريخ على إسرائيل.
بعد ظهر يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، أطلقت إسرائيل أكبر حملة عسكرية لها ضد قطاع غزة منذ الغزو في كانون الأول/ديسمبر 2008 وكانون الثاني/يناير 2009. وقبل البدء بالهجوم، ضمنت إسرائيل دعم الولايات المتحدة وأوروبا. صرحت الحكومة الإسرائيلية بأن الأهداف العسكرية للعملية كانت ‘تعزيز الردع؛ وإلحاق أضرار جسيمة في شبكة إطلاق الصواريخ؛ وتوجيه ضربة موجعة لحماس وباقي المنظمات الإرهابية؛ وتقليل الأضرار التي تلحق بجبهتنا’. ومنذ ذلك الحين، أبقت إسرائيل على حصار غزة بمنع الفلسطينيين من دخول “منطقة عازلة” بعرض 300-1500 م والدخول الحر للأشخاص والبضائع إليها، وذلك بقصف مناطق قريبة من الحدود بين غزة وإسرائيل وإطلاق النار على الصيادين الفلسطينيين الذين يتجاوزون حدود الثلاثة أميال بحرية وتصفية مسلحي غزة. وشهدت الحدود توغلات إسرائيلية أسبوعية، مما أدى إلى إطلاق صواريخ من الجانب الفلسطيني من قبل حماس وغيرها.
إجهاض الوساطة
في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، توغلت القوات الإسرائيلية في شمال شرق خان يونس، حيث قتل طفل في الثالثة عشر من عمره. وبعد يومين، هاجم مقاتلون فلسطينيون دورية للجيش الإسرائيلي بالقرب من حدود غزة، مما أسفر عن إصابة أربعة جنود إسرائيليين. وفي أعقاب ذلك، هاجمت إسرائيل أحياء مدنية، مما أسفر عن مقتل أربعة فلسطينيين. وبعد ذلك بوقت قصير، ذكرت رويترز أن هدنة تمت بوساطة مصرية. ومع ذلك، فشلت الوساطة بعد اغتيال إسرائيل لأحمد الجعبري بغارة جوية في 14 تشرين الثاني/نوفمبر. وكان الجعبري نائب القائد العام للجناح العسكري لحركة حماس وقيادياً بارزاً في قطاع غزة الذي سيطرت عليه حماس عام 2007، ولعب دوراً في أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
صرّح مصدر إسرائيلي – غيرشون باسكن من المركز الفلسطيني الإسرائيلي للأبحاث والمعلومات (IPCRI)، الذي قلم في وقت سابق بوساطة بين إسرائيل وحماس في إطار صفقة تبادل أسرى بين الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وسجناء سياسيين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والذي كان لا يزال على اتصال مع الجعبري بشأن اتفاق هدنة بأن الجعبري، وقبل ساعات من اغتياله، تلقى نص مشروع الاتفاق ‘الذي تضمن آليات للحفاظ على وقف إطلاق النار في حالة احتدام بين إسرائيل والفصائل في قطاع غزة’ – أنه من الواضح أن إسرائيل لم تكن تتطلع إلى وقف إطلاق النار. أدان دبلوماسيون مصريون وعرب حادث الاغتيال بشدة.
الهجوم الجوي
بعد بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي، ارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين بسرعة. استهدفت إسرائيل المنازل والمساجد والمدارس ومكاتب وكالات الإغاثة ومحطات الإذاعة والتلفزيون. أصيب أكثر من ثمانية آلاف منزل بأضرار جسيمة وتم تدمير مئتي منزل بشكل كامل. وسرعان ما نفذت المستلزمات الطبية من المستشفيات، ومن بينها مستشفى الشفاء في مدينة غزة، التي كانت تكافح للتعامل مع أعداد الضحايا. وفق منظمة الصحة العالمية، كان أكثر من 40% من الأدوية الأساسية وأكثر من 50% من المستلزمات الطبية نافذة من المستودعات قبل اندلاع القتال حتى.
في سياق هجوم الأيام الثمانية، نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي 1500 غارة جوية استهدفت العديد من المواقع، وفق وزارة الخارجية الإسرائيلية، أي ثلاثة أضعاف أكثر من الحملة العسكرية عام 2008/2009 والتي استمرت 22 يوماً.
