وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اضطهاد مجتمع الأقباط المسيحيين في مصر

مسيحيون مصريون يحضرون جنازة جماعية العدد من الأقباط
مسيحيون مصريون يحضرون جنازة جماعية العدد من الأقباط الذين قُتلوا في اشتباك طائفي في كاتدرائية القديس مرقس في حي العباسية, القاهرة, مصر, 7 أبريل, 2013. PhotoTareq Gabas/ZUMA

منذ تأسيس الدولة الحديثة في مصر، لطالما شكل الأقباط المسيحيين أكبر الأقليات في البلاد. وقبل ذلك بوقتٍ طويل، كانوا يعيشون، بسلامٍ معظم الوقت، مع الأغلبيات المختلفة التي حكمت البلاد على مدى قرون.

ولكن، مع النهوض التدريجي للإسلام في مصر على مدى الـ60 عاماً الماضية، شعر المسيحيون بازدياد التمييز ضدهم، وطورت الكنيسة علاقة ليّنة مع الحكومة للحصول على الحماية. بلغ هذا الاضطهاد ذروته خلال فترة الحكم الطويلة للرئيس المصري السابق المستبد حسني مبارك (1981-2011). ولحماية الـ8 إلى 10 ملايين مسيحي مصري، عمد البابا شنودة الثالث (الذي توج للجلوس على عرش البابوية في عام 1971 وحتى عام 2012)، والذي كان يقود الكنيسة آنذاك، إلى عقد اتفاقٍ غير مكتوب مع الحكومة التي كانت في ذلك الوقت تضييق الخناق على الإسلاميين. ومع ذلك، شهدت تلك الفترة أيضاً تصاعد الهجمات الطائفية ضد المسيحيين والتي غالباً ما كانت تؤيدها الحكومة.

وفي السنوات اللاحقة، وصولاً إلى ثورة يناير 2011، أصبحت هذه الهجمات شائعة على نحوٍ متزايد، وبخاصة في المناطق الريفية في مصر، وغالباً ما أتهم رجال الشرطة بالانحياز ضد المسيحيين. وفي كثير من الأحيان، أجبر المسيحيون على الهجرة القسرية من المدن بأكملها بعد الاشتباكات، وشهدت صراعات معينة بغيضة حرق منازل ومحال المسيحيين، حيث غالباً ما غضت الشرطة الطرف عن مثل هذه القضايا.

ولكن سرعان ما أدت الإطاحة بحسني مبارك إلى تغيير الوضع الراهن. فقد انضم المسيحيون الشباب إلى الاحتجاجات بشكلٍ جماعي، الذين وقفوا جنباً إلى جنب مع الإسلاميين في اعتصامات ميدان التحرير، متحدين تحت راية واحدة.

وعندما استولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة على السُلطة، تم قمع مظاهرة سلمية للمسيحيين في أكتوبر 2011 من قِبل قوات الأمن، مما أسفر عن مقتل 28 شخصاً وإصابة المئات. وأظهرت اللقطات مدرعات الجيش تسحق المتظاهرين والجنود يطلقون النار بطائفية اتجاههم. وبث التلفزيون المصري الحكومي تقريراً دعا من خلاله “المصريين الشرفاء” النزول إلى الشارع دعماً للجيش والهجوم على المتظاهرين.

“لا أفهم سبب قيام الجيش بفعل ذلك في ماسبيرو،” قالت كريستينا سوريال، وهي شابة مسيحية تعمل في شركة للنفط متعددة الجنسيات في مصر. “أعتقد أنهم يريدون إسكات المسيحيين مجدداً، كما فعلوا دوماً في الماضي.”

تمخضت أول انتخابات رئاسية حرة في عام 2012 بعد ثورة ينايرعن سباقٍ بين مرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، وآخر رئيس وزراء في عهد مبارك، أحمد شفيق. انقسم الثوار بين مؤيدٍ لمرسي ومقاطعٍ للانتخابات، ولكن الأقباط كانوا يدعمون شفيق بقوة.

شادي ميشال، وهو مسيحي مصري يبلغ من العمر 33 عاماً، لم يكن مقتنع تماماً إلا أنه في النهاية صوّت لصالح شفيق. “إنه أهون الشرين،” أخبرنا في مقابلة له مع Fanack.

فاز مرسي بالانتخابات بفارقٍ ضئيل جداً. وخوفاً من وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السُلطة، مما قد يؤدي إلى تصعيد اضطهاد المسيحيين، كان هناك نزوح جماعي للمسيحيين الذين سعوا إلى الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وفي حين تعهدت جماعة الإخوان المسلمين بعدم التمييز ضد المسيحيين، إلا أن التاريخ الطويل، والذي غالباً ما امتاز بالدموية، في ظل وجود الإسلاميين والسلفيين، الذين يتمتعون أيضاً بسُلطة كبيرة بعد حصولهم على عدد كبير من المقاعد في البرلمان، فشل في طمأنة الكنيسة والمسيحيين على حد سواء.

“لا أعتقد أن الإخوان المسلمين كان لديهم خطط ضد المسيحيين، ولكن هناك تاريخ طويل للصراع بين المسلمين والمسيحيين، وأعتقد أنه توجب على الإخوان المسلمين فعل المزيد لطمأنة المسيحيين أنهم سيكونون بمأمن عند صعود الجماعة إلى السُلطة.” يقول أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذي فضل عدم ذكر اسمه.

ومع ذلك، لم تبذل جماعة الإخوان المسلمين جهداً كافياً لتهدأة روع المجتمع المسيحي. وبالإضافة إلى فوز الإسلاميين بثلثيّ المقاعد في البرلمان، كان هناك زيادة في تمثيل الإسلاميين في الحكومة، في حين انخفض تمثيل المسيحيين. “جعلوني أشعر أن مصر لم تعد بلدي، وشعرت بالخوف من وصول هؤلاء المتعصبين إلى السُلطة،” تقول كريستينا.

دعم المجتمع القبطي للسيسي

استمر وجود مرسي في سدة الحكم عاماً واحداً، قبل الإطاحة به بانقلاب عسكري مدعوم من الشعب في 3 يوليو 2013. ولمع نجم عبد الفتاح السيسي باعتباره الرجل القوي وراء الحركة الي أدت إلى سقوط جماعة مرسي، وأشاد به المصريون باعتباره بطلاً، سيما المجتمع المسيحي.

“شعرت أن المسيحيين مستهلكين بشكلٍ كامل من جماعة الإخوان المسلمين. أدى هذا إلى ظهور جرائم الكراهية ضدنا في عهد مرسي،” يقول ميشال. ويضيف “انخفضت هذه المشاعر المعادية للمسيحية بشكل كبيرٍ بعد الإطاحة بمرسي.”

وبالتالي، فإن تزايد شعبية السيسي في أوساط المجتمع المسيحي تجاوز شعبيته بين المصريين. “جعلنا نشعر أننا جزء من هذا البلد مجدداً،” تقول كريستينا، التي قالت أنها لم تعد تفكر في مغادرة البلاد، على الرغم من عيوبها.

وإلى جانب الدعم الذي حصل عليه السيسي من المسيحيين في الشارع، كان يحظى أيضاً بدعم قوي ومنظم من قِبل الكنيسة. وعندما قرر الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2014، دعمته الكنيسة بقوة وحشدت المسيحيين للتصويت لصالحه. في المقابل، أظهر السيسي دعمه للمجتمع المسيحي، ليصح بذلك أول رئيس مصري يزور الكاتدرائية خلال احتفالات عيد الميلاد القبطي.

تم استقباله في هذه الزيارة بهتافات مدوّية من قِبل المسيحيين في الكاتدرائية، كما كان باستقبال الرئيس البابا تواضروس الثاني، الذي رحب به أشد ترحيب. كما عمد الأنبا بولا أسقف طنطا، إلى إصدار بيان علني ترحيباً بخطوة الرئيس على شاشات التلفزيون تعقيباً على زيارته، حيث قال “وفجأة نرى المسيح ظهر داخل الكنيسة يوم ميلاد المسيح،” وهو تصريحٌ انتشر على نطاقٍ واسع في اليوم التالي للزيارة في وسائل الإعلام، كما واجه معارضة شديدة من بعض المسيحيين الشباب بسبب المزج الواضح بين الكنيسة والسياسة.

ولطالما طمس الطريق بين الكنيسة والدولة في مصر. “تلعب الكنيسة دوراً سياسياً بسيطاً، ونعم، هذا خاطىء، إلا أنها تفعل ذلك لمصلحة المسيحيين،” يقول ميشال. وتكرر كريستينا رأيه هذا، على الرغم من أنها تشبه بعض وسائل الكنيسة بتلك التي كانت تتبعها جماعة الإخوان المسلمين. “إلا أنه يتوجب عليهم تشكيل كتلة انتخابية فعّالة لإيجاد مرشح قادر على دعم المسيحيين ضد التمييز.”

وبينما يشعر المسيحيون في مصر بأمان أكبر منذ الحملة على الإسلاميين، إلا أن العديد من النشطاء المسيحيين يعارضون تآكل حقوق الإنسان الذي حصل بعد ثورة يناير 2011. ويؤكد العديد منهم على شعورهم بأمان أكبر الآن، إلا أنهم يخشون أنها ليست سوى مسألة وقت قبل أن يعودوا ليصبحوا كبش فداءٍ مجدداً.

“لن تكون البلاد آمنة قط بالنسبة للمسيحيين، وبخاصة أولئك في صعيد مصر والمجتمعات الأكثر فقراً، ولكن على الأقل الأمور أفضل الآن.” تقول كريستينا.

Advertisement
Fanack Water Palestine