رداً على ذلك، أطلقت حماس صواريخ مضادة للطائرات على المقاتلات الإسرائيلية، كما أطلقت أكثر من 1500 صاروخ وقذائف الهاون على جنوب إسرائيل، وصلت بعضها إلى ضواحي مدن كبرى مثل القدس وتل أبيب، رغم وجود نظام الدفاع الجوي “القبة الحديدية” المتطور.
في النهاية، ارتفع عدد القتلى إلى أكثر من 185 وأصيب أكثر من 2000 بجروح، معظمهم من المدنيين. قدّرت غرفة التجارة الفلسطينية الأضرار التي لحقت بقطاعات الزراعة والصحة والرعاية الاجتماعية بـ 300 مليون دولار. وفق طاهر النونو، المتحدث باسم حماس، كانت كلفة إعادة بناء الضرر المباشر الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية 545 مليون دولار، بينما تقدّر الأضرار غير المباشرة بنحو 700 مليون دولار.
من الجانب الإسرائيلي، قُتل ستة إسرائيليين، اثنان منهم جنود، وجُرح نحو 200. وكانت الأضرار المادية محدودة.
على عكس هجوم 2008/2009، حافظت مصر على فتح معبر رفح. بينما واصل الجنود الإسرائيليون والفلسطينيون تبادل إطلاق النار، زار رئيس الوزراء المصري هشام قنديل قطاع غزة في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، الزيارة التي اعتبرت إشارة واضحة إلى دعم مصر. وتواترت الزيارات على المستوى الرفيع، من وزير خارجية تركيا، الذي وصف الهجوم الإسرائيلي ‘جريمة ضد الإنسانية’، والأمين العام لجامعة الدول العربية، فضلاً عن العديد من وزراء خارجية عرب آخرين.
وقف إطلاق النار
من خلال استدعاء 70,000 مجند احتياط، أشارت إسرائيل إلى أنها كانت تستعد لهجوم عسكري على نطاق واسع. من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية قللت في السابق من إمكانية قيام القادة السياسيين العرب والأتراك برد حازم، إلا أن الوضع كان مختلفاً هذه المرة عن هجوم عام 2008/2009 نتيجة الظروف السياسية الجديدة منذ بداية الربيع العربي عام 2011. ولذلك، قام كل من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في مرحلة مبكرة من الأعمال القتالية، برحلات مكوكية بين مصر وإسرائيل والضفة الغربية المحتلة في محاولة لتعزيز اتفاق وقف إطلاق النار المقترح بين حماس وإسرائيل بوساطة القاهرة.
في نهاية المطاف، أصبح وقف إطلاق النار ساري المفعول في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2012. وبالتالي، بدت حماس وكأنها حصلت على مطالبها: وقف عمليات القتل المستهدف؛ وتخفيف القيود على حركة الأشخاص والبضائع؛ وفتح المعابر الحدودية. وكان على الهجمات الفلسطينية أن تتوقف، ولكن تهريب السلاح لم يتوقف.
بشكل عام، خرجت حماس كمنتصرة من هذه الجولة من المواجهة مع إسرائيل: عسكرياً كما لو أنها استطاعت مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية وتأكيد البقاء في السلطة على الرغم من الضربة الهائلة التي تعرضت لها؛ وسياسياً جذبت حماس اهتماماً دولياً غير مسبوق وأظهرت الرئيس محمود عباس والسلطة الوطنية الفلسطينية كمتفرجين سلبيين دون رأي في عملية المفاوضات ولا في الاتفاق الذي أدى إلى وقف إطلاق النار.
بعد وقف إطلاق النار، عمت البهجة قطاع غزة، وامتلأت الشوارع بالسيارات والتزمير والألعاب النارية وصيحات النصر من مكبرات الصوت. وبعد ذلك بوقت قصير، احتفل سكان غزة بوصول زعيم حماس خالد مشعل، الذي كان في المنفى منذ حرب حزيران/يونيو 1967. اشترك 200,000 فلسطيني على الأقل يوم 7 كانون الأول/ديسمبر 2012 في مسيرة في مدينة غزة، استغلها مشعل لتعزيز مكانة حماس المتنامية في العالم العربي ودفع القضية للمصالحة مع السلطة الوطنية الفلسطينية. كما شاركت وفود من قطر وماليزيا وتركيا ومصر والبحرين في المسيرة، إضافة إلى قادة محليين من فتح التي لم تشارك في حدث كهذا منذ عام 2007 على الأقل